الحوار.. والجدية المطلوبة..!!
الاثنين, 19-يوليو-2010
أفتتاحية صحيفة الثورة -
ما من شك أن أهم ركيزة يتكئُ عليها الاتفاق الذي تم التوقيع عليه من قبل المؤتمر الشعبي العام وأحزاب اللقاء المشترك الممثلة في مجلس النواب يوم أمس الأول، هي ركيزة الحوار، مما يدل على أن الحوار هو الوسيلة المثلى والحضارية لتجاوز عوامل الاختلاف والتباين في الرؤى والمواقف ووجهات النظر، والتوافق على الحلول والمعالجات لأية مشكلات أو معوقات أو مصاعب تعترض مسيرة الوطن، والخروج بالتصورات الملائمة والمناسبة التي يلتقي حولها الإجماع الوطني. وطالما أن الحوار يمثل حجر الزاوية في العملية الديمقراطية والتعددية السياسية والعمل الحزبي وأنه لا وجود لوسيلة أخرى ترقى بنجاعتها إلى مستوى هذه الوسيلة الحضارية، وهوما تجسد عملياً على أرض الواقع من خلال ما عشناه في الأشهر الماضية من اعتراكات إعلامية ومكايدات سياسية ومناكفات كلامية واحتقانات في المشهد السياسي الذي ظلت أطرافه تدور في حلقة مفرغة لتصل في النهاية إلى حقيقة أنه لا مناص من الحوار ولا مخرج لها إلا بالامتثال لمنطق الحوار، وأنه ليس ثمة بدائل للحوار يمكن اللجوء إليها، أو الاعتماد عليها. وإذا ما سلمنا بأهمية الحوار فإن من الواقعية أن تعمل الأحزاب والتنظيمات السياسية على تكريسه كثقافة ومنهاج تنتظم في إطاره قواعد ممارستها للعمل السياسي، سواء في ما يتعلق بعلاقاتها مع الآخر أو في تعاملاتها مع القضايا الوطنية أو على نطاق مساراتها الداخلية، إذ أنه ودون أن يتأصل هذا المنهاج ويتجذر في السلوك الحزبي ويجد ترجمته في الأقوال والأفعال، لايمكن أن يتحقق الإبداع في العمل الديمقراطي وميدان حرية الرأي والتعبير، وتنضج ممارسة الأفراد لحقوقهم السياسية والديمقراطية. وندرك جميعاً أن الكثير من التجارب الديمقراطية العريقة لم تصل إلى ما وصلت إليه اليوم من مكانة رفيعة إلاّ من خلال وعي الناس بثقافة الديمقراطية والتزامهم بمبادئها وتقاليدها وأخلاقياتها، وتمثلهم للأسس التي رسمها من قبلهم وكافحوا من أجل إرسائها ليقدموا مثالاً يحتذى به في تعاطيهم مع الاستحقاقات الديمقراطية وحرية الرأي والتعبير والقبول بالرأي الآخر واحترام آداب الحوار لتصبح السلطة والمعارضة في تلك البلدان وجهين لعملة واحدة، صحيح أنها تختلف في الرؤى والاجتهادات والبرامج والمواقف والوسائل ولكنها لا تختلف في الأهداف والمنطلقات والثوابت، ويظل خلافها محصوراً في التنافس على من يقدم الأفضل ويمتلك الآليات الفاعلة لإقناع المواطنين بصوابية برنامجه واستيعابه لتطلعاتهم وأحلامهم الآنية والمستقبلية. ونحن على ثقة أنه ومتى ما تمثلت الأحزاب والتنظيمات السياسية في الساحة الوطنية قيم الحوار وجسدت ذلك في مواقفها وتوجهاتها فإنها ومهما تباينت وجهات نظرها فإنها حتماً لن تجد ما يحول دون التغلب على تلك الحالة العارضة والاستثنائية وتجاوزها عن طريق الحوار وأسلوب الإقناع ومقارعة الحجة بالحجة والانحياز للرأي الصائب، الذي ينشد مصلحة الوطن على ما عداها من المصالح الضيقة والأنانية. وما يجب أن يكون واضحاً أن الأحزاب الموقعة على اتفاق الـ17 من يوليو صارت اليوم على المحك ولا مجال أمامها للتنصل عما التزمت به في ذلك الاتفاق بشأن التهيئة والإعداد للحوار الوطني الشامل وتنفيذ اتفاق فبراير 2009م، وعلى هذه المنظومة الحزبية أن تبرهن أنها قد استوعبت الدرس واستشعرت مسؤولياتها الوطنية والتاريخية وأدركت أن الناس يرقبون مواقف كل طرف فيها، ومن مصلحة هذه المنظومة الحزبية استيعاب أن الوطن على مشارف استحقاق ديمقراطي ودستوري لا يحتمل أي قدر من ضياع الوقت أو أي نوع من أنواع التسويف والإبطاء والتأخير والتأجيل وستثبت الأيام جدية كل طرف وصدقيته في الإيفاء بالتزاماته التي قطعها على نفسه ومن سيسير في الاتجاه المعاكس وعلى ذلك ستبنى المواقف. وكما يقال فإن العبرة بالنتائج فالأفكار مهما كانت موضوعيتها وعقلانيتها فإنه لا معنى لها ما لم تتبلور عملياً على أرض الواقع.