ميثاق سياسي
الاثنين, 20-سبتمبر-2010
أفتتاحية صحيفة الثورة -
ما نأمله أو نتطلع إليه هو أن تتوصل القوى السياسية والحزبية على الساحة الوطنية في حوارها المرتقب إلى ميثاق شرف تستعيد فيه الحياة السياسية مفاهيم الاعتدال التي يبدو أنها قد تلاشت وتراجعت تحت تأثير النزوع نحو المكايدات والمناكفات والمعارك الإعلامية التي أخذت جانباً واسعاً من اهتمام المصفوفة السياسية والحزبية على حساب الواجبات التي كان ينبغي على هذه المصفوفة إعطائها الأولوية القصوى في برامج عملها.
حيث أن وجود ميثاق شرف يحتكم إليه أطراف العمل السياسي والحزبي بات ضرورة حتمية للحد من تلك السجالات التي تطغى عليها الأطروحات المتشنجة والمفردات التصعيدية ولغة الخطاب المنفلتة، مما أغرق الحياة السياسية في دوامة التجاذبات المرهقة التي نخشى أن تستمر إلى ما لانهاية وبالذات في ظل فهم البعض للعمل الديمقراطي والحزبي وحرية الرأي والتعبير فهماً قاصراً ومغلوطاً إلى درجة أن هناك من يعتبر الديمقراطية حلبة صراع من حق كل طرف أن يتعامل معها على هواه ووفق حساباته ومصالحه ورغباته ليؤمن بما يشاء من هذه الديمقراطية ويكفر بما يحلو له من القيم المتصلة بهذه العملية، مع أن الحقيقة أن الديمقراطية ليست باباً مخلوعاً أو أنها متحللة من الضوابط التي تنظم مساراتها وطريقة ممارستها.
وتغدو الحاجة أكثر إلى ميثاق شرف يؤسس للشراكة السياسية بعد أن مضت لعبة التجاذبات إلى أقصاها، ونحن نجد أن هناك من لا يتردد في استغلال بعض الظواهر السلبية لتصفية حساباته السياسية والحزبية مع الوطن ومؤسساته الدستورية، فلا يهتز ضميره وهو يتصدر الدفاع عن عابث أو مخرب أو متمرد أو انفصالي أو مأجور أو خارج على النظام والقانون أو حاقد يثير الفتن والكراهية والبغضاء بين أبناء الوطن الواحد، حتى وهو يعلم علم اليقين أن الديمقراطية ليست منفذاً لتكريس الفوضى وإحلال شريعة الغاب، بل هي وسيلة حضارية لتأمين فرص الاستقرار السياسي والأمن الاجتماعي والسكينة العامة وأداة عصرية يتنافس فيها الجميع بالبرامج من أجل تقديم الأفضل للوطن وخدمة الناس والرقي بأوضاعهم وحل مشكلاتهم واستنهاض قدراتهم وطاقاتهم وتوجيهها في الاتجاه السليم وبما يعود عليهم وعلى وطنهم بالخير والنماء.
ولمحاصرة هذا الاختلال الجارف الذي تنوء به الحياة السياسية والحزبية، فمن البديهي أن ينصب التفكير نحو إيجاد ميثاق شرف يكون بمثابة المرجعية التي تحمي العمل السياسي والحزبي من النكوص أو الانحراف عن مقاصده وغاياته، ومن مصلحة المصفوفة السياسية والحزبية بمختلف ألوان طيفها أن تجد لنفسها مثل هذه المرجعية التي تؤطر فيها آداب الخلاف وأخلاقيات الحوار والسقوف التي يتعين عدم تجاوزها عند التباين وتعارض وجهات النظر وبحيث لا يخرج الخلاف أياً كان عن إطاره العام الذي مكانه طاولة الحوار ومقارعة الحجة بالحجة.
ونعلم تماماً أنه لو أن الجميع احترموا المعاني الحقيقية للديمقراطية لما احتجنا فعلاً لمثل ذلك الميثاق، ولكن فإن استمرار الانغماس في السجال السياسي والإعلامي المذموم يفرض على تلك القوى التوافق على مثل ذلك الميثاق القيمي حتى يتسنى لها كبح جماح الغرائز التي أصبحت مع الأسف الشديد تسيء إلى تجربتنا الديمقراطية دون إدراك من أننا بهذا النزوع نسيء لأنفسنا ولإنجاز عظيم نحن جميعاً من صنعه بإرادة وطنية محضة ولم يمل علينا من أحد.
إن أبناءنا اليوم لاشك وأنهم من يستغربون وهم يجدون آباءهم في الأحزاب السياسية كل منهم يدعي امتلاكه الحقيقة ويصر على ذلك، فيما أن من يلجأ إلى هذا الأسلوب ينطلق من رؤية ضيقة متعصبة ومن حق هؤلاء الأبناء أن يغضبوا وهم يرون قدوتهم يغتالون منطق الاعتدال الذي يعد ضابط التوازن للحياة السياسية، وكان من المفترض على هذه النخب وبدلا من التركيز على الخلافات أن تسخر جزءاً من وقتها من أجل غرس روح الاعتدال في عقول الأجيال الجديدة وتعميق الممارسة الديمقراطية الصحيحة لديها وكذا مفهوم المواطنة الصالحة في نفوس الشباب بدلاً عن الانشغال بتلك التجاذبات التي أصبحت هي سيدة الموقف.
ويبقى أن نقول أنه وما لم تسارع المصفوفة السياسية والحزبية على الساحة الوطنية لاستعادة منطق الاعتدال في الأقوال والأفعال والممارسة فإنها التي ستصبح عبئاً على كياناتها الحزبية ووطنها والمسيرة الديمقراطية.
ومن الصعب على هذه المصفوفة الحزبية أن تطور من نفسها وآليات عملها إذا ما ظلت تكرر أخطاءها بذلك الأسلوب فاقع الأنانية والنرجسية!!.