فكرة الثورة..
الأربعاء, 29-سبتمبر-2010
نبيل حيدر -

كلما مرت الأيام كلما أثبتت أن ثورة 26 سبتمبر شعلة متوقدة يجب أن تستمر وأن يستمر الاحتفال بنفخة الروح الأولى لها.. * انطلقت الثورة قبل 48 عاماً ولا أعتقد أنها قامت ووثبت على نظام سياسي فقط بل على أنظمة متعددة سياسية واجتماعية واقتصادية كانت تصحو على صيحة الديك وتنام على مواء القطط وأزيز رياح تحاول اختراق بواباتها التي تقفل قبل آذان المغرب، ومع مرور الـ48 عاماً ونتيجة للإرث الثقيل فلا يزال مواء القطط يلاحقنا. فالعديد من الموروثات الثقافية وفي كل مجال لا يزال يمشي الهوينى بين أيدينا ويهددنا بعمر مديد إذا لم نع أن ثورة 26 سبتمبر بدأت في ذاك الفجر البعيد ولكنها يجب أن تبقى متوقدة ومشتعلة، فالمعركة مع الأفكار الجامدة لم تنته بعد ولابد أن يظل المشعل مرفوعاً وأن تتناقله الأجيال ببصيرة تتفتح على أن كل خطوة للأمام تحقق تجاوزاً لموروث سيئ ولفكرة عمياء تعد خطوة نوعية وذات أهمية وقيمة عالية.. فالراسخ الثقافي منذ مئات السنين وتداخله مع الظروف والبيئة القاسية لا يمكن لمئات الآلاف من طلقات الرصاص والذخائر المتعددة أن تغيره في لحظة أو في بضع سنين أو في بضع عقود.. * وبالطبع ومن المؤكد أن أولى بدايات التغيير لحظات تاريخية ورجالها أبطال أسطوريون مهدوا الطريق بدمائهم ولحومهم وإذا كان للمجد علم فهم ناره وإذا كانت للشرف راية فهم ألوانها وخفقانها.. إلا أن ما قدموه لن يكون دائم التألق إذا ظللنا نقف عليه وقوف البكم العمي ودون أن نتمثله باستمرار رفع المشعل.. وبالمقابل لن يكون كذلك إذا ذهب البعض بأفكاره ورؤاه إلى أن أولئك الرجال كانوا مجرد فرقة انقلاب. هذان النوعان من المواقف ليسا إلاّ سلبية لا تمت إلى الثورة ورجالها بصلة، وعادة يقال عن الحياة أنها مجرد فكرة، وقد يكون صاحب الفكرة غير متملك لوسائل تطبيقها، أو طبقها بالوسائل المتاحة أمامه واستنفدها.. فهل يدعو ذلك إلى تقبيح الفكرة أو القول بعدم جدواها؟؟!! لو طبقت هذه القاعدة الاستهجانية في علوم الحياة لما تقدم أي علم ولما تحقق أي اكتشاف علمي وتقني.. ولا أظن الثورات تختلف عن العلوم التطبيقية في ذلك لكن قدرها يجعلها أكثر عرضة للرصاص المطاطي الذي يطلق عليها وينسب إليها أخطاء قابيل وقوم موسى وكل ذوي الملك العضوض على مر الزمان وصولاً إلى الاجتياح المنتظر لياجوج وماجوج.. بالمقابل لا يقبل أبداً الركون على تاريخ الثورة والوقوف عنده بقداسة تنسى أن الممارسات والسلبيات والأخطاء موجودة في كل وقت مع فوارق مميزة لأفضلية البعد على القبل خاصة وأن لكل زمان أدواته وجريمة أن نعيش بأدوات الماضي في ظرف الحاضر.. * ما ينبغي أن يكون حاضراً في الوجدان أن الثورة فعل مستمر وأن الثورة الأم انطلقت لتطلق ثورة بداخل كل فرد.. ثورة على أفكاره العمياء.. ثورة على تعصبه الجاهلي.. ثورة على جمود الفكرة الاقتصادية والمعيشية.. ثورة على طرق التربية وابتناء الصحة.. ثورة على مجمل الثقافة الرافضة لقبول الرأي الآخر بل وقبل ذلك القبول بالآخر قبل القبول برأيه.. ثورة على الاعتقاد بالأفضلية.. ثورة على رفض المؤسسة المدنية والاحتكام إليها.. * إذا حدث ذلك فمؤكد أن الدم الفائر الساخن لشهداء الثورة سيعرف البرودة لأن المبتغى سيكون قد تحقق بتغير الأفكار وانتظامها في صف واحد هو صف حب الوطن وحب منفعته والتخلص من ثقافة الأنانية التي لا تصنع غير الكوارث والفتن والأحقاد



*نقلاً عن صحيفة "الثورة" اليمنية