الدولة اليمنية الحديثة .. التنمية في واقع متغير ..
الثلاثاء, 24-أغسطس-2010
أحمد الزراعي -
الدولة اليمنية الحديثة .. التنمية في واقع متغير
" قراءة سوسيولوجية "

إن قراءة متأملة لحصيلة التنمية وتحولاتها في واقع مازال ينتمي في مستواه الأكبر من الناحية الفكرية والثقافية إلى تجاذبات عدة فرضتها ظروف ارتبطت بعدم اكتمال تأسيس حاضن طبيعي لإمكانات متكافئة بين شرائح المجتمع بشكل كلي بالتأكيد ستوصلنا تلك القراءة إلى مسار حقيقي لفهم التنمية وأسئلتها في واقع متغير وكأن الماضي يعيد تكرار نفسه في كل تحول يحاول المجتمع اليمني أن يلامس – من خلاله – معطيات جديدة للنهوض.

فبناء الدولة من الناحية التأسيسية لم تكتمل مداميكه المعرفية التي تجعل فكرة الدولة الحديثة مطلباً لغالبية سكانه وذلك لضعف مدخلات التنمية التي يشكل التعليم الموجة نحو بناء اقتصاد حديثة متنه الحقيقي أو الرافعة الحقيقية لتمتين واستكمال البنى الفكرية والثقافية المهمة في صياغة الناظم الموجه للتنمية وفهم أسئلة الواقع واستثارة أهدافه التي تأسس وفقاً لها جدل المجتمع بمنظوماته المتباينة من أجل بناء المستقبل واستدراك وفهم الصعوبات التي لا ينمكن لأي بناءٍ النهوض دون فهم لمتطلبات أهدافه التنموية.
الأمر الذي يجعل المفاهيم التقليدية التي تصل من خلالها الشعوب إلى مستوى من الإدراك الذي تحاوله غالبية من يقع على عاتقهم قيادة منظومة المجتمع بمختلف نسيجها الثقافي والفكري.
فلا تزال الدولة رهينة لمأزق الركود الذي ينتمي إلى تشابكاته الماضوية الغائرة في التخلف ذلك لأن الدولة نشأت من رواسب تقليدية لم تستكمل أيضاً إدارتها ثم حدث متغير جعل اضطراباً يسود فهم التصور الذي يريده الجميع حول بناء الدولة..
هذا الاضطراب أحدث خلخلة في وعي المجموع السكاني لعدم تواجد القدر الكافي من القيادات المعبرة عن واقع المجتمع وكيفية اتخاذ القرارات الصائبة حول المصفوفة التي سوف يتخذ بشأنها الإجراء العملي.
أي أن الممارسة الديمقراطية كانت غير كافة حيث اتسمت عمليات شديدة الأهمية مثل خطط التنمية وتمرحلاتها بالارتجالية وعدم ربطها بروح الشعب وقيمه الفكرية والثقافية.
الدولة لم تمارس جدلاً حيوياً لتجربتها وقف معطيات حقيقية تشخص أزماتها في كل مرحلة بعيداً عن الجاذبات الانتماءات ويمكن تشخيص تلك الأزمة على المستويات التالية:
1. نقد المسار التاريخي الذي تأسس وقفاً له لحظة الوعي بأهمية البناء الحديث للدولة.
2. السعي إلى فهم الأخطاء المتجذرة في ضعف الأبنية الهشة للبيروقراطية القائمة على معايير اقتصادية تراوح أو تراكم عوامل تدهورها (مثل ضآلة العمل الإنتاجي وغيرها من المعوقات).
فلا يمكن الانفكاك من راهنية أزمات الدولة ما لم تملك مشروعاً حقيقياً للنهوض بالمجتمع يتم من خلاله إحداث تنمية يتكامل فيها العمل المجتمعي الدءوب لإحداث متغيرات جديدة في نظرة المجتمع اليمني للعمل والارتباط بإستراتيجية تركز على الجدوى الحقيقية في كل خطة تنموية.
ثم دراسة المعوقات من خلال التركيز الواعي على الأدوار الاجتماعية لمختلف القوى الاجتماعية وإدماج تصورات متعددة للعمل لإثراء الواقع من خلال التعمق وملامسة الوعي التاريخي للمجتمع اليمني المتعدد المهارات والغني بتصورات متباينة.. لكنها ذات طبيعة تكاملية.
فشرائح المجتمع هي امتداد لتصورات واقعية راسخة في نظرتها للقيم والمعايير الأخلاقية التي اكتسبت رافداًَ حضارياً يمكنه الإسهام في تجديد احتياجات متطلبات التنمية والسعي المثابر لمراكمة ما فهمناه في كل مرحلة للانتقال إلى تجاوز وتجديد يسمحان بإحداث تنمية تمد نسغها الحي لكافة أبنية الدولة المختلفة.
فحرية أن يطرح الجميع رؤاهم وأفكارهم بشفافية يتم من خلالها إصغاء القيادات المختلفة للوصول إلى معرفة حكيمة بكيفية اتخاذ القرار بشكلٍ لا يستثني أحد المكونات المهمة لنجاح العمل التنموي.
يمكن القول: أن المجتمع اليمني يحتاج إلى تحديث واسع يمس مجمل الجوانب ذات الأبعاد السوسيولوجية عن طريق خطة متعمقة في فهم الأهداف وكيفية الوصول إلى تحقيقها لإحداث الأثر المطلوب الوعي به لتنشيط وإعادة نمذجة مفاصل التنمية وتثبيت خطة نصل بها إلى أبنية تؤسس وفق إستراتيجية متكاملة لتوطين أبنية ذات طابع مؤسسي يراكم كل نجاح ويستبعد كل الأخطاء في كل مرحلة دون تكرار لها.
فبناء دولة ليس بالأمر السهل ما لم يشعر الجميع بمسؤولياته في التغيير الحقيقي المتسم بالبناء الفكري الواعي الذي يكمن نجاحه في الحوار الديمقراطي الذي يضع اللبنات الأساسية للسلام الاجتماعي والطمأنينة والإيمان بالتبادل السلمي للسلطة وإثراء المجتمع بعوامل حقيقية يكرس بها فعل التمدن والبناء الحضري المنسجم مع الزخم الكبير الذي يتوجه من خلاله الجميع إلى العطاء ونكران الذات وغرس قيم الحب والتسامح بين مختلف مكونات المجتمع والإحساس بالمسؤولية الوطنية إزاء الوطن والأمة لفتح آفاق جديدة للإبداع الذي يسهم في مراكمة الاستقرار الحضاري لمجمل مكونات المجتمع اليمني والانفتاح على الآخر وفق رؤية تنسجم مع الحفاظ على الذات والشعور بأهمية أن نفهم الآخر لاكتمال الصورة الحضارية التي يجب أن يظهر من خلالها الوطن ممثلاً بقيادة مسؤولة وواعية حيث نأخذ ما نحتاجه من خبرات الآخر من موقع الند للند لا الضعيف الذي يستجدي وهذا سيوصلنا إلى معرفة مصالحنا المشتركة مع العالم. 






نقلاً عن :
(مركز الدراسات والبحوث اليمني)