الإعلام وحق الحصول على المعرفة
الأربعاء, 12-مايو-2010
عبدالحسين شعبان -
يعتبر الحق في المعرفة وحرية الوصول إلى المعلومات ونشرها وإذاعتها بكل الوسائل الممكنة أهم مرتكزات الدولة العصرية، لا سيما الديمقراطية، ولعل هذه الحقيقة أصبحت اليوم وفي ظل العولمة وثورة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، والثورة الرقمية (الديجيتل)، مسألة لا غنى عنها للتقدم والرفاه الاجتماعيين، إذْ لا يمكن بأي حال من الأحوال تجاوزها أو القفز فوقها، ذلك أن معيار احترام الحقوق والحريات الأساسية، وبخاصة حرية التعبير، الذي يمكن بموجبه الدفاع عن بقية الحريات والحقوق بما فيها الحق في الحياة والعيش بسلام ومن دون خوف، تشكل محور منظومة حقوق الإنسان غير القابلة للتجزئة أو للانتقاص منها، سواءً على الصعيد المدني والسياسي أو الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، وعلى المستوى الفردي والجماعي، للأفراد والشعوب .



وإذا كان اليوم العالمي لحرية الصحافة (3 مايو/ أيار) قد مرّ مرور الكرام في عالمنا العربي، فإن السبب يعود إلى هموم كبيرة وانشغالات كثيرة، تتعلق بتحديات خارجية وداخلية مثل الاحتلال والنزاعات والإرهاب والعنف والفقر والأمية والتخلف وشح الحريات وضعف المواطنة وجدل الهويات، مع وجود الكثير من القيود القانونية وغير القانونية التي لا تزال مفروضة على الصحافة “صاحبة الجلالة” كما يُقال، وعلى الصحافي الذي يصفه ألبير كامو بمؤرخ اللحظة، في حين أن مئات الصحافيين قتلوا وتعرضوا للملاحقة في عالمنا العربي، الأمر الذي يضع أعباء جديدة على مهنة المتاعب والمخاطر .



وإذا كان الإقرار بدور وأهمية الصحافة قد ازداد منذ ما يزيد على قرن من الزمان، لدرجة اعتبرت السلطة الرابعة، بإضافتها إلى السلطات الثلاث: التنفيذية (الحكومة) والتشريعية (البرلمان ومجالس الشيوخ) والقضائية (المحاكم)، فإن مثل هذا الدور أصبح حقيقة كبرى من حقائق عصرنا، حيث يشكل الإعلام وتكنولوجياته وما يرتبط بهما إحدى أكبر الثورات الهائلة، بحضورها الفاعل والمؤثر، لا سيما في صناعة الرأي العام والتأثير فيه، خصوصاً في الانفجار الكوني الذي أحدثته الثورة العلمية - التقنية في القرن العشرين، المبتدئة بعصر الحداثة وما بعدها، وبخاصة في إطار العلمانية والعقلانية والليبرالية والنسبية والتعددية، التي بشّرت بها .



تشكّل المعلومات حجر الزاوية في العمل الإعلامي، ولا يمكن تصوّر وجود إعلام مؤثر وقادر على كسب صدقية أمام الرأي العام من دون توفّر حريات، وبخاصة حرية التعبير، وبذلك يمكن للإعلام نقل ونشر وإذاعة المعلومات بحرية، إذ سيكون عسيراً على الإعلامي، القيام بمهامه من دون حق الوصول إلى المعلومات ومن دون تعاون الأجهزة الرسمية (الحكومية) بتسهيل مهمة الإعلامي للوصول اليها، والاطلاع على برامج الحكومات وخططها ومشاريعها، بحيث يكون تدفق وانسيابية المعلومات إلى المواطن أمراً يسيراً من دون قيود أو إجراءات تؤدي إلى حجب أو حرمان الإعلامي من القيام بدوره المهني بحثاً عن الحقيقة التي يسعى لوضعها بيد المواطن .



وإذا كانت حرية وصول المعلومات والحق في المعرفة أمراً مفروغاً منه في الدول المتقدمة، لا سيما الديمقراطية، فإن بلداننا العربية لا تزال بعيدة عن ذلك، رغم وجود حراك قانوني وسياسي، وفي إطار بعض مؤسسات المجتمع المدني، لكنه ما زال في بداياته، التي هي أقرب إلى الإرهاص، خصوصاً بشأن إصدار قوانين تعطي للإعلامي حق الوصول إلى المعلومات، طبقاً للمعايير والاتفاقيات الدولية، حيث لا تزال هناك الكثير من الكوابح التي تحول دون ذلك، فمن جهة هناك الاحتلال في فلسطين والعراق، وهناك بعض البلدان ذات الأنظمة الشمولية التي لا تزال الثقافة السرية سائدة ومطبقة فيها، فكل شيء خاضع للدولة بحكم النظام الشمولي، الأحادي، الذي يدّعي وحده امتلاك الحقيقة لا يشاركه أحد في السلطة والمال والإعلام والحقيقة، وانعدام أو ضعف الشفافية، بحيث تصبح كل معلومة من أسرار الدولة وربما الخطيرة، ابتداءً من الميزانية ووصولاً إلى تنظيم الخدمة المدنية، ناهيكم عن العقوبات الصارمة، بحيث يعتبر تداول أية معلومات عامة تعرّض صاحبها لأقسى العقوبات، الأمر الذي يعزز الفساد ويمنع قيام نظام للمساءلة والشفافية وصولاً للحكم الرشيد، لاسيما في إطار المحاسبة وتحديد المسؤولية . أما في الأنظمة المحافظة فإن غياب تشريعات تعطي الحق لشخص طبيعي أو اعتباري الحصول على المعلومات، أمرٌ خطير يصل أحياناً إلى إصدار أحكام غليظة فيما إذا تمت مناقشة قضايا التسلح والأمور العسكرية وأسرار الدولة الأمنية الكبرى .



وتذهب بعض الدول الأمنية العالية المركزية إلى حجب كل شيء عن الإعلامي، لمنع المواطن، بالتالي من الحصول على المعلومات، بحجة الأمن الوطني والتهديد الخارجي، ومصلحة الشعب وسيادة الامة وغير ذلك .



ويضاف إلى هذه وتلك وجود قوانين للطوارئ في بعض البلدان العربية وقوانين الأحكام العرفية، ناهيكم عن نقص دستوري في دساتير بعض البلدان التي تلزم الصمت إزاء حماية الحق في الحصول على المعلومات ونشرها وإذاعتها . كما أن بعض قوانين المطبوعات والنشر المعمول بها لا تتحدث عن نصوص صريحة وواضحة للحصول على المعلومات، وهو أمرٌ يكاد يكون الأكثر تخلفاً في موضوع الحريات الإعلامية على المستوى العالمي .



إن اللحاق بركب الدولة المتقدمة، يقتضي أولاً وقبل كل شيء حماية الإعلاميين وعدم تعريضهم للحبس بسبب نشرهم معلومات تتعلق بسير عمل الإدارة وانتقادات للمسؤولين، والأكثر من ذلك عدم تعريضهم للأذى والحطّ من الكرامة أو الاعتداء عليهم بوضع قوانين صارمة تحول ذلك، وكذلك الحفاظ على حياتهم وعلى مصادر معلوماتهم وأسرارهم، وأيضاً تنظيم المهنة بما تستحق من تقدير، خصوصاً أن وظيفة الإعلام سواءً كان مرئياً أو مسموعاً أو مقروءاً، من أخطر وأهم المهن والوظائف، لا سيما إذا اقترنت بالدفاع عن حقوق الانسان والحريات الأساسية .



لعلنا في يوم الصحافة العالمي نجري جردة حساب لما تحقق وما لم يتحقق على المستوى القطري وعلى المستوى العربي، انطلاقاً من قاعدة حرية التعبير والحق في الحصول على المعلومات ونقلها وإذاعتها، طبقاً للاعتبارات الإنسانية، الحضارية، المتمدنة وذلك خدمة للحقيقة والإنسان، فهما الهدفان الساميان لأية فعالية اجتماعية أو ثقافية أو سياسية أو دينية . 


باحث ومفكر عربي

نقلاً عن الخليج الإماراتية