الحقيقة.. والأراجيف
الثلاثاء, 04-مايو-2010
كلمة صحيفة الثورة -
لم يرق للبعض أن يصبح اليمن أنموذجاً بما قطعه من أشواط متقدمة على صعيد الممارسة الديمقراطية وتعزيز الحريات الصحفية وحرية الرأي والتعبير، وأن يتبوأ هذا البلد مكانة رفيعة على مستوى المنطقة، وبين الشعوب والأمم، سواء في العمل الحزبي التعددي أو في الانفتاح على الحريات الصحفية، التي تتسع فضاءاتها يوماً بعد يوم، بالأعداد الهائلة من الإصدارات الصحفية الورقية والاليكترونية المعبرة عن فسيفساء الواقع، ومختلف المشارب الفكرية والتوجهات السياسية والحزبية.
وهذا الزخم من الإصدارات والمواقع الذي وصل حد التخمة حسب تعبير بعض الأشقاء العرب والأصدقاء الأجانب المهتمين بالشأن الصحفي، ما كان له أن ينمو، وعلى ذلك النحو المتسارع في مناخ يضيق بحرية الصحافة أو بحرية الرأي والتعبير، وفي ظل عدم وجود إرادة سياسية عليا هيأت الظروف المناسبة أمام مختلف شرائح المجتمع، للتعبير عن آرائها ومواقفها بشكل طبيعي وضمن منابر إعلامية لا تخضع لأي نوع من أنواع الرقابة.
ولعل هذا المستوى المتقدم من الانفتاح على الحريات، لم يعجب البعض من تجار السياسة، الذين يعتقدون لأسباب ذاتية أو شخصية أن أي نجاح يحققه اليمن يفقدهم جزءاً من فرصتهم في تسويق بضاعتهم الكاسدة، ومن ذلك المتاجرة بقضية حرية الرأي والتعبير، التي جعل منها هؤلاء وسيلة للارتزاق والكسب الرخيص، عبر ما يسطرونه من تقارير كاذبة ومغلوطة، وما يقدمونه من معلومات مضللة لبعض المنظمات والجهات في الخارج التي تلجأ لمثل هذا الصنف من الناس ممن فقدوا ضمائرهم ومصداقيتهم وأمانتهم، وصار كل ما يهمهم هو الحصول على المال ولو كان ذلك على حساب سمعة وطنهم وتشويه صورته لدى الآخرين.
وعندما تصبح الغاية غير مشروعة، وتتلاشى القيم، وينحسر الولاء الوطني لدى البعض، وتتحول السياسة إلى فجور، والعمل الحزبي إلى حقد، والاختلاف في الرأي إلى خصومة وغدر، تتضاعف أعداد المغامرين والمقامرين، والمتاجرين والمتحذلقين وضعاف النفوس الذين لديهم الاستعداد للمتاجرة بأي شيء، بدءاً بالمتاجرة بالأوطان والقيم، وانتهاء بالمتاجرة بالرقيق أو المخدرات، شأنهم في ذلك شأن من يتاجرون بصكوك الجنة والعقيدة الإسلامية، وهم يقومون بغسل أدمغة بعض الشباب غير الراشدين، ويقذفون بهم إلى محرقة الموت وتفجير أنفسهم والانتحار على قارعة الطريق، فيما أولئك الذين يبيعون لهم صكوك الجنة من الإرهابيين يختبئون في جحورهم كالفئران، هرباً من أن تطالهم يد العدالة.
والحال أن ما ورد في تقرير منظمة "مراسلون بلا حدود" بشأن حرية الصحافة في اليمن، لم يكن سوى نتاج حالة من الدس الرخيص لواحد من أولئك المتاجرين بوطنهم، ولا ندري كيف لمنظمة تحترم نفسها أن تبني تقريرها بالاعتماد على الأراجيف والأكاذيب وأن تستقي معلوماتها من أشخاص مأرزمين ومرجفين ثبت عدم نزاهتهم وصدقيتهم وحياديتهم، وكيف لمنظمة تحترم نفسها تبني مواقفها من زاوية واحدة ومن طرف واحد يعتمد التكتيكات السياسية وذر الرماد على العيون في كل طروحه ومواقفه.
والأمانة تقتضي القول بأن هذه الحالة ليست الأولى التي تقع فيها منظمة دولية تحت تأثير أولئك المتاجرين والمرابين، الذين يطلون علينا عادة برأسين مختلفين أحدهما مصلحي والآخر انتهازي. وآخر الأمثلة على ذلك هي تلك التي برزت بشكل فاضح في تقرير كتبه أحد الأكاديميين الجامعيين عن اليمن لصالح المؤتمر القومي العربي، الذي عقد مؤخراً في بيروت، والذي لم يكتف فيه ذلك الأكاديمي بالتعبير عن نواياه السيئة وحصته التي اقتطعها من الجسد الوطني عبر شخصنته للقضايا، بل أنه أنكر أفضال الثورة اليمنية عليه، بزعمه أن أهداف هذه الثورة لم تر النور حتى الآن، ولا ندري هل كان بوسعه أن يتعلم ويحصل على شهادة الدكتوراه لو أن مبادئ الثورة فعلاً لم تتحقق وفتحت أمامه سبل التعليم، وهو الآتي من منطقة لم يكن فيها من يجيد القراءة والكتابة وفك الخط قبل قيام الثورة. وهذا مثال من عدة أمثلة لا يختلف فيها من قام بالإيقاع بمنظمة "مراسلون بلا حدود" في ذلك المنزلق المخزي حينما اعتمدت في تقريرها السنوي عن حرية الصحافة في العالم ومنه اليمن، والذي بدا متحاملا ومتصادما ومجافيا للواقع ومستهجناً من كل متابع حصيف للأشواط التي قطعتها اليمن في ميادين الحريات الصحفية مما يجعل منها حالة مميزة في المنطقة، وهو تطور سيتواصل ولن يتوقف عند حد.
وما من شك أن مناقشة مجلس الشورى هذه الأيام للتعديلات المقترحة على قانون الصحافة والمطبوعات ليست سوى خطوة جديدة على صعيد تعزيز الحريات الصحافية واستقلالية الصحافة ودعم المهنية في الصحافة، وإنهاء أي معيقات لمسيرة العمل الصحفي والإعلامي. ومن ذلك تنفيذ توجيهات رئيس الجمهورية بإلغاء عقوبة حبس الصحفي.
وليس هذا وحسب بل إن التعديلات تستهدف الارتقاء بالواقع الإعلامي اليمني حتى يصبح قادراً على مواكبة التطورات التي تشهدها وسائل الاتصال في العالم.
ولا يهمنا في هذا الأمر تلك الإفرازات التي ينفثها أصحاب الضمائر الميتة من المصلحيين والمتاجرين والمرابين، ما دمنا مقتنعين أننا نمضي في الطريق الصحيح.
فالحق واضح كالنهار والزيف والتضليل لا ينم إلاّ عن الزوايا المظلمة التي يخرج منها.