يوم الوفاء
السبت, 17-يوليو-2010
أفتتاحية صحيفة الثورة -
ليس نفاقاً أو تزلفاً أن يوصف يوم الـ17 من يوليو 1978م باليوم التاريخي والاستثنائي خاصة وأن هذا اليوم قد شكل حداً فاصلاً بين عهدين عهد الاضطرابات والاحتقانات والصراعات والخوف والقلق.. وعهد الاستقرار والسكينة والتخطيط والنهوض وبرامج البناء والفكر المتقد بروح الديمقراطية والوحدة والرؤية الاستراتيجية التي أخرجت اليمن من مستنقع العنف والتناحر والحروب التي أهرقت فيها شلالات من الدماء اليمنية.


فالحقيقة التي يجب أن تقال أنه وفي هذا اليوم شهدت اليمن تحولاً غير مسبوق فللمرة الأولى يتم إخضاع منصب رئىس الجمهورية للانتخاب الحر والمباشر من قبل مجلس الشعب التأسيسي بعد أن كان الوصول إلى السلطة يتم عن طريق الانقلابات التي تحصد معها الكثير من الضحايا ويكون الثمن فيها باهظاً ومكلفاً، ليؤشر ذلك الحدث على أن اليمن قد انتقلت من مرحلة الشرعية الثورية إلى مرحلة الشرعية الدستورية والديمقراطية حيث تصدر الرئيس علي عبدالله صالح لهذه المهمة الوطنية في لحظة صعبة وحاسمة ومعقدة وملبدة بغيوم اليأس والإحباط .
في حين تردد الكثيرون يومها عن الإقدام على تلك الخطوة التي كانت بمثابة مغامرة محفوفة بالمخاطر وقد حمل الرجل كفنه بيديه مدفوعاً بغيرة الثائر المناضل الحريص على وطنه وإيمان الراهب الزاهد بعدالة قضيته.
وكان الملمح الأبرز في شخصية هذا الزعيم والقائد هو التزامه الوطني وموقفه النضالي من قضايا مجتمعه وأمته، حيث شهد له خصومه قبل محبيه أنه ومنذ الوهلة الأولى كرس كل جهوده من أجل تنفيذ مشروعه الوطني الذي تعهد بالعمل والدأب والمثابرة على إنجازه وهو مشروع استنهاضي لم يُبْن على معالم نظرية بل اقترن فيه القول بالعمل خاصة وأن هذا الزعيم قد جاء إلى السلطة عبر الانتخاب وليس فوق دبابة.
ولعل من كانوا لا يفهمون هذا المسار هم من كانوا يشفقون على هذا القائد وهو ينظر بعين إلى ركام التخلف الموروث وبالعين الأخرى إلى ترتيب الأولويات للخروج من تلك الحالة.
وبهذه السمات برهن هذا القائد على أن الزعامة هي هبة من الله يختص بها من يشاء من عباده ممن يتصفون برجاحة العقل ونفاذ البصيرة والرشاد والصبر والحنكة.
ولأنه جعل من الحكم التزاماً وموقفاً فقد أدرك قبل غيره أن الأفضل أن يصطدم بالصعوبات بدلاً من ان ينتظر أن تصطدم به حيث عمل على إنهاء أعمال التخريب والعنف التي كانت تتأجج في بعض ما كان يسمى بالمناطق الوسطى عبر الحوار تجنباً للحلول الأخرى.
وإلى جانب كل ذلك كرس فخامة الأخ الرئيس اهتمامه برفع مستوى الوعي لدى أبناء المجتمع ناهيك عن انفتاحه على كل الرؤى والأفكار متسلحاً في الوقت ذاته بالأسس المنهجية في معالجته للوضع السياسي المحتقن على الساحة الوطنية ليخرج بذلك التوجه العمل الحزبي من السرية إلى العلن ومن تحت الطاولة إلى فوقها وذلك من خلال التأسيس لأول تنظيم سياسي هو المؤتمر الشعبي العام الذي جمع بين دفتيه كل الآيديولوجيات الفكرية من «ماركسيين» و«بعثيين» و«ناصريين» و«إخوان» وكان ذلك كفيلاً بتحويل الصراع من صراع بالكلاشنكوف إلى صراع في الأفكار، بل إن ذلك الصراع تماهى في وثيقة الميثاق الوطني التي صاغها كل أبناء الشعب بما فيهم تلك التيارات السياسية والحزبية واستفتي عليها كمشروع وطني وعقد اجتماعي.
وما نزال نتذكر جميعاً مطالبة الأخ الرئيس لكل القوى بتعميق ولائها للوطن، مؤكداً على أن هذا الوطن هو وطننا جميعاً وعلينا أن نحافظ على تماسكه وتلاحمه والإسراع في إعادة وحدته الوطنية حتى تعود الىه فطرته الطبيعية مشدداً على أن هذه الحقيقة التي أجهدتنا وأجهدناها في زمن الالتباس والانكسار هي حقيقة ثابتة ناضل من أجلها اليمنيون طويلاً وقد آن الأوان لتحقيق ذلك الحلم والهدف الغالي والعظيم.
وبالفعل لم تمض سوى سنوات حتى تحول الحلم إلى حقيقة بإعادة وحدة الوطن في الـ22 من مايو 1990م وهو المنجز الذي اقترن بالنهج الديمقراطي التعددي وحرية الرأي والتعبير لتبدأ اليمن عهداً جديداً من التنمية والنهوض الشامل ومرحلة حافلة بالعطاء كان النصيب الأوفر فيها للمحافظات الجنوبية والشرقية بما عوض هذه المحافظات عن سنوات الحرمان التي عاشتها إبان العهد الشمولي.
وما من شك أن احتفاءنا بيوم الـ17 من يوليو ليس سوى تعبير عن الوفاء لهذا الزعيم والقائد الذي لم يغره بريقُ السلطة أو تغويه بيروقراطيتها وامتيازاتها فقد جعل من السلطة مغرماً لا مغنما، فكرس- وما يزال- كل وقته وجهده من أجل اليمن التي كبرت بكبر وحدتها وانجازاتها وتلاحم أبنائها.
وفي لحظة كهذه فإن الأحرى بنا جميعاً في هذا الوطن أن نعي وندرك أننا قد بدأنا مسيرة المستقبل وان أبناء الشعب اليمني لديهم من الذكاء والوعي ما بمكنهم من التمييز بين من يقودهم إلى ذلك المستقبل وإلى مرافئ الخير والنماء وبين أصحاب الأجندات الشخصية والأنانية من دعاة التعطيل والتأزيم والتهييج والتحريض والتخريب.
كما أن أبناء هذا الشعب لا يثقون إلاَّ بصناع المنجزات والتحولات والصادقين في عهودهم ووعودهم أما أبواق التنظير الذين لا يجيدون سوى الكلام وزرع الفتن وإشعال الحرائق فسيظلون ينعقون كالغربان، ومثل هذا النعيق لا يطرب أحداً.
إن اليمن وطننا جميعاً وعلينا أن نحميه في حدقات عيوننا، لا أن نؤذيه بالأفعال المسيئة وصراخ التشويه وزعيق التحريض والتهييج.
واليمن وطن خُلقنا من أجل أن نعمره لا من أجل أن نهدم بنيانه وهذا الوطن الذي ولدنا فيه ونحيا تحت سمائه وسندفن في ترابه الطاهر يستحيل أن يتحول إلى سلعة نقايض عليها فتكون يوما للإصلاح وآخر للناصريين وثالثاً للاشتراكي ورابعاً للطامحين إلى السلطة ولو أدى ذلك إلى إحراق هذا الوطن بمن فيه.
ويا أيها الجاحدون اتقوا الله في وطنكم ولا تجعلوا منه سلعة للمتاجرة والبيع والشراء!