اليورو مسألة حياة أو موت
الأحد, 30-مايو-2010
الميثاق إنفو -

قرر الاتحاد الأوروبي مؤخراً تخصيص مبلغ 520 مليار يورو موجهة لدعم إسبانيا والبرتغال وايرلندا واليونان . وإذا كانت الحالة على هذه الصورة، فمعنى هذا أن حوالي 7 في المائة من المنتوج الأوروبي الداخلي الخام ستكرس لهذه العملية العملاقة . وعلى أهمية القرار وضرورته، فإن معظم الدول الأوروبية لا تستطيع تحمل هذه التضحيات، وهذا الأمر يعني بالنسبة لبلد كإيطاليا ارتفاعا كبيرا على مستوى الاستدانة، التي سترتفع إلى 125 في المائة من المنتوج الداخلي الخام .



لم يكن يتوقع قادة دول منطقة اليورو أن يكون إجراء الدعم بهذا التأثير المهم على الوضعية المالية لدولهم . يتعلق القسم الأول بسلسلة من القروض الممنوحة لليونان، مقدمة تحت بعض الشروط . ومبلغ 80 مليارا من اليورو لن يتم استهلاكه إلا في غضون ثلاث سنوات . لكنه يبدو، مع ذلك، زهيدا مُقارَنَة مع مبلغ الضمانات الذي ستسدده الدول عبر ناقل خاص، أي مبلغ 440 مليارا من اليورو .



عبء مالي



مع شيء من الحظ لن يكون من الضروري اللجوء إلى هذه الضمانات . فالبنك المركزي الأوروبي يشتري بكميات كبيرة، قروض الدول ويمنح تسهيلات اقتراض غير محدودة للمصارف كي يتسنى للأسواق مواصلة عملها . وإذا ما أثمر هذا المخطط،وإذا لم يتمّ اللجوء إلى آلية الضمانة، فإن 440 ملياراً من اليورو لن تأتي لترهق الديون العمومية الوطنية .



ولكن هذا السيناريو الجميل لن تكون له قيمة إلا إذا نجحت الدول الضعيفة في إقناع الأسواق بأن تحتفظ بأموالها العمومية تحت المراقبة . وإلاّ فإنه يتوجب تنفيذ إجراء الضمانات . وستكون ألمانيا، في هذه الحالة، مضطرة إلى أن تصبح أول مساهم وذلك بمبلغ 123 مليارا من اليورو، في حين تأتي فرنسا ثانية بمبلغ 92 مليارا وإيطاليا ثالثة ب 81 مليارا من اليورو .



كما أن الدول الأخرى، عدا اليونان، يتوجب عليها، من الناحية النظرية، أن تشارك في المساهمة، ولكن إذا كان الأمر غير ممكن فإن على الدول المهمة والغنية أن تُعوّض النقص . وإذا ما أظهرت البرتغال وايرلندا وإسبانيا عجزا في الأمر، وإذا أخذنا في الاعتبار مبلغ 80 مليارا من اليورو التي منحت لليونان كقروض، فإن ثمن هذا الإجراء الإنقاذي سيرتفع إلى نحو 7 في المائة من المنتوج الداخلي الخام . وستصل الزيادة إلى 169 مليارا من اليورو بالنسبة لألمانيا و127 مليارا لفرنسا و112 مليارا لإيطاليا .



وهنا يظهر أن العبء المالي الإضافي لن يتم تقاسمه، بشكل عادل، بين الدول . فالألمان يستطيعون أن يرفعوا مساهمتهم التنافسية إلى نسبة 20 في المائة بشرط موافقة البرلمان . وإذا دُفِعت الدول الغنية إلى تحمل أعباء الدول الضعيفة، فإن الديون الإيطالية لن تمثل 118 في المائة من المنتوج الداخلي الخام كما هو منتظر هذه السنة بل ستصل إلى 125 في المائة .



ساركوزي ينكر الاختلاف مع ألمانيا



في أوقات الأزمات الاقتصادية والمالية تكثر التصريحات وتتناقض، أو أنها توحي بذلك، والأمر ليس مستغرباً في الاتحاد الأوروبي، الذي تكثر دوله، والذي لم يستطع لحد الساعة رسم سياسة موحدة، لأسباب متعددة . ولكن ألمانيا وفرنسا هما المحركان الرئيسيان للاتحاد الأوروبي، وبشكل خاص لمنطقة اليورو، التي لا تنتمي إليها بريطانيا . ومن هنا فأي قرار اقتصادي أو مالي لا يمكن أن يمر من دون اتفاق بين القطبين . وإذا كانت التصريحات الصادرة من مسؤولين من البلدين أوحت خلال فترة من الوقت بوجود اختلاف، فإن الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي أكد يوم الخميس الماضي في 22 أيار/ مايو الجاري أنه لا يوجد خلاف مع المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، حول إصلاح منطقة اليورو . وأضاف ساركوزي: “حول علاقاتي مع السيدة ميركل، نحن نقوم بكل الجهود حتى تكون منسجمة ومتضافرة ومتكاملة وحتى تكشف عن إرادة مشتركة” .



ويقول ساركوزي إنه أكد للمستشارة الألمانية، وهي مقتنعة بشكل كامل، بأنه لا يجوز وجود اختلاف بين البلدين في ما يخص هذه المواضيع المهمة . ولم يفت الرئيس الفرنسي أن يؤكد أن الاتصالات الفرنسية الألمانية شبهُ يومية، وأن هذا هو ما تحتاجه أوروبا . وأضاف الرئيس الفرنسي أنه يوافق المستشارة الألمانية في ما يخص مبدأ “عقوبات جديدة” ضد دول منطقة اليورو التي يرتفع عجزها، بشكل كبير .



وقد أراد الرئيس الفرنسي أن يظهر نفس الاتفاق بين البلدين حول ضرورة تطوير “ميثاق استقرار” دول منطقة اليورو، كما تريد ألمانيا . وشدد ساركوزي على أن هذا الميثاق: “يجب أن يتطور . ربما يتطلب الأمر كثيراً من المعايير وكثيراً من الشفافية من أجل فعالية أكبر . وسنعمل، من الآن وإلى شهر حزيران/يونيو، مع المستشارة أنجيلا ميركل في هذه المواضيع” .



وقد استبق هذا الخطاب الفرنسي الهادئ والمبشّر بالانسجام تصريحات ألمانية وفرنسية لا تتماشى في نفس الطريق . فبرلين فاجأت الجميع بالإعلان عن حظرها شبه الفوري لبعض أنواع بيع الأسهم على المكشوف، وللمضاربات المالية في الأسواق، من دون إعلام شركائها، وخاصة فرنسا، التي عبرت عن امتعاضها، بطريقة لبقة ودبلوماسية، فأكدت، من خلال وزيرة اقتصادها كريستين لاغارد، أن الخطة الألمانية “قابلة للنقاش، لأنه لم يسبقها نقاش أولي” . وليس الألمان وحدهم من اتخذوا خطوات فردية، فالفرنسيون لم يترددوا في مخالفة الألمان حين أكدوا أن العملة الأوروبية، بشكل مطلق، لا توجد في منطقة الخَطَر .



هل يمكن لأوروبا أن تظل موحدة من دون اليورو في ظل الازمات التي تعصف به؟ هذا هو السؤال اليوم . وهنا يعود الرئيس الفرنسي ساركوزي ليؤكد: “إن اليورو نجاحٌ، لأنه أصبح، في يسير من الوقت، العملة العالمية الثانية . ولن نختزل اليورو في بضعة أيام انصرمت . تريدون أن أحدثكم عن الأزمات التي عرفها الدولار خلال العشر سنوات الأخيرة، لنأخذ قليلاً من الوقت وقليلا من الهدوء في مواجهة هذه الأحداث” .



وهذا الخطاب الفرنسي المُطَمْئن يأتي بعد تأكيدات إسبانية على أن الرئيس الفرنسي هدد بالانسحاب من منطقة اليورو، في حال رفض المستشارة الألمانية لتقديم قروض لليونان .



ولكن الجميع في أوروبا يعرف أن اليورو وحده لا يكفي لتوحيد منطقة اليورو ودعم اقتصادياتها . إن أوروبا، كما يقول جوزيف ستيغليتز، الحاصل على جائزة نوبل في الاقتصاد، والمستشار السابق للرئيس بيل كلينتون: “لن تخرج من أزمتها إلا عن طريق التضامن والاستثمارات” . ويرى أن “التقشف يقود إلى الكارثة” .



إن أوروبا، كما يرى الاقتصادي الأمريكي، تحتاج إلى تضامن وتعاطف، وليس إلى تقشف يمكنه أن يضخم من البطالة التي تقود إلى الكساد . ويرى الباحث الأمريكي أن معضلة الدول الأوروبية تتجلى في أنها “لا تمتلك جميعا نفس الاعتقاد في موضوع النظرية الاقتصادية . وكان الرئيس الفرنسي على حق حين ضغط على المستشارة الألمانية لإرغامها على مساعدة اليونان” .



هل اليورو قابل للحياة، أم أنه مُهدَّدٌ؟



يرى ستيغليتز: “أنه من الممكن تجنب انهيار اليورو . لكن إذا لم يُعْمَل شيء لتفاديه فكل شيء ممكن . على الرغم من أني أتصور أن السيناريو الراجح يبقى هو سيناريو التخلف عن الدفع . إن معدل البطالة لدى الشباب اليونانيين يقترب من 30 في المائة، وفي إسبانيا تتجاوز 44 في المائة . لكم أن تتخيلوا فِتَناً وإضرابات إذا بلغت البطالة 50 أو 60 في المائة . ستأتي لحظة تطرح فيها اليونان أو إسبانيا أو البرتغال، بشكل جدي، سؤالا حول الفائدة من مواصلة الخطة المفروضة عليها من قبل صندوق النقد الدولي ومن بروكسل . وهو سؤال يتعلق بصميم رغبتها في أن تعود، من جديد، سيدة في سياستها المالية، أي العودة إلى تداول عملاتها الوطنية السابقة،مما يحررها من ضوابط البنك المركزي الاوروبي .



ويضيف الباحث الأمريكي في تشريحه للأزمة المالية الأوربية، ولكنه يرسم مستقبلا مخيفا للاتحاد الأوروبي، من خلال مقارنة الوضعية الحالية بوضعيات سابقة عرفتها أمريكا اللاتينية:



“تذكروا ما وقع في الأرجنتين، فالبيزو (العملة الأرجنتينية) تم ربطها بالدولار بواسطة نسبة صرف ثابت . كان يسود الاعتقاد أن الأرجنتين لن تقطع هذا الرباط وأن الثمن سيكون مرتفعا جدا . لقد قام الأرجنتينيون بذلك وخفضوا من قيمة العملة، فحدثت الفوضى المنتظرة . لكنهم في نهاية الأمر، كانوا رابحين، بشكل كبير . ومنذ 6 سنوات ينمو اقتصاد الأرجنتين بنسبة 5،8 في المائة سنويا . واليوم يوجد الكثيرون من الذين يعتقدون أن الأرجنتين كانت على حق” .



وإذا كانت الأزمة المالية اليونانية قد زعزعت بالفعل من هيبة اليورو، فإن الكثيرين من الساسة الأوروبيين والفرنسيين لا يبدون أي قلق من الأمر . وفرانسوا بايرو، زعيم تيار يمين الوسط الفرنسي، لا يعتبر الأمر مثيرا للقلق، فاليورو يقترب من الدولار . ويرى، من جهته أنه لا أحد يفكر، بجد، في الخروج من منطقة اليورو، لأنه خسائره ستكون أكبر من فوائده بكثير . “الفقراء، كما الأغنياء” .



أما السياسي الفرنسي اليساري ميلونشون، فهو يبتهج للأمر ويرى أن صادرات فرنسا ارتفعت بشكل كبير جدا، منذ أن انخفضت قيمة اليورو في مقابل الدولار .



أين مَكمن الخطر إذا؟ خصوصا إذا عرفنا أن وزراء المالية في منطقة اليورو قد اتفقوا هذه المرة على فتح الأوراش الأربع التالية: تعزيز ميثاق الاستقرار، الخفض من فروق التنافس، خلق آلية “فعالة” لإدارة لأزمات، ورابعا الحَكَامة الاقتصادية .



هي أوراش للعمل في انتظار أزمات قادمة في رأسمالية لا يمكن أن تعيش إلا من خلال الأزمات، كما أجمع المنظّرون عبر تاريخ الاقتصاد الحديث. 



باريس - بشير البكر:

دار الخليج