الاتحاد العربي.. من يجرؤ على
السبت, 03-يوليو-2010
محمد العصار -

أصبح مفهوم الوحدة العربية مصطلحاً "طوطمياً" تماماً كما أسمى علم النفس الحديث كل طقس سلوكي إنساني محرَّمُ الخوض فيه أو النقاش حوله وبصدده بـ"الطوطمي" أو "التابو".. ليس هذا فقط.. بل لم تقف المسألة الوحدوية العربية عند حدود كهذه، فقد أصبحت حالة ذهانية تاريخية ممروضة مشوهة وبمجرد الاقتراب منها وملامستها تتكشف الأحداث التي تقيَّحت وتهتكت أنسجتها فأصابت مجتمعاتنا وشعوبنا باليأس والإحباط.. والقنوط.. وهذه الحالة هي الأسوأ بل الأشد فتكاً بأي مشروع حضاري نهضوي منذ بواكير التنوير الفكري العربي أوائل القرن الماضي وصولاً إلى المشاريع القومية الفكرية التي اضطرت لأن تتعسكر!! أو بالأصح أن تلقى في المشروع "العسكرتاري" الوطني ضالتها لتصل إلى الذروة لمحاولة انتشال الأمة ووضعها وجهاً لوجه أمام مصيرها ومشروعها القومي الخاص.. فانفجرت الأحلام.. على كثرتها وصدق نوايا معظمها لتصبح أخطاء لايمكن معالجتها.. تماماً مثلما اصطدمت دون وعي ومعرفة بمخلفات ومخالب الاستعمار القديم الجديد.
اليوم صرنا لا نتحدث عن أي مشروع وحدوي عربي قومي أو حتى إسلامي إلاَّ بكثير من الحياء والخجل والخوف إضافة للحالات الثلاث: اليأس، القنوط، الإحباط!.
فقد أصبحت مشاريع التوحيد مجرد شعارات ومسميات لمؤتمرات وهيئات ومؤسسات ومنظمات مبعثرة هنا وهناك.. تحت الطاولات وخلف الكواليس وداخل سراديب مفهوم "من يجرؤ على الكلام" حسب عنوان الكتاب الشهير لـ"بول فندلي" إياه!.
من يملك الشجاعة إذن؟! من يلقي حجر الشجاعة في وجه وقلب هذه البركة الآسنة المتقيحة؟! والأسئلة الصحيحة: من يقدر على فهم ومعرفة والاستفادة من تجارب وحصص دروس الأمس القريب منذ فشل الوحدة العربية الكبرى وفك الارتباط بين مصر وسوريا.. إلى احتلال الكويت.. مروراً بتدمير دولة عربية قوية كالعراق وتحويلها إلى مجرد كانتونات طائفية عرقية تفتك آلة القتل بآلات مواطنيه يومياً "العراق" ولا مغيث لمستصرخٍ ولا مُعين!.
كل العرب يسبحون في آفاق شجونهم وطموحاتهم وأحلامهم وتآمراتهم ضد بعضهم البعض.. ولا صوت لجامعة.. ولا ثمار لأية وساطات أو مصالحات!.
يا لها من حالة تاريخية مزرية أغلقت دوائر أزماتها على نفسها.. تأكل ذاتها وتتآمر ضد مستقبلها وشعوبها ومجتمعاتها.. لا تشبهها أية حالة عبر تاريخ العرب إلاّ تلك الحالة الممزقة الرديئة المنحطة قبل ظهور النبي العربي العظيم محمد "ص" رسول الحق والإنسانية جمعاء.. فما بالنا ولم تعد رسالته الخالدة هذه مصدر إلهام وعمل واستذكار وفهم وعظة فوق كل العظات.. وبخاصة أولئك الذين دفعتهم حالة اليأس والإحباط والقنوط إلى إصدار فتاواهم بتكفير مجتمعاتهم وشعوبهم فأوجبوا إعمال يد الفتك والقتل عليها وضدها وفيها.. وحرروا صكوك الغفران.. ووزعوا مفاتيح الجنة و"ميداليات" الشهادة على من تبعهم ومن تحت أيديهم..
هذه هي التبعات المؤلمة لمفاهيم وأقانيم ومشاريع الوحدة والتوحيد ورص الصفوف وجمع الكلمة!! هذه هي الحالة "الطوطمية التاريخية" التي صارت كل دعوة لمعالجتها حراماً وشذوذاً عربياً ما يُقارب نصف قرن حتى اليوم!.
إن قيام بعض المشاريع الصغيرة كأنوية للتجمع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي.. سواء في المغرب العربي أو المشرق وبعض الحالات الوسطى بينها لها إيجابيات تُذكر ولا تُنكر.. لكن هذه التجمعات ما لبثت أن تصادمت مع بعضها البعض في السر والعلن.. ورغم أنها انطوت وطوت نفسها على خصوصيات بالغة.. لكنها ظلت تدور في الحلم الأكبر حلم الوحدة العربية.. مهما تقزم ذلك الحلم أو عبر عن نفسه بمجرد أغنية متعاطفة مع حدث أو قضية.
إن هذا الحلم الطوطمي في الحقيقة هو داخل ضمير وعقل كل عربي مسلم.. خصوصاً تلك الفئات العريضة المستسلمة التي لم تتلوث بحمى الدونية الجغرافية وعقدة الشكل الفلكلوري التقليدي.. وتلك الفئات هي الأصدق والأنصع والأكثر استجابة رغم إغراقها بحمى الهتاف والتصفيق وعبادة النماذج الحاكمة.. وتحتفظ هذه الفئات رغم وعيها شبه الغائب وأقانيم ومبررات صمتها لذاتها وحدها.. فليس بالإمكان أفضل مما كان.. ولا يأتي الزمان بالأجود والأحسن.
أي وحدة أو اتحاد عربي نحن أشد وأحوج ما نكون إليه دعا إليه بحرص وصدق فخامة الأخ علي عبدالله صالح رئيس الجمهورية إذن؟!.
أية أسئلة.. أو معوقات تقف في وجه هذا المشروع الكبير القادم المتأرجح داخل قلب هذا الزمن العربي اليتيم الغريب الكئيب؟.
لقد حدثت المعجزة بعد قحط تاريخي وضياع "دياسبورا عربية" فادحة بين أمم كانت قوية وعظيمة.. فاهتزت عروشها وخارت قواها ذات يوم ثم عادت اليوم بعنفوان شابة شامخة.. نقول حدثت المعجزة بعد جدب وقحط وموت اجتماعي وسياسي عربي دام لقرون.. نقول المعجزة.. فنقصد لا محالة معجزة الرسالة وظهور محمد الموحد العظيم "ص".. فما الذي سيحدث اليوم؟! ماذا ننتظر؟! ماذا سيفعل هؤلاء القادة الخمسة ومعهم جامعة الدول العربية وقاعدة عريضة تمثل أغلبية شعوبهم وجماهيرهم؟!.


[email protected] 


نقلاً عن 
صحيفة الثورة