هل أصبح الركود الاقتصادي الثاني حتميا؟
السبت, 28-أغسطس-2010
د.فهد إبراهيم الشثري -
في مقالات سابقة تحدثت عن احتمالات متزايدة لركود اقتصادي ثان بسبب أن التعافي الاقتصادي العالمي معتمد بشكل كبير على حزم الدعم المالي التي تبنتها الدول.

وفي حال سحب هذا الدعم، فإنه لا يوجد مصدر حقيقي للنمو الاقتصادي. الدليل على ذلك كان أرقام التوظف الأمريكية التي لم تظهر تحسنا كبيرا، بل إنها تراجعت في الفترة الأخيرة، حيث خسر الاقتصاد الأمريكي أكثر من 131 ألف وظيفة في تموز (يوليو) الماضي. وإذا لم يكن التعافي الاقتصادي مقرونا بتحسن في التوظف، فإن ذلك يعني أن هناك علامات استفهام كثيرة حول هذا التعافي.


سابقا، كان هناك من يقلل من التساؤلات التي تثار حول متانة التعافي الاقتصادي. لكن الآن الاحتياطي الفيدرالي يبدي مخاوفه، حيث أعلن الأسبوع ما قبل الماضي أنه يعلن أنه قلق من مسار هذا التعافي المتباطئ. وهذا حدا بالاحتياطي الفيدرالي إلى الإعلان عن إعادة استثمار ما قيمته تريليونا دولار من الأموال التي خصصها خلال الأزمة لدعم سوق الرهن العقاري الذي يواجه صعوبات كبيرة. فقد أظهرت أرقام مبيعات المنازل المستخدمة انخفاضا بنسبة 27 في المائة خلال تموز (يوليو)، وهو الانخفاض الأكبر خلال 15 عاما.

هذا يعني أن هناك احتمالات متزايدة لتكرار الركود الاقتصادي، حيث يرى الكثير من الاقتصاديين أن الاقتصاد الأمريكي يمر في مرحلة اختناق للتوظف وتراجع في معدلات الإنفاق، مما يزيد من احتمالات التراجع الاقتصادي. يدعم هذه الرؤية أرقام تعويضات البطالة الأمريكية التي بلغت 500 ألف في الأسبوع الثاني من آب (أغسطس)، والتراجع الذي يشهد النشاط الصناعي بناءً على مؤشر الاحتياطي الفيدرالي لمدينة فيلادلفيا، والذي يعد أحد المؤشرات المهمة للنشاط الصناعي الأمريكي.

بل قروس، المدير العام لـ''بيمكو'' يرى احتمالا بنسبة تراوح بين 25 و35 في المائة لركود مترافق مع تراجع في الأسعار. محمد العريان المدير التنفيذي لـ''بيمكو'' يضرب مثالا ليبين فيه أهمية الرقم 25 في المائة، بأنه مثل ركوب السيارة مع شخص يواجه احتمالا بنسبة واحد إلى أربعة لوقوع حادث له. ديفيد روزينبرج، كبير الاقتصاديين في قلسكن، رفع احتمال حدوث الركود من 45 في المائة إلى 67 في المائة. روبيني الذي يحبذ الكثيرين من معارضيه إطلاق لقب Dr.Doom عليه عبر عن قلقه من تكرار حدوث الركود العام الماضي، ويرى أن احتمالاته تبلغ 20 في المائة.


هذه المخاوف ألقت بظلالها على الأسواق المالية، التي لم تتأثر بمعدلات أرباح الشركات التي فاقت التوقعات بقدر ما تأثرت بالمخاوف من الركود الاقتصادي، والسبب في ذلك كما أشرت أرقام التوظف والمساكن. أرقام النمو الاقتصادي أيضاً أسهمت بشكل كبير في تزايد هذه المخاوف، حيث نما الاقتصاد الأمريكي بمعدل سنوي قدره 2.4 في المائة خلال الربع الثاني مقارنة بمعدل 3.7 في المائة في الربع الأول.

هذه الأرقام ستؤجج مرة أخرى النقاش المحتدم حول التحفيز في مقابل التقشف. فدعاة التحفيز يراهنون على أنه الوسيلة الوحيدة لتجنب ركود اقتصادي قد يكون أسوأ بكثير من سابقه. لكن دعاة التقشف في المقابل يرون أن الاهتمام بأوضاع الدين العام وعجز الموازنة أهم بكثير لأنه يزيد من احتمالات تراجع النمو على الأمد الطويل. وفي هذا النقاش المحتدم يبرز الخلاف الكبير بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.

فبعد أزمة اليونان، ضغطت ألمانيا بشكل كبير على دول الاتحاد الأوروبي لتبني خطط للتقشف المالي، لاستعادة نسب الدين العام، ونسبة عجوزات الموازنة إلى الناتج المحلي الإجمالي إلى أوضاعها المتفق عليها في اتفاقية ماسترخت لتأسيس الاتحاد النقدي. وهذا يعني تراجعا عن سياسات التحفيز وسحب مبكر لها عما اتفق عليه في قمة واشنطن لقمة العشرين التي عقدت في تشرين الثاني (نوفمبر) 2008م. وفي حين أظهرت أرقام النمو الاقتصادي الأخيرة في منطقة اليورو تحسنا ملحوظا، فإن التراجع الذي تشهده الولايات المتحدة الأمريكية سيزيد من حنقها على الأوروبيين، حيث ترى أنهم مسؤولون عن هذا التراجع.

ماذا يعني ذلك؟ وماذا ستفعل الولايات المتحدة؟ هل ستتبنى خطة تحفيز اقتصادي أخرى؟ هذا ممكن، لكنه قرار صعب سياسيا، حيث دعا الرئيس أوباما الكونجرس إلى تبني خطة لتحفيز المؤسسات الصغيرة والمتوسطة لأنها هي التي تخلق أكبر عدد من الوظائف. لكن بالنظر إلى الانتخابات النصفية القادمة، وأوضاع المالية العامة المتردية، والتوجه الأوروبي نحو التقشف، فإن ذلك يعد بمثابة انتحار سياسي.

*نقلا عن صحيفة الاقتصادية السعودية.