الطريقُ إلى حوارٍ مثمر
السبت, 07-أغسطس-2010
أفتتاحية صحيفة الثورة -
تلتئم اليوم السبت اللجنة المشتركة للإعداد والتهيئة للحوار والمشكَّلة مناصفة بين المؤتمر الشعبي العام وحلفائه واللقاء المشترك وشركائه، في خطوة عملية للانتقال باتفاق 17 يوليو إلى واقع التنفيذ ومباشرة الإجراءات الممهدة لعملية الحوار بين مكونات المصفوفة السياسية والحزبية على الساحة الوطنية، والسير في اتجاه تنفيذ اتفاق فبراير 2009م.
وما من شك أن تجاوز طرفي الحوار للمنغصات التي حالت دون تواصلهما في الفترة الماضية وما اتسمت به من مناكفات ومكايدات وتنابز في وسائل الإعلام وتغليبهما لمنطق الحوار قد عكس تماماً قناعاتهما الخالصة بأنه لابديل أمامهما سوى الجلوس حول طاولة الحوار، والاحتكام لهذه الوسيلة الحضارية التي يجد فيها كل طرف فرصته لطرح تصوراته ووجهة نظره والاستماع إلى رؤية الآخر حيال أية قضية أو مشكلة ومقارعة الحجة بالحجة للوصول إلى الرأي الصائب والحلول العملية والمنطقية للقضايا والمسائل التي ظلت موضع خلاف أو تباين، والخروج بتوافق وطني يتكئ على ركيزة الثقة والحرص المشترك على كل ما فيه صالح الوطن وأمنه واستقراره وتقدمه وازدهاره وسلامة مسيرته التنموية والديمقراطية وخير أبنائه وأجياله القادمة.
حيث وأنه من دون أن تسود الثقة أجواء الحوار ويتحلى المتحاورون بالنوايا الحسنة ويُغلِّب كل منهم مصلحة الوطن على ما دونها من المصالح الحزبية والذاتية والأنانية فإن الحوار سيغرق في التفاصيل والأمور الثانوية والجدل العقيم والنقاشات غير المجدية التي يتحول فيها الحوار إلى حوار طرشان، شأنه شأن تلك الحوارات عديمة الفائدة التي نشاهدها في بعض الفضائيات العربية، ويظهر فيها بعض المثقفين والسياسيين المحسوبين على هذه الأمة يشتمون بعضهم بعضاً، وينعت كل منهم الآخر بأوصاف تدل على أن مثل هؤلاء لا يمتلكون الحد الأدنى من الحصافة وثقافة الحوار، وهذا ما نربأ بأطراف الحوار الوطني أن يقعوا فيه خاصة وقد ذهبوا إلى الحوار بعد أن ترسخت لديهم القناعة الكاملة أن أياً منهم لا يمكن له ادعاء امتلاك الحقيقة وأنه من خلال الحوار وطرح الرؤى والحجج والبراهين يمكن الوصول إلى الحقيقة والتوافق على المعالجات والحلول الناجعة لكل القضايا التي تهم الوطن.
والحوار لكي يصل إلى أهدافه وغاياته المنشودة لابد وأن يستند إلى إرادة واعية تؤمن بثقافة الحوار ومنهجيته والأخلاقيات التي تحكمه والوسائل التي تجعله حواراً مثمراً وبناءً وإيجابياً، إذ أنه من دون تلك الإرادة يصبح من الصعب على المتحاورين التوافق على نقاط التلاقي.
كما أنه وما لم ينصت المتحاورون إلى بعضهم البعض بشكل متقنٍ وبعيدٍ عن الأحكام الجاهزة والرؤى المسبقة فإنهم سوف لا يصلون إلى شيء بل أن ذلك ربما يسهل من مهمة المتربصين بالحوار والتجربة الديمقراطية الذين لن يدخروا جهداً من أجل تلبيد أجواء الحوار بغيوم داكنة وزرع الأشواك والألغام في طريقه إما عن طريق الدس والاصطياد في الماء العكر أو صب الزيت على النار.
ولذلك فإننا نعول على كل الشخصيات في لجنة الحوار الوطني أن يقدموا الأنموذج الحضاري في حواراتهم ومناقشاتهم، وأن يجعلوا هدفهم الأول والأخير مصلحة الوطن ونهضته وأمنه واستقراره، وأن يغلقوا آذانهم عن سماع أصوات السوء وتجار الأزمات ومثيري الفتن، الذين لا يروق لهم العيش إلاّ في ظل التوترات والخراب واشتعال الحرائق، ليؤكدوا أنهم بحق عند مستوى المسؤولية وفي مستوى ثقة شعبهم بهم، وأن ما يهمهم بالفعل هو أمن هذا الوطن ومنعته واستقراره وسعادة أبنائه، وأن الوطن لديهم أكبر من كل المساومات، وأنهم يمتلكون من الوعي والإدراك والحنكة ما يجعلهم قادرين على تجاوز ما قد يعترض مهمتهم من عراقيل أو مصاعب، ولما من شأنه تفويت الفرصة على الحاقدين والمأزومين من ضعاف النفوس، الذين يرون في نجاح الحوار هزيمة لأهدافهم الدنيئة والخسيسة.
ومثل هؤلاء هم من تجردوا من كل القيم الوطنية والأخلاقية ومعاني الخير والصلاح ليتقمصوا دور إبليس الرجيم في ضلاله وشروره إن لم يكونوا أكثر خبثاً من إبليس نفسه، "قاتلهم الله أنىّ يؤفكون"!!.