مقومات الدولة الحديثة
الاثنين, 20-سبتمبر-2010
مأمون سلطان الربيعي -
"الدولة هي إطار لشعب ولها حدود معترف بها ولها قانون" . ولم تكن اليمن قبل الوحدة ذات حدود آمنة ولم تكتمل الدولة بما فيها إلا بعد (22مايو1990م) إذ تم ترسيم الحدود مع عمان ومع المملكة العربية السعودية وبهذا تكون اليمن قد خطت الخطوة الأولى نحو بناء الدولة الحديثة أما قبل الوحدة فقد كانت اليمن ذات نظام شطري يسعى كل شطر لإسقاط الآخر ولكن بفضل الله سبحانه تعالى وقدرته وبحكمة اليمانيين انتصرت الوحدة اليمنية وتحققت بدون حرب أو إلغاء لأي منهما وتعد خطوة أخرى لقيام الدولة الحديثة.
من مقومات الدولة الحديثة التماسك الفعلي الاجتماعي وتطور مفهوم المواطنة والوعي الكامل لمفهوم الحقوق والواجبات لكل فرد من أفراد المجتمع المتجسد بالفهم العقلي السليم لكل خطوة تخطوها الدولة نحو التحديث.
إن تطور وسائل العمل والمشاركة العملية لفئات المجتمع من أجل ترسيخ المسار السليم نحو التطور الذي يفضي في الأخير على إقامة الدولة على مستوى متكامل بين البناء التحتي والبناء الفوقي المتميز.
إن الحرب العالمية الثانية كانت قد قضت على ما تبقى في أوروبا بعد الحرب العالمية الأولى ولكن كان هناك تفاعل حتمي داخل المجتمعات الأوروبية التي استطاعت في خلال فترة وجيزة إعادة ما انهار خلال تلك الحربين العالميتين لأن أسس المعرفة العلمية في تلك البلدان كان قد تأسس صرحه عند قيام الثورة الصناعية في القرن التاسع عشر أي أن وسائل العمل المتطورة كانت أحد وسائل أوروبا التي حكمت العقلانية وحسمت قضايا التسامح بين تلك البلدان التي دخلت الحربين بغرض لمن الغلبة ومن ذا الذي يستطيع أن يسيطر على العالم ويتحكم بتطور الحركة الصناعية عالمياً؟.
إن المواد الخام والأيدي العاملة كانتا المبرر لخروج أوروبا على عالم ثالث بغية الاحتواء على مقدراته التي من شأنها أن تدفع بعجلة التقدم نحو البناء الحضاري الجديد القائم على أساس قواعد علمية أفضت إلى مسلمات بديهية لمن تعوزه التواجد خارج الحدود المتحكم بالداخل والخارج.
أن التوظيف الشامل لأفراد المجتمع ذكوراً وإناثا أسهم في عملية التسارع الفعلي لظهور هذا العالم المتعدد في امتلاك الآلة المحركة للتطور الاقتصادي والاجتماعي واستطاعت البلدان الرأسمالية أن تعيد بناءها المحدد وتأخذ شكل التصالح دون التصادم الدامي الذي وقع في الحربين العالميتين وكانت المصالح المشتركة للبلدان الرأسمالية تحتم التقاسم للعالم الثالث الذي دفن تأريخه وظل يبحث عن مخرج من هذا التخلف بغض النظر على يد من؟.
وظهر النظام العالمي الجديد – بعد انتصار الثورة الروسية عام 1917م – الذي أقام نفسه وصياً على البلدان المستعمرة والتواقة للتحرر من التبعية الرأسمالية وتبنت هذه البلدان نظرية الاشتراكية الماركسية اللينينية والتي انحسرت بعد سقوط النظام السوفييتي عام 1990م.
إن المبادئ الخاطئة للنظرية الماركسية اللينينية قد أدت إلى السقوط الفعلي للنظام الاشتراكي المتمثل لتلك النظرية وانتصرت الرأسمالية التي انفردت بالقرار السياسي لمصير الكثير من بلدان العالم وألحقت الهزيمة بالنظام الاشتراكي وفندت مقولاته الفلسفية وحاصرته بعد أن كان منتشراً في معظم بلدان العالم.
كان النظام الاشتراكي قد أقام دولة بدون عقيدة دينية وحارب التفكير المثالي وأقام بديلاً عنه التفكير المادي الذي لا يؤمن إلا بما هو ملموس أما في علم الغيب فلا مكان له على الإطلاق.
وهناك خطوة تعد من أهم الخطوات وعليها ترتكز مقومات الدولة الحديثة وهي "الاقتصاد" إنه رأس المال الذي يقيم التعليم والأمن ويقضي على ترسبات الماضي المتخلف وصمام أمان تفكك المجتمع يقول أحد الحكماء "ومن يملك المال يملك العلم ومن يملك المال والعلم يملك القوة ومن يملك المال والعلم والقوة هو الذي يسيطر" إن أوروبا في العصور الوسطى كانت تعيش حالة من التخلف والفقر وتدني مستوى الحياة المعيشي وحتى تنهض كان لابد لها من التعرف على الحضارة العربية الإسلامية التي بلغت مستوى عالياً من الرقي والتقدم وتكفل الفلاسفة "كانت" و"هيوم" و"هيجل" و"لابتز" في وضع فلسفة الدولة وهؤلاء جميعاً كانوا فلاسفة وعظماء فكر كذلك أطلع الفكر الأوروبي على شرح الفلسفة اليونانية لابن رشد والفارابي وابن سيناء وقاموا بترجمة هذه العلوم الفلسفية والطبيعية والرياضية والطبية وكان أي عالم لا يجيد اللغة العربية من الأوروبيين لا يسمى بعالم مثل ما هو اليوم أي عالم لا يجيد اللغة الانجليزية ليس بعالم واستطاع الغرب خلال فترة وجيزة أن ينجز حضارة وثورة صناعية أذهلت المفكرين العرب الإسلاميين منذ القرن التاسع عشر وحتى اليوم.
ولقد ترجم المفكرون الغربيون كتاب التعاريف لـ"عبد القاهر الجرجاني" وهو أضخم عمل علمي قام به العبقري "عبد القاهر الجرجاني" لقد ترك كل شيء له علاقة بالفكر والمجتمع والطبيعة والعقيدة وأزاحوا سيطرة الكنيسة على الدولة وقاموا بعملية ربط بين الدين والعلمانية ومن يقول: بأن الكنيسة كانت هي السبب في تخلف المجتمع الأوروبي فهو خاطئ وحاقد على الدين وإنما العقيدة تطور مفهومها وأسسها بشكل كبير وعظيم إذن كان الفلاسفة مثل هيجل وهيوم وديكارت كانوا على عقيدة عظيمة بالنسبة للجانب الروحي والجانب الروحي يعني الجانب العقائدي الرباني نسمع اليوم من يقول من بعض من يسمون أنفسهم علماء الفكر العربي: بأن المسجد هو سبب تخلف الأمة العربية والإسلامية وهذا خطأ إذ تخرج ابن رشد وابن خلدون من المسجد وتخرج المعتزلة والأشاعرة والغزالي من المسجد هناك حصر قد يطول عندما نريد أن نستعرض كل اللذين تخرجوا من المسجد من أولئك العظام ولم تفشل الأمة العربية والإسلامية إلا عندما حددت موقفاً إلغائياً من المسجد في قيادة الأمة العربية والإسلامية.
نحن نعلم اليوم أنه قد فتحت المدارس والمعاهد والجامعات وسدت مهام العملية والتعليمية ولكن لا يمكن أن نلغي دور المساجد إلغاء كلياً ووفقاً لقانون وحدة صراع الأضداد لا يمكن أن نقيم حضارة علمية دون الأخذ بالجانب الديني والجانب العلماني وهذه الثنائية هي التي صنعت مقومات الدولة الحديثة في أوروبا.
إن أول بعثة مصرية إلى فرنسا كان الإمام الشيخ رفاعة الطهطاوي مرافق لهذه البعثة لكي يصلي بها ويذكرها بدين الله تعالى إلا أنه تعلم اللغة الفرنسية وترجم إلى العربية أهم المؤلفات الدستورية وعن ضرورة التعليم للفتيات ووسع من تخصص الأزهر وهو الوحيد الذي ذكر وذاع صيته ولا نعرف شيئاً عن بقية أعضاء تلك البعثة.
ويذكر تأريخ مصر العلمي ثلاثة فقط ممن درسوا في فرنسا وكانوا من المبرزين وهم "رفاعة الطهطاوي" وأمير الشعراء "أحمد شوقي" وعميد الأدب العربي "طه حسين".
وكما تعلم الأوروبيون منا وأنجزوا هذه الحضارة العظيمة ينبغي أن نتعلم منهم وأن نترجم عنهم العلوم الطبيعية والاجتماعية والرياضية والطبية وأن نشرك المسجد مع المدرسة والمعهد مع الجامعة من أجل استيعاب أفضل للعلم الذي لا يتم إلا بعون الله تعالى.
لقد تخرج إسحاق نيوتن العالم الرياضي المعروف من كلية الثالوث في جامعة كامبردج ومؤلفه العظيم "المبادئ الفلسفية الرياضية" وهو أضخم مؤلف في تأريخ العلم كما قلنا سلفاً بأنه تخرج من كلية الثالوث وهي كلية تدار برعاية من الكنيسة.
وكما أشرنا سابقاً فإنه ينبغي أن نقوم بترجمة العلوم بجوانبها الطبيعية والإنسانية عن الغرب لكي نقوم بنقلة نوعية نحو التطور ولا نقوم فقط بنقل الملابس والسجائر والسيارات الفاخرة والأغاني نحن لنا من الجانب الذوقي في الملابس ما يكفي ويظهر الجمال والاحتشام ولدينا أيضاً أغاني راقية تخاطب الوجدان ولها وقع تأثيري في قلوبنا.
يجب أن لا نقوم بنقل القشور التي تثير الغثيان ولكن يجب أن نقوم بنقل حضارة ذات ثوابت اقتصادية تنمي فينا الاعتزاز بالنفس واستقلالية القرار والاكتفاء الذاتي.
هناك مسألة مهمة لا بد من الإشارة إليها وهي وجود مجالس للنواب في البلدان العربية الإسلامية هذه المجالس التي هي نتاج انتخابات تستهلك أموالاً كثيرة نحن بحاجة لها من أجل تحسين وضع الفئات الفقيرة وتحسين وضع التعليم والصحة هذه المجالس جاءت نتاجاً لتقليد أعمى للغرب.
شريعتنا الإسلامية مليئة بالمراجع والمصادر عن نظام الحكم في الإسلام على سبيل المثال لا الحصر هناك كتاب "علي عبد الرزاق" تحت عنوان "نظام الحكم في الإسلام" في هذا المؤلف مراجع عدة ومصادر عن نظام الحكم في الإسلام ففي الدولة الإسلامية لا وجود لمجالس النواب لأن لدينا مجلس الشورى وهو كافٍ لكي يسير دفة الحكم والتطور الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والعلمي واللوحة التي نراها مرفوعة في مجالس النواب في البلدان العربية والإسلامية قال الله تعالى:"وأمرهم شورى بينهم" هذه اللوحة يجب أن تكون مرفوعة في مجالس الشورى.
ومن مقومات الدولة الحديثة أيضاً العلنية للنشاط السياسي والسماح بتشكيل الأحزاب وحرية النقد الصحفي لنظام الحكم النقد الموضوعي الأخلاقي الصادق لا النقد الذي يكون الغرض منه الشتم والتجريح تحت مبرر الحرية الصحفية وحرية الأحزاب ليست بفكرة أوروبية وإنما جاءت من صميم الفكر العربي الإسلامي فقد جاء في القرآن الكريم سورة الأحزاب وجاء ذكر الحزبية في القرآن الكريم في حدود علمي ست مرات قال الله تعالى :"ألا إن حزب الله هو الغالبون" كما جاءت هذه الآية :"ذلك حزب الشيطان".
إذاً تلخص من هذا بأن الأوروبيين أخذوا فكرة حرية الأحزاب من الفكر العربي الإسلامي وهناك مسألة مهمة تدخل ضمن مقومات الدولة الحديثة هي إلغاء ظاهرة التسول وظاهرة التسول موجودة منذ القدم حتى في أيام الرسول عليه وآله الصلاة والسلام وقال الله تعالى:"فأما اليتيم فلا تقهر وأما السائل فلا تنهر" ويقول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم :"لا خير في صدقة يتبعها أذى" كما قال الرسول عليه وآله أفضل الصلاة والسلام :"أعط السائل ولو جاء على خيل" وهناك بحث كامل للإمام أبو حامد الغزالي في مؤلفه الرائع "إحياء علوم الدين" عن (الصدقة).
إذاً الدولة الحديثة هي التي تكفل حقوق الإنسان وتوفر له حقه في العيش الكريم والتعليم والصحة وعندما كنت في الولايات المتحدة الأمريكية والإتحاد السوفيتي سابقاً ولم أرَ متسولاً واحداً لماذا؟! لأن الدولة كفلت له حق المأكل والملبس والمأوى أي المسكن.
ونحن أيضاً في نظام الحكم الإسلامي لدينا هذا وقد تعلم منا الأوروبيون إذ كان من بيت مال المسلمين ينفق على الفقير وطالب العلم والمعسر في الزواج كان هذا قديماً أما الآن نسمع عن الزواج الجماعي الذي تقوم به بعض الأحزاب والله تعالى يعلم هل هي لوجه الله تعالى أم للدعاية الحزبية.
هذه رؤيتي عن مقومات الدولة الحديثة آمل أن أكون قد وفقت ولله الحمد في البدء والختام.


المصدر:قراءات أدبية(مركز الدراسات والبحوث اليمني)