الطريق الى الدولة المدنية
السبت, 31-يوليو-2010
د/ عبدالعزيز المقالح - يبدو لي أن الحديث عن إقامة الدولة المدنية في قطر عربي واحد دون أن يشمل المبدأ بقية الأقطار العربية سيظل حديثاً على الورق وحلماً بعيد المنال نظراً للوشائج التاريخية والجغرافية والثقافية والسياسية والاجتماعية التي تجمع أبناء هذه الأقطار إضافة إلى تشابك الموروثات والمؤثرات في وجود عوامل خارجية ضاغطة من مصلحتها أن تظل البنية التقليدية للأنظمة هي السائدة.
لكن ذلك لا يعني أن يتوقف المثقفون والقيادات السياسية عن التبشير بالدولة المدنية والتأكيد على الديمقراطية والتعددية بوصفهما المدخل الحقيقي إلى إيجاد الدولة المدنية في صورتها الحديثة.

يضاف إلى ما تقدم أن تحقيق المتطلبات الرئيسة تسبق إقامة الدولة المدنية إذ ما يزال الوطن العربي يبحث عن لقمة العيش ولا يشغله عنها شيء آخر وهو في الغالب يعد الديمقراطية ترفاً وإقامة الدولة المدنية شأناً لا يعنيه من قريب أو بعيد.
كما أن الصراع الدائر في الأقطار العربية – والفقيرة منها بخاصة – ما يزال يقوم حول توفير الاحتياجات الرئيسة الخبز والكهرباء والعلاج وأي حديث خارج هذه الضروريات يقابل بالتجاهل والاستغراب علماً بأن وجود الدولة المدنية كفيل بأن يحقق للمواطن احتياجاته كاملة في ظل العدل والمساواة والفرص المتكافئة والخروج من دائرة المنازعات على السلطة في صورتها التقليدية.

وبالنسبة لنا في هذه البلاد فقد كانت الدولة المدنية هدفاً أساسياً من أهداف التغيير الذي قامت الثورة اليمنية (سبتمبر- أكتوبر) من أجله واستوعبت أهدافها الأولى الأسس السليمة لإقامة هذه الدولة المدنية، لكن ما جوبهت به الثورة من حروب ومعوقات ومن مؤامرات داخلية وخارجية ومن انشطار الوطن الواحد جعلت من تحقيق هذا الهدف أملاً صعباً وشأناً مؤجلاً وكان الظرف الذي تم فيه إعادة الوحدة وما ارتبط به من تزامن اعلان الديمقراطية والتعددية مناسباً لإقامة الدولة المدنية إلا أن مخلفات التشطير والمؤثرات السلبية للمحيط العربي العام وغياب فكرة التطوير على أساس من مدنية الدولة قد جعل القضايا الثانوية تعصف بالاهداف الكبيرة والنبيلة وتهدّئ من خوض تجربة التحديث وبذل الجهد المطلوب في بناء الدولة المنشودة التي تتساوى فيها حقوق المواطنين ويعلو فيها معنى المواطنة فوق النزاعات المذهبية والطائفية فالدولة المدنية هي باختصار مواطنة.

ومن هنا فالامل في أن تكون الظروف الدولية العاصفة وما يشهده العالم من متغيرات دافعاً للأقطار العربية الى البدء في اقامة الدولة المدنية على مستوى الوطن الكبير كله لا على جزء من أجزائه، وأن يكون الشعب العربي قد وعى مصلحته وأدرك أن مشكلاته الحقيقية لا تأتي من الخارج بل من الداخل ومن غياب مشروع النهوض الذي يبدأ بتحقيق الحد الأدنى من الديمقراطية والحرية وما يرافقهما من اختفاء سلطة الارغام والفرض والبدء في اطلاق ارادة الشعب المقيدة بأوهام الماضي واغلال تركته الثقيلة. 




المصدر:مركز الدراسات والبحوث اليمني