ترشيد الاستهلاك.. ضرورة ملحة لمعالجة أزمة الغذاء وشهر رمضان الأنسب للتطبيق
الأربعاء, 18-أغسطس-2010
الميثاق إنفو -
كثيرون هنا، ممن استطلعت "السياسية" آراءهم، انتقدوا التبذير الاستهلاكي لغالبية أفراد المجتمع اليمني خاصة خلال شهر رمضان المبارك, ويعتبرونه أحد أسباب ارتفاع أسعار المواد الغذائية, ويؤكدون على ضرورة ترشيد الاستهلاك والابتعاد عن المباهاة والتقليد, كأحد الحلول الناجعة لمواجهة الأزمة الراهنة...

يستقبل اليمنيون شهر رمضان المبارك هذا العام بواقع اقتصادي أكثر سوءا ومرارة عن سابقاته, بعد أن أثقلت ارتفاعات الأسعار كاهل غالبيتهم, والتي بلغت حدتها منذ بداية العام الجاري, خاصة بداية أغسطس الجاري والتي شملت كافة المواد الغذائية بما فيها الأساسية كالقمح والدقيق وغيرها, حيث بلغ سعر الكيس القمح 5 آلاف ريال في معظم أسواق الريف اليمني الذي يقطنه 75 بالمائة من إجمالي السكان, مقارنة بـ4700 ريال بزيادة قدرها ألف ريال وبنسبة 25 بالمائة عن السعر السابق في العاصمة صنعاء عند تجار التجزئة, وقس على ذلك بقية السلع بما فيها الدقيق الذي تجاوز سعره 6 آلاف ريال بعد أن كان بـ4200 ريال, وأيضا التمور وكافة متطلبات شهر رمضان, وبررت هذه الزيادات التي يرى المواطنون أنها لا تتناسب وأوضاعهم الاقتصادية وتؤثر سلبا وبشكل أكبر على محدودي الدخل, إلى ارتفاع أسعار صرف العملات الأجنبية أمام الريال اليمني وتحديدا الدولار الذي تجاوز في ثالث أيام أغسطس 250 ريالا للدولار.

مشكلة نفسية
وفي هذا السياق يقول أستاذ علم النفس بجامعة عمران استشاري ومعالج نفسي وتربوي بمركز الإرشاد جامعة صنعاء الأستاذ الدكتور صلاح الجماعي: "للأسف الشديد، المواطنون جزء من مشكلة ارتفاع الأسعار إلى جانب جشع التجار طبعا, فالمواطنون يندفعون خلال الأيام السابقة لشهر رمضان على مراكز التسوق لشراء متطلبات شهر الصيام من مواد غذائية واستهلاكية متنوعة وكأنها أصبحت عادة ملازمة للشهر الفضيل منها (العصائر بأنواعها, المهلبية, الجيلي, كرم كراميللا ...), وأصبحت الأسر تتبارى فيما بينها بالاقتناء الشديد وهو ما يشكل عبئا كبيرا جدا واستنزاف اقتصادي على رب الأسرة, وارتفاع الأسعار نتيجة زيادة الطلب وتسارع التجار للحصول على الدولار لاستيراد السلع مما يشكل اختلال اقتصادي حتى في ميزانية الدولة, برغم أن هذا لم يكن موجودا في الماضي, وهي ظاهرة ليست إسلامية أو عربية أصيلة, إنما ظاهرة ليست صحية ولا سوية بكل المقاييس (الصحية, الاقتصادية, الروحية)".
ويضيف الجماعي: "شهر رمضان في اليمن يشهد زيادة في الإقبال على تناول الأطعمة وبشكل أكبر بكثير من الشهور الأخرى ومبالغ فيه مقارنة بكافة الدول العربية، ولذا اسميها مشكلة نفسية يعاني منها المواطن اليمني, على الرغم من صيامنا لأكثر من نصف اليوم، إلا أن الأسواق اليمنية حاليا تتفنن بعرض واستجلاب هذه السلع التي في غالبيتها ليست صحية, وعبارة عن مواد كيميائية مصنعة وضارة".

تبذير وحرمان
من جهتها، قالت منى سالم (ربة بيت) أنها فوجئت عندما خرجت مؤخرا للتسوق في أمانة العاصمة مما شاهدته من تبذير في شراء احتياجات رمضان, وتضيف: "لاحظت إحدى ربات البيوت تدفع 55 ألف ريال مقابل احتياجاتها من عصائر وكماليات وليست مواد غذائية أساسية, وغيرها يدفعن بالدولار, دون مراعاة لشعور الآخرين".
وتستغرب سالم، وهي مديرة وحدة عمالة الأطفال بوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، من هذه التصرف, في الوقت الذي تدفع أسر كثيرة بأطفالها للخروج إلى سوق العمل نتيجة لسوء أوضاعها الاقتصادية والاجتماعية.
وأرجع الجماعي أسباب ذلك, إلى المعاناة التي عاشها المجتمع اليمني والحرمان في السنوات السابقة, وتولدت لديه -وتحديدا كبار السن- مجموعة عقد تجعله يعوض ما فاته, وبالنسبة للأجيال الصغيرة والشابة التي لم تر تلك العقد, لكنها ترى المحاكاة والتقليد من خلال الفضائيات وغيرها.

بساطة الإسلام
من جهته, أكد نصيب ردمان سعيد (إمام مسجد) أن الحكمة من شهر رمضان الشعور بالفقراء (شعور الأغنياء بالفقراء), وتهذيب النفس, الترتيب, والتعليم, حيث يعود الصوم الإنسان على الصبر والاقتصاد في المعيشة.
وانتقد ردمان ما يجري من تبذير خلال وجبة الإفطار خاصة في شهر رمضان المبارك لدى غالبية الأسر اليمنية, مبينا أن الإسلام لم يعلمنا ذلك, وأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يفطر على رطبات وإن لم يجد تمرا وإن لم يجد فيفطر بماء, موضحا بساطة الإسلام بأن رسول الله وجد في مجتمع تتوفر فيه الرطب والتمر وكانتا من إفطاره, والتيسير العام للإسلام الإفطار بالماء كونه أساس الحياة, مطالبا الأغنياء بعدم التبذير لكي لا يشعروا الفقراء بذلك.

تستورد إلى النفايات
إلى ذلك ناشد الدكتور صلاح الجماعي, الآباء والأمهات وكل ولي أمر بأن يتقوا الله في أنفسهم وبلدهم وصحتهم وصحة أولادهم, منوها بأن شهر رمضان شهرا للعبادة والتقرب إلى الله سبحانه وتعالى, والترفع عن ملذات الحياة لا البحث عن إشباع الحاجات والرغبات بشكل مبالغ فيه كما هو لدى البعض.
وبينت منى سالم أن شهر رمضان فرصة لترشيد الاستهلاك, حيث تقل وجبات الطعام إلى وجبتين بدلا من ثلاث, لكن الوضع معكوس من الناحية العملية، حيث تعادل وخاصة جبة الإفطار لدى غالبية الأسر اليمنية نفقات عشر وجبات, وترمى نسبة كبيرة من بقايا الطعام إلى الزبالة حد قولها.
وفي سياق متصل نشير إلى دراسة أعدتها طالبات في كلية التجارة بجامعة صنعاء والتي خلصت -بحسب وسائل إعلامية- إلى أن 30- 40 بالمائة من الاستهلاك اليومي من الحبوب وخاصة القمح في صنعاء يذهب إلى النفايات، وبالتالي تلقى كميات كبيرة من الأرز وغيرها المصير نفسه, وهو ما يعتبره اقتصاديين كارثة اقتصادية في بلد فقير مثل اليمن (يستورد كل شيء إلى النفايات).

فكروا بالفقراء!
وفي حين تتمنى سالم من كل موطن ومواطنة قبل البدء بوجبة الإفطار طوال الشهر الكريم, أن يفكروا بالفقراء, وينظروا لمن هم أقل منهم دخلا وليس الأعلى منهم, دعت ربات البيوت إلى عدم تقليد ما يعرض على شاشات التلفاز فيما يتعلق بالمأكولات الرمضانية لكي لا يندفعن إلى التبذير الذي يعد حراما شرعا.

الاقتصاد المنزلي
وأشار الدكتور الجماعي إلى أن الترشيد في شراء المواد الغذائية في رمضان وتحضيرها على المائدة اليومية له فوائد كثيرة، منها إضافة إلى الترشيد في استخدام الغذاء توفير جهد كبير من الطاقة الكهربائية وكميات من الماء، وكذلك استقرار الأسعار بما يتناسب مع طبقات المجتمع وحفظ المال من الإسراف واختفاء الكثير من الأمراض, داعيا الجميع إلى الترشيد في الاستهلاك في كافة المجالات, بشراء الحاجات الأساسية اللازمة دون زيادة وبكميات محددة, اختيار الوقت المناسب للشراء, وعدم طبخ كميات كبيرة من الطعام تزيد عن الحاجة, الاستفادة من بواقي الأطعمة بدلا من التخلص منها, عدم الوقوع تحت تأثير الإعلانات, خاصة وأنها تلعب دورا سلبيا أحيانا, بهدف التأثير على الناس لشراء ما لا يحتاجون إليه, والبحث عن الطعام الجيد والابتعاد عن المباهاة والتقليد, لافتا إلى أن ذلك من أهم وأبرز عوامل دعم الاقتصاد المنزلي أو الفردي لتحقيق اكتفاء ووفرا.
وهو ما يدعو إليه أيضا اقتصاديون ودراسات اقتصادية لمعالجة مشكلة أزمة الغذاء في اليمن, والتي تتطلب من كل فرد منا أن يسخر طاقته في التخفيف من آثارها المتراكمة, أبرزها تهافت الكثير من المستهلكين على شراء كميات كبيرة من السلع تصل إلى حد التخزين خوفا من عدم توفرها بصفة مستمرة في الأسواق.
وطالبوا الدولة ومنظمات المجتمع المدني والاتحادات بتنفيذ حملة إعلامية كبيرة للتوعية بترشيد الاستهلاك بواسطة مختلف وسائل الإعلام المرئية والمقروءة والمسموعة في المنازل والمطاعم والشوارع والأندية والمساجد, وكل مكان.

من حقه العيش باستقرار
إلى هنا والصورة واضحة, وللحديث حول ارتفاع الأسعار حذر خبراء اقتصاديين من انعكاساتها على المواطنين ومحدودي الدخل؛ كونها ترفع بشكل مباشر معدلات الفقر والجوع, ويؤدي ذلك إلى تفاقم وانتشار المشاكل الاجتماعية ومعدلات الجريمة وحالات العنف والفساد الأخلاقي.
وانتقدوا في ذات الوقت دور الجهات المعنية القاصر -حد قولهم- في ضبط الأسواق ومحاسبة العابثين من التجار بلقمة عيش المواطنين, الذين غالبيتهم لا حول لهم ولا قوة ويعيشون الأمرين مرارة الفقر والغلاء ومرارة التهميش, وهي مشكلة نطرحها أمام كل المعنيين للنظر فيها, فإذا كان من حق التجار استغلال حرية التجارة والقوانين بالشكل المناسب لهم دون رادع من أحد, فمن حق المواطن أن يعيش في ظل استقرار معيشي وأسري مناسب.
وأوضحوا أن ما يؤكد ذلك عدم اتخاذ أي إجراءات جراء كثير من المخالفات التي شهدتها الأسواق مؤخرا, حيث قام التجار (الجملة, والتجزئة) وغيرهم برفع الأسعار بمجرد أن سمعوا بارتفاع الدولار, برغم أن البضائع التي في مخازنهم يفترض بيعها بالأسعار السابقة, وهو ما لم يتم.
ذلك أيضا أكده مواطنون كثر, وسألناهم عن الأسباب التي حالت دون إبلاغ الجهات الرسمية سواء غرفة العمليات المركزية بوزارة الصناعة والتجارة على الرقم 174 أو الجهات الأخرى, إلا أنهم ابدوا استياءهم وعدم ثقتهم بقدرة تلك الجهات على ضبط الأوضاع كما اثبت ذلك تجارب كثيرة, حد قولهم.
وتأكيدا لذلك أوضح أحد مالكي محلات بيع المواد الغذائية (بقالة) بأمانة العاصمة, فضل عدم ذكر اسمه، صحة ما ورد سابقا, وأضاف: "ذهبت في السادس من أغسطس الجاري لتموين محلي بالمواد الغذائية وعدت بخفي حنين, حيث تفاجأت بارتفاع الأسعار لدى التجار رغم أنها من البضائع المخزونة وبالأسعار القديمة, منها على سبيل المثال, أسعار السمون التي كانت بـ5500 ريال وارتفعت إلى 6200 ريال قبل أن تسعرها الشركة المصنعة محليا وهكذا بقية السلع, وبرغم من ذلك يتعرض الكثير منا أحيانا للحجز والغرامة بسبب هكذا ارتفاع يفرض علينا".
في المقابل برر غالبية تجار التجزئة بأمانة العاصمة الذين سألناهم, حول أسباب ارتفاع الأسعار, بارتفاع سعر العملة الأجنبية وتحديدا الدولار أمام الريال اليمني, ناهيك عن تحفظ الغالبية عن الحديث للصحافة.
حملنا تلك الإشكاليات واتجهنا إلى وزارة الصناعة والتجارة لمعرفة دورها, وتواصلنا مع مدير عام الإدارة العامة لاستقرار الأسواق؛ لكنه اعتذر عن الرد, وطالبنا بإجراء حوار مع وزير الصناعة والتجارة! فوجئنا بعد ذلك بما قيل لنا بأن الوزير وجه وحذر الوكلاء ومساعديهم ومستشاري ومدراء عموم الوزارة بالالتزام بقواعد العمل المؤسسي وعدم إجراء أي مقابلات أو الإدلاء بتصريحات إعلامية إلا بعد التنسيق مع قيادة الوزارة! وهو ما أكدته لاحقا صحف محلية نشرت التحذير والتوجيه الصادر من مكتب الوزير ومذيل بتوقيع الوزير, لذا نتمنى إعادة النظر؛ كون ذلك يعني عدم الاكتراث بما يحدث من تفاعلات سلبية بين العرض والطلب المختل في الأسواق المحلية, ويثبت عكس ما تؤكده التصريحات الحكومية.


نقلاً عن
صحيفة السياسية
تقرير :غمدان الدقيمي