17 يوليو.. يوم فاصل وبداية تحول ما يزال مستمرا
السبت, 17-يوليو-2010
الميثاق إنفو -
في حياة الشعوب أيام لا تبارح ذاكرتها، لما لها من دلالات، ولما ترتب عليها من تحولات وتغيرات جوهرية وعميقة في تاريخ ومسيرة هذه الشعوب، وأيضا لأن تلك الأيام غالبا ما تكون شاهدة على بزوغ وظهور قائد وزعيم جديد تكون تلك التحولات والتغيرات مرتبطة بظهوره ووجوده.
و17 يوليو 1978 يعد يوما هاما في تاريخ اليمن المعاصر، لما لهذا اليوم من دلالات قوية ولما ترتب عليه من تحولات في مسيرة اليمن الجديد في ظل قيادة الرئيس علي عبد الله صالح. إذن، فعندما نتحدث عن يوم 17 يوليو ليس القصد فقط شخص الرئيس وما أنجزه خلال أكثر من ثلاثة عقود، وإنما القصد أيضا هو الوقوف على مرحلة زمنية شهدت تغيرات عديدة وترسخت فيها مفاهيم وطنية وقيم حياتية جديدة، ورسم خلالها مشروع جديد لدولة حديثة.




يوم فاصل


يعتبر يوم الـ17 من يوليو 1978 يوما فاصلا بين مرحلتين سياسيتين في حياة الشعب اليمني، فنستطيع أن نقول إن هذا اليوم طوى مرحلة من عدم الاستقرار السياسي والفوضى والصراعات السياسية التي لازمت الدولة اليمنية منذ اندلاع ثورة السادس والعشرين من سبتمبر عام 1962، حتى هذا اليوم الذي وضع فيه حداً للاغتيالات السياسية والوصول إلى السلطة بالانقلابات العسكرية وبات الأسلوب الديمقراطي هو الأداة الوحيدة لانتقال السلطة وإدارة شؤون الدولة بديلاً عن أسلوب التغيير بالقوة المسلحة.
ويمكن لنا وصف ما جرى على الساحة اليمنية منذ قيام الثورة حتى يوم 17 يوليو 1978 بأنها فوضى سياسية سببها انشغال القوى الوطنية بأزمات ومناكفات سياسية كان من شأنها زيادة الفجوة التي كانت تفصل بين مؤسسة السلطة والقوى الوطنية الأخرى التي لم تقبل أن تكون خارج اللعبة السياسية، الأمر الذي كان يؤدي دائما إلى انتقال سلطة الرئاسة السريع قبل أن يكتب لها الاستقرار اللازم لكي تطبق برامجها في انقلابين أطاحا برئيسين، ثم يتفاقم الحال إلى اغتيال الرئيسين الأخيرين، لتسود حالة من الإرباك والفراغ والانفلات المؤسسي والسياسي مع اغتيال الرئيس أحمد الغشمي وليخيم القلق والارتياب على جميع القوى الوطنية والجماهير اليمنية، خصوصاً وأن الوضع السياسي العام لم يكن مشجعاً لتقبل أغلب الشخصيات السياسية تولي الرئاسة خوفاً من ملاقاة نفس مصير الرؤساء السابقين سواء بالانقلاب أو بالاغتيال كما حدث في الشطر الشمالي وكذلك في الشطر الجنوبي من الوطن سابقا.
وما زاد من مأساوية الوضع عشية 17 يوليو تفاقم حالة التوتر بين شطري اليمن وإمكانية انفجار الصراع بينهما في أية لحظة. وانعكاسا لتلك الأزمات الداخلية بالتأكيد ستزيد عزلة اليمن عن المجتمع الدولي وبالتالي تضاؤل دوره الإقليمي والدولي.
تلك كانت صورة مصغرة وموجزة للوضع والموقف الصعب والخطير الذي كان يعيشه اليمن قبل يوم 17 يوليو 1978، وهو الوضع الذي تسبب في خلق حالة من القلق الشديد والإرباك والخوف لدى مختلف القوى والأوساط السياسية التي كانت تبحث عن شخص وقائد قوي قادر على تولي رئاسة البلاد وحماية الجمهورية والدولة من الانهيار. وبالفعل التقت العديد من القوى الوطنية واتفقت على انتخاب المقدم علي عبد الله صالح رئيساً للجمهورية، لما وجدت فيه من المؤهلات الفردية المتميزة التي يختص بها، فقد كان علي عبد الله صالح نموذجاً للقائد العسكري الحازم ويتميز بشخصية قيادية تتسم بالحنكة لا تسيره عقد الماضي أو الولاءات الضيقة وكان على احتكاك مباشر بالمعترك السياسي ومراكز القوى الوطنية، وكان مراقباً ذكياً للأحداث، يعمل بهدوء بعيدا عن الأضواء.
وفي يوم 17 يوليو 1978 عقد مجلس الشعب التأسيسي جلسة استثنائية وأجرى أعضاء المجلس أول انتخاب نيابي لرئيس الجمهورية في تاريخ اليمن الحديث ليصبح الرئيس علي عبد الله صالح أول رئيس يمني يصل إلى الرئاسة عن طريق الانتخابات الحرة.
وبدأ الرئيس علي عبد الله صالح مسيرة حكمه في ظل تشاؤم مفرط ورهانات بل وإجماع سياسي على أن كل الأحداث تنذر بانهيار مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية وأن الرئيس الجديد لن يكمل الستة أشهر؛ غير أن الواقع والتاريخ جاء بعكس ذلك تماما فقد كان الرئيس يدرك تماما ما يجب عليه فعله لحكم اليمن الذي يحتاج لفهم واستقراء جيد، واستيعاب واع للخارطة اليمنية. وبالفعل فقد بدأ الرئيس متريثا عقلانيا متجنبا للخطوات المتسرعة والانتقامية، فقد تريث وهو يعيد تشكيل مراكز قوته ونفوذه فلم يسارع إلى إحداث تعديلات وتغييرات سياسية قد يكون من شأنها تحريك خصومة هو في غنى عنها، فهو يعي تماما الأخطاء التي أودت بحياة من سبقه في الرئاسة، ولذلك سارع الرئيس علي عبد الله صالح إلى تأمين وحماية مؤسسة الرئاسة من مخاطر الإطاحة بها، ليكون تثبيت الأمن في هذه المؤسسة أساساً متيناً يكفل تأمين الأجهزة والإدارات الحكومية الأخرى. كما أخذ الرئيس صالح يعيد تنظيم الأجهزة الأمنية والعسكرية بما يضمن الاستقرار الداخلي والاطمئنان، ويمنحه هامشاً أوسع من الحركة لضبط المؤثرات الخارجية. من ناحية أخرى بدأ الرئيس منفتحا على الخارج للتخفيف من العزلة الدولية التي كان يعاني منها اليمن مستفيدا من الموقع الاستراتيجي الهام لليمن.




بداية التحول
كان يوم 17 يوليو بداية للتحولات السياسية الجوهرية في اليمن، وهي تحولات ارتبطت بصانعها وهو الرئيس علي عبد الله صالح الذي صبغ مرحلة هامة وأساسية من تاريخ اليمن المعاصر بسمات جديدة وهامة أبرزها الحوار والديمقراطية والوحدة.
فعلى الرغم من قوة وخطورة المشكلات التي واجهها الرئيس علي عبد الله صالح الذي تكالبت عليه المشاكل من كل جانب: اشتداد الصراع بين الشطرين وعمليات التخريب في المناطق الوسطى، ومحاولة انقلابية في 1979، إلا أن الرئيس كان منفتحا سياسيا إزاء ذلك الوضع مدركا أن خروج اليمن من مآزقه السياسية وأزماته الاقتصادية لن يكون إلا من خلال الحوار بين مختلف القوى والتيارات السياسية، فقد انفتح الرئيس بالحوار مع كافة القوى السياسية والاجتماعية، وتم تشكيل لجنة الحوار الوطني في أواخر عام 1978 ضمت مختلف التيارات السياسية والفكرية، لينتج عن ذلك الحوار إقرار الميثاق الوطني كدليل وطني للعمل السياسي وإنشاء التنظيم السياسي المؤتمر الشعبي العام سنة1982 والذي ضم في عضويته جميع القوى والتيارات السياسية.
وعندما انتهت الحرب الشطرية التي اندلعت عام 1979 عاد الرئيس علي عبد الله صالح إلى الحوار من أجل الوحدة، فعبر الحوار والتفاوض السلمي تمت عملية تحقيق الوحدة اليمنية في 22 مايو 1990، فقد كانت الوحدة اليمنية من أولويات اهتمام الرئيس علي عبد الله صالح، لأنه يدرك أنها الحل الوحيد والناجع، لإنهاء تفاقم الأوضاع في الشطرين، وأنه لن يكون ذلك ممكنا إلا بالعمل الجاد لإعادة تحقيق الوحدة والبحث في الطرق المؤدية إليها، وكان الحوار والتفاوض السلمي أفضل تلك الطرق، وهو ما تم بالفعل، لتتحقق الوحدة مقترنة بالديمقراطية كنهج والتزام سياسي ثابت ودائم لا يمكن التخلي عنه، لاسيما وأن الرئيس يدرك تماما أن الديمقراطية هي الحل الأمثل لكافة المشاكل والأزمات السياسية التي مر بها اليمن والتي يمكن أن يمر بها لاحقا. وكان اتفاق القوى السياسية على انتخابه رئيسا للبلاد في 17 يوليو 1978 أبرز دليل على ذلك، فقد كان ذلك اليوم منعطفاً مهماً في تجربة العمل الديمقراطي لتتنوع بعد ذلك مجالاته وتوالت خطواته واتسعت قاعدة المشاركة الشعبية.
فقد توجه الرئيس إلى الشعب من خلال جميع فئاته محاولا الوصول إلى توليفة سياسية مناسبة كأسلوب عمل يجسد المشاركة الفعلية لإرادة الشعب ليتشكل المؤتمر الشعبي العام من مختلف ألوان الطيف السياسي ويمارس أعضاء المؤتمر في مختلف تكويناته القيادية والقاعدية نشاطاً سياسياً جسد مفهوم التعددية القائمة على الحوار، والأخذ برأي الأغلبية واحترام رأي الأقلية. وقد هيأ هذا السلوك للانتقال إلى التعددية السياسية بعد الوحدة فقد تلازم إعلان قيام الجمهورية اليمنية تلازماً وثيقاً مع الأخذ بنظام التعددية السياسية، وهو ما جعل الأحزاب والتنظيمات السياسية تعلن عن نفسها وتشهر وجودها بعد أن كانت تعمل في الخفاء قبل الوحدة، وقد بلغ عدد الأحزاب أكثر من أربعين حزباً قبيل صدور قانون الأحزاب، وكان لا بد أن ينظم العمل السياسي، ويصدر قانون الأحزاب والتنظيمات السياسية وقانون الانتخابات العامة وقانون الصحافة والمطبوعات، وهي القوانين التي تحدد ونظم في ظلها المسار الديمقراطي، فحتى اليوم جرت ثلاث دورات انتخابية برلمانية، ودورتان رئاسيتان ومجالس محلية، وتشكلت في انتخابات الدورة البرلمانية الأولى حكومة الائتلاف الثلاثي، ثم حكومة الائتلاف الثنائي عام 1994، وأعقب نتائج انتخابات الدورتين البرلمانيتين الثانية والثالثة تشكيل حكومة الأغلبية المريحة. 



محمد الغراسي:
صحيفة السياسية