ساركوزي وحظر النقاب
الأربعاء, 05-مايو-2010
عبد الزهرة الركابي -
على الرغم من أن الدين الإسلامي هو الدين الثاني في فرنسا، التي يعيش فيها ستة ملايين مسلم، فإن الحكومة الفرنسية بدت مصرّة على حظر النقاب، عندما شرعت قراراً بهذا الغرض، إثر إجتماع استثنائي في الإليزيه ضم الرئيس الفرنسي ساركوزي ورؤساء الحكومة ومجلسي النواب والشيوخ وزعماء الكتل النيابية .



وقال المتحدث باسم الحكومة لوك شاتل، إن منتصف مايو/أيار الجاري حُدد موعداً لإقرار مشروع القانون في مجلس الوزراء، ليطرح على مجلس النواب للمناقشة والتصويت عليه مطلع يوليو/تموز المقبل، ولن يقتصر الحظر على الإدارات العامة والمرافق الحكومية وحدها، بل يشمل الأماكن العامة، ويمنع ظهور المنقبات في الشوارع، ولن يتاح ارتداء النقاب سوى خلف جدران المنازل والغرف الخاصة وحدها .



الواقع أن أزمة الحجاب في فرنسا تعود إلى عام 1989 إثر طرد ثلاث فتيات مغربيات من معهد “كابريال هافاز” في ضواحي باريس، وقد ثارت حينها حملة إعلامية غير مسبوقة في الإعلام الفرنسي وجدل لم يهدأ بين من يرون أن الحجاب في المدارس تحدٍّ صريح لعلمانية الدولة، ومن يرون أن طرد المحجبات من المدرسة يعني إقصاء جزء من الفرنسيات من حقهن في التعلم، حيث انتصر اليسار الفرنسي، في ذلك الوقت، لإدماج المحجبات في المجتمع الفرنسي، بينما وقف اليمين يدافع عن علمانية المدرسة المذكورة . وقد شهد العام 2003 تطوراً في هذه الأزمة عندما قامت إدارة “معهد هنري والون” بطرد فتاتين لهذا السبب، وتسببت هذه الأزمة في تلك الفترة بمشكلات كثيرة، حتى إن مجلة (لو نوفيل أوبزرفاتور) في عام 2003 أحصتها بنحو 400 مشكلة . يُذكر في هذا الصدد أن مجلس الدولة الفرنسي كان قد أصدر في 27-11- 1989 قراره الشهير حول الرموز الدينية في المدارس، حيث رأى أن الرموز الدينية ليست في حد ذاتها مهددة للعلمانية إلا إذا كانت طريقة للضغط والتحرش والمزايدة، وقد جاء ذلك القرار بعد شهرين من إثارة قضية الحجاب لأول مرة في المدارس الفرنسية .



لكن اللافت في هذه الأزمة هو موقف الرئيس الفرنسي ساركوزي منها، ألا وهو تغيير موقفه 180 درجة، فعندما كان وزيراً للداخلية أبدى موقفاً معترضاً على نهج الحكومة الرامي الى حظر الحجاب في المدارس الفرنسية، إذ قال ساركوزي في ذلك الحين أمام لجنة (برنار) التي تتولى مراجعة قانون الفصل بين الكنيسة والدولة في فرنسا ودراسة مسألة الحجاب، إنه “لا داعي إلى سن قانون يمنع الرموز الدينية في المدارس”، وأعرب عن تأييده لإيجاد لائحة داخلية بالمدارس لتنظيم الأمور، مضيفاً أن من شأن ذلك أن يعزل المسلمين، ويشجعهم على تبني مواقف أكثر راديكالية .



ولم تقتصر إفادة ساركوزي أمام اللجنة المذكورة على الموقف من هذه الأزمة وحسب، بل تعداها الى المطالبة بحقوق للمسلمين في فرنسا من خلال قوله: يجدر بنا الحديث عن الصعوبات العديدة التي تعترض مسلمي فرنسا لمساعدتهم على الرقي بأوضاعهم . وأشار إلى أن هناك شبه غياب لمسلمي فرنسا في الوظائف العليا للدولة .



المثير في هذه الأزمة المتواصلة هو أن ساركوزي بعدما أصبح رئيساً لفرنسا، قام بتغيير موقفه من المعارض لحظر النقاب إلى المطالب بحظره وبشدة، حتى إنه قال في خطابه الذي ألقاه أمام مجلسي البرلمان في فرساي خلال العام الماضي “إن البرقع أو النقاب الذي يغطي المرأة من رأسها إلى أخمص قدميها يشكل علامة استعباد للمرأة وإن ارتداءه غير مرحب به في فرنسا” .



من هنا، فإن حظر النقاب أو الحجاب في فرنسا على النحو الآنف أو كما تم في بلدان أوروبية أخرى، يأتي في أطار النهج السائد في الثقافة الأوروبية التي تبنت تياراً عنصرياً منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول، وهذا التيار العنصري قام بإعادة إنتاج الخطاب العنصري القديم والذي كان سائداً في القرن التاسع عشر، ضمن عملية التمهيد والتغطية وإعطاء المبررات وإضفاء الشرعية للاستعمار الغربي لاحتلال البلدان العربية والإسلامية وبلدان العالم الثالث .



إن هذا التيار العنصري بدا في العقد الأخير منزعجاً بشدة من تواجد الملايين من المهاجرين المنحدرين من أصول عربية وإسلامية في البلدان الأوروبية، ومن الطبيعي أن هذا العدد الكبير من المهاجرين كفيل بظهور مشكلات عدة، تتوزع على مشكلات اقتصادية وخاصة في الطريقة التي يتم من خلالها إدماجهم في المجتمعات الأوروبية بما في ذلك المجتمع الفرنسي، وكذلك عدم إمكانية تكيف بعض هؤلاء المهاجرين مع الثقافات الأوروبية بما في ذلك الثقافة الفرنسية .



إذن، إثارة أزمة حظر النقاب في فرنسا هي من نواتج الخطاب العنصري للتيار العنصري في الثقافة الأوروبية، وتأتي في هذا السياق الحملات التي يشنها من وقت لآخر تيار “الإسلاموفوبيا” الذي يحاول الخلط بشكل متعمد بين العنف والعنصرية المنتشرة في المجتمعات الأوروبية، ووجود النساء المنقبات، خصوصاً على النحو السائد في المدارس الفرنسية التي ابتدأ منها حظر النقاب، ليتطور لاحقاً إلى ما هو أكثر عمومية . 



نقلاً عن الخليج الإماراتية