الأمم المتحدة ومأزق الدولار
الخميس, 29-يوليو-2010
د.محمد العسوسي -
في سابقة هي الأولى من نوعها دعت الأمم المتحدة إلى تنويع احتياطيات بلدان العالم وإلى التقليل من نسبة الدولار الأميركي من إجمالي هذه الاحتياطيات والتحول إلى سلة عملات بدلا من الارتباط بالدولار وحده، الذي تهاوى في السنوات الأخيرة، علماً بأنه مرشح للمزيد من الانخفاض، حيث توقع تقرير جديد صدر مؤخراً عن مكتب الإدارة والميزانية التابع للبيت الأبيض أن يصل العجز في الميزانية الأميركية هذا العام إلى رقم قياسي يبلغ تريليون و47 مليار دولار، مما يعد استمراراً لتداعيات الأزمة المالية العالمية وما ترتب عليها من صعوبات مالية للاقتصاد الأميركي، وأدى إلى لجوء بنك الاحتياط الفيدرالي إلى اتخاذ حلول سهلة تمثلت في تشغيل ماكينات طباعة الأوراق النقدية بطاقتها القصوى، وهو الحل نفسه الذي لجأ إليه بنك إنجلترا المركزي.

أما إصلاحات النظام المالي التي يدعو إليها أوباما، والتي يمكن أن تخدم الاقتصاد الأميركي على المدى البعيد وتساهم في انتشاله من أزماته المتكررة، فإنها تواجه مقاومة قوية من ممثلي رؤوس الأموال في الكونجرس الأميركي.

وبالعودة إلى دعوة الأمم المتحدة، فإن "بان كي مون" الأمين العام للأمم المتحدة سيدفع الثمن غاليّاً بسبب هذه السابقة، فبعد أيام قليلة تعرض لحملة عنيفة تتهمه بالفساد وتدعو إلى عدم التجديد له لولاية ثانية في العام القادم، مما يعني أنه تجاوز الخطوط الحمراء في تعامله مع تداعيات الأزمة المالية العالمية.

وعلى الجانب الآخر من المحيط الأطلسي رفض البنك المركزي الأوروبي بشدة اللجوء إلى الحلول السهلة من خلال زيادة طاقات ماكينات طبع أوراق العملة الأوروبية، على اعتبار أن تداعيات مثل هذه الحلول لا يمكن التكهن بها، وربما تكون خطيرة على المدى البعيد، وذلك على رغم ما تساهم به من إيجاد حلول مؤقته لنقص السيولة ورفد المؤسسات المالية بإجراءات دعم سخية.

وبالنظر إلى دعوة الأمم المتحدة إلى تقليل الارتباط بالعملة الخضراء والتخوف من التداعيات على المدى البعيد، فإن مستقبل الدولار يبدو قاتماً، وهو ما ينبغي النظر إليه باهتمام بالغ بسبب انعكاساته على اقتصادات البلدان المرتبطة بالدولار.

وإذا ما أخذنا قضية مالية واحدة فقط على سبيل المثال، فإننا سنجد أن النسبة الأكبر من حالة التضخم التي سادت بلدان الخليج في السنوات القليلة الماضية نجمت عن انخفاض قيمة الدولار، وبالتالي العملات الخليجية المعتمدة على عائدات النفط والمرتبط بالدولار، مما يعقد من إيجاد حلول مناسبة لهذه العلاقة التبادلية بين الدولار والنفط، وبالتالي تغيير العلاقة بين الدولار والعملات الخليجية، وذلك على رغم دعوة الأمم المتحدة، المبنية على دراسات قام بها خبراء المنظمة، إذ إن مثل هذا التحول أمر ممكن، إلا أنه يحتاج في تطبيقه إلى سياسات نقدية ومالية بعيدة المدى، يأتي في مقدمتها تنسيق السياسات النقدية والمالية الخليجية التي يبدو أنها متباعدة في الوقت الحاضر.

وعلى رغم هذه التشعبات النقدية، فإن العلاقات المالية العالمية في فترة ما بعد الأزمة لا يمكن بأي شكل من الأشكال أن تكون مطابقة تماماً لفترة ما قبل الأزمة، فبالإضافة إلى بروز "اليورو" فقد دخلت العملة الصينية "اليوان" على خطوط التشابكات المالية في العالم عاكسة بذلك قوة الاقتصاد الصيني الذي يكسب مواقع جديدة يوماً بعد آخر.

ومن هنا، فإن دعوة الأمم المتحدة لا تختص بالدولار فقط، كما أنها لا تحاول التقليل من شأنه باعتباره عملة عالمية، وإنما هي دعوة لإعادة ترتيب العلاقات النقدية والمالية العالمية لتنسجم مع الثقل الحقيقي للبلدان والتكتلات الاقتصادية السائدة في الوقت الحاضر، وهو ما تدركه مختلف بلدان العالم، بما فيها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والصين. 




*نقلا عن صحيفة "الاتحاد" الاماراتية.