العواقب الدولية للنزاع الصومالي
الثلاثاء, 11-مايو-2010
عبدالجليل المرهون -
تصاعدت وتيرة العنف في الصومال على نحو مثير ومتسارع، وشهدت الأسابيع الأخيرة موجات متتالية من القتال العنيف والتفجيرات التي أودت بحياة العشرات .



وفي الأول من مايو/ أيار الجاري، قتل انفجاران وقعا في مسجد بالعاصمة مقديشو 39 شخصاً، وأصابا عشرات آخرين . وكان ذلك ثاني هجوم من نوعه خلال أسبوع في العاصمة . ونُظر إلى انفجارات المساجد باعتبارها ظاهرة جديدة في الحرب الأهلية التي تشهدها البلاد .



على الصعيدين الإقليمي والدولي، ترمي الأزمة الصومالية بتداعياتها المباشرة على ثلاث دول، هي جيبوتي وإريتريا وإثيوبيا . وهناك شكل آخر من المؤثرات يعكس نفسه على كينيا واليمن .



وخارج النسق الإقليمي، فإن الأزمة في الصومال ترمي بتداعياتها على الأمن الدولي عامة، ثلاثة أبعاد على الأقل، هي: القرصنة، وتهريب السلاح واتساع أزمة اللاجئين .



وفي المجمل، فإن حالة الأمن في بحر العرب، والذراع الغربي للمحيط الهندي، كما البحر الأحمر، لاتزال رهينة الوضع المضطرب في الصومال .



ويبدو واضحاً أن التركيز الدولي بات منصباً بالدرجة الأولى على قضية القرصنة وأمن الملاحة البحرية المتضررة من الوضع الصومالي، أو في سياقه .



وتشير أحدث إحصاءات المكتب البحري الدولي، إلى أن القراصنة كانوا خلف 35 من أصل 67 حادثاً بحرياً على مستوى العالم، في الربع الأول من العام 2010 . ووقع 102 حادث في الفترة نفسها من العام الماضي، 61 منها نفذها القراصنة .



وفي آخر التطوّرات ذات الصلة، أصدر مجلس الأمن الدولي، في السابع والعشرين من إبريل/ نيسان ،2010 قراراً قضى بإنشاء محاكم خاصة للقرصنة، لسد فجوة في الجهود الدولية لمواجهة هذه الظاهرة قبالة الساحل الصومالي .



وقد تعطلت محاكمة القراصنة المعتقلين بسبب الخلافات بشأن الدولة التي يُمكن أن تحاكمهم . وتفتقر الصومال ذاتها إلى البنية الأساسية القانونية لإجراء مثل هذه المحاكمات .



وتتضمن الخيارات التي طرحها القرار الدولي الجديد إنشاء محاكم محلية خاصة يمكن أن تكون ذات مكونات دولية، أو محاكم إقليمية أو محكمة دولية .



وفي ظل الانشغال بأخبار المعارك اليومية داخل الصومال، وعمليات القرصنة قبالة سواحله، توارت عن الرأي العام العالمي مآسي الحياة القاسية التي يعيشها المجتمع الصومالي الذي أضحى قسماً منه لا يجد قوت يومه، وبات عامة أبنائه أمام ظروف معيشية قاهرة .



إن الصومال يُعد اليوم أحد أفقر بلدان العالم، وأشدها معاناة على الصعيدين الاقتصادي والمالي . وقد بلغ ناتجه القومي الإجمالي في العام 2008 نحو خمسة مليارات وخمسمائة مليون دولار .



ويأتي الصومال في المرتبة 166 عالمياً على صعيد استهلاك الطاقة النفطية، بمعدل 5000 برميل يومياً، وذلك وفق مؤشرات العام 2008 . وتعادل نسبة هذا الاستهلاك أقل من واحد في المائة من استهلاك جمهورية جنوب إفريقيا التي تقع في المرتبة الثلاثين عالمياً على هذا الصعيد . وهي صاحبة تعداد سكاني قدره 49 مليون نسمة .



على صعيد آخر، لا تتجاوز حصة الفرد من الناتج القومي الإجمالي في الصومال 600 دولار، وفق مؤشرات العام 2008 . ويقع الصومال على هذا الصعيد في ذيل قائمة دول العالم، حيث يأتي في الترتيب 225 من أصل 229 دولة ومنطقة مصنفة عالمياً . هذا في حين يبلغ المتوسط العالمي لدخل الفرد السنوي عشرة آلاف وأربعمائة دولار .



إلى ذلك، يُعد الصومال السادس عالمياً من حيث وفيات الأطفال عند الولادة، بمعدل 109 أطفال لكل ألف مولود، وفقاً لمؤشرات العام 2009 . وتقع جيبوتي في المركز الثاني عشر على هذا الصعيد . وإثيوبيا في المركز العشرين . وإريتريا في المركز الثاني والستين، وفق مؤشرات العام ذاته .



وتعتمد الحكومة الصومالية في جزء أساسي من دخلها على إيرادات الميناء، التي تصل نحو مليون ونصف المليون دولار شهرياً . وفي الوقت ذاته، لم يعد بمقدور الصيادين الصوماليين ممارسة نشاطهم، كما كان الحال سابقاً، بسبب الوجود العسكري المكثف للأساطيل الدولية .



على صعيد الأدوار الإقليمية في الأزمة الصومالية، يمكن القول إن الصومال بدا اليوم ساحة مواجهة مباشرة، أو بالوكالة بين أغلبية دول الجوار الجغرافي . وفي حالات معينة، تواجهت هذه الدول نيابة عن أطراف دولية، أو تحت ظلالها .



إن رباعي الصومال، إثيوبيا، جيبوتي وإريتريا بات منخرطاً في أزمة يصعب الفصل بين أبعادها وجوانبها المختلفة . وأضحى حل أي من تجليات الأزمة القائمة يتطلب بالضرورة بحثاً في التجليات الأخرى . وبالضرورة أيضاً البحث في الخلفيات والجذور الأبعد مدى .



وأياً يكن الأمر، فإن تعزيز استقرار الصومال، بدعم عربي ودولي، على كافة الصعد، قد يكون هو السبيل الأمثل لخروج البلاد من أزمتها المديدة التي باتت تهدد باتساع النزاعات الإقليمية، وتعقدها .



إن استقرار الصومال، يمثل حاجة محلية وإقليمية وعالمية، وعلى العرب بالذات تحمل مسؤولياتهم في توفير هذا الاستقرار . وعلى الدول العربية أن تتحرك اليوم، وتضع ثقلها المالي والدبلوماسي، خلف الجهود الرامية إلى إعادة السلم الأهلي، وبناء ركائز الدولة الصومالية .



*نقلا عن "الخليج الاماراتية" .