الشراكة والتنمية
الأربعاء, 31-مارس-2010
عبدالحسين شعبان -
يعتبر البنك الدولي مسألة الشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص والمجتمع المدني مسألة أساسية لتطبيق سياسات الإصلاح الاقتصادي بهدف تحقيق التنمية البشرية . ولعل مفهوم الشراكة واصطلاحاتها كانت قد دخلت الأدب السياسي والاقتصادي والحقوقي في إطار إرهاصات التغيير الدولي والإقليمي التي شهدتها سنوات الثمانينات، والتي اتسعت في أواخرها بانهيار الأنظمة الشمولية وسقوط جدار برلين، الأمر الذي أخذ يتردد كثيراً في وثائق الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الحكومية وغير الحكومية، بما فيها جامعة الدول العربية، وقد أقرّت بعض البلدان العربية في السنوات الأخيرة مسألة الشراكة مع المجتمع المدني، وإنْ بتحفظ أحياناً .



وقد شهد العالم مبادرات كثيرة للأمم المتحدة طبقاً لمبدأ الشراكة، منها مؤتمر ريوديجانيرو العام ،1992 والمؤتمر الدولي الثاني لحقوق الإنسان المنعقد في فيينا العام ،1993 والمؤتمر الدولي للسكان والتنمية العام ،1994 وقمة العالم للتنمية الاجتماعية ومؤتمر بكين العالمي للمرأة العام ،1995 وقمة الألفية الثالثة للتنمية العام ،2000 ومؤتمر ديربان العالمي حول العنصرية العام 2001 وغيرها، وارتبط مفهوم الشراكة بالتنمية وبالسياسات التنموية دولياً وإقليمياً .



وقد انتقل مفهوم الشراكة من النطاق الاقتصادي والإداري وعلاقات السوق إلى النطاق الذي يبحث في شراكة المجتمع المدني مع الحكومات، خصوصاً وقد أصبح وجود منظمات مدنية شريكة للحكومات وقوة اقتراحية وتكاملية على النطاق الدولي، مسألة لا غنى عنها لعملية التنمية السياسية والاقتصادية والاجتماعية، الأمر الذي حدثت معه تطورات على صعيد القوانين الناظمة والعلاقات القانونية لهذه الشراكة وآفاقها الاجتماعية والاقتصادية والثقافية .



وإذا كان مفهوم الشراكة جديداً بين الحكومات ومؤسسات المجتمع المدني، لاسيما في البلدان النامية ومنها البلدان العربية، فإن الأنظمة الديمقراطية اعتبرته مسألة ضرورية لإحداث التغيير والتحوّل الاجتماعي، بتعاضد الجهود وتكامل المهمات بين الدولة والمجتمع المدني، خصوصاً في ظل مصالحة بينهما تقوم على أساس التكامل والتفاعل، وليس الصدام والصراع .



الشراكة تعني الاتفاق بخصوص تحقيق أهداف مشتركة أو محدودة، ويفترض أن تتضمن شكلاً من أشكال الاعتراف بالآخر وبدوره كطرف شريك كلياً أو جزئياً طالما يمكنه أن يساهم في عملية التنمية .



يمكن القول إن مفهوم الشراكة، هو مقاربة تنموية لعلاقة حكومية مع المجتمع المدني، لاستكمال وملاحقة قدرات وامكانات الطرفين، لتحقيق أهداف محددة، بحيث يتم ضمّ المزايا النسبية لكل طرف إلى الطرف الآخر في إطار تشاركي، ويتحمل كل فريق المهمات التي يستطيع القيام بها في إطار من التوافق، سواءً في تحديد الأهداف أو الوسائل أو عملية البرمجة والتخطيط أو في التنفيذ والمراقبة والمتابعة .



لعل موضوع الحديث عن الشراكة وعلاقته بالتنمية، كان محور نقاش مثير في مؤتمر حول الطفولة ودور المجتمع المدني وعلاقة ذلك بالتنمية، وكان المجلس العربي للطفولة والتنمية وبرنامج الخليج العربي للتنمية وجامعة الدول العربية وشركاء آخرون قد هيأوا لتنظيم هذا المؤتمر المهم، والذي ترافق معه ورشة عمل وحوارات بين الاعلاميين ونشطاء المجتمع المدني أدارها المشرف العام على المجلس العربي للطفولة والتنمية، الخبير الإنمائي د .حسن البيلاوي .



وكانت مسألة الفقر قد استحوذت على الكثير من المناقشات، لاسيما أن لها تأثيرات عالمية وانعكاسات عربية وإقليمية، حيث تبلغ نسبة الفقراء أو ما دون حدّ الفقر أكثر من مليار و200 مليون إنسان، بدخل لا يزيد على دولار واحد في اليوم، الأمر الذي ينعكس على مستوى التعليم والصحة والخدمات والتنمية بشكل عام، لاسيما على الطفولة والمرأة والأقليات والمهمشين واللاجئين وأصحاب الإعاقة وذوي الاحتياجات الخاصة .



وما زالت علاقة الدولة بالمجتمع المدني في عالمنا العربي متوترة وغير تصالحية، وهي علاقة ضدية تعارضية، بحيث تمظهرت بقوة احتجاج واعتراض من جانب المجتمع المدني، لاسيما في ظل شحّ الحريات، وقوة قمع وتحريم من جانب الدولة، الأمر الذي يحتاج إلى أن تتحول إلى قوة شريكة واقتراح وتكامل من جانب المجتمع المدني . أما من جانب الدولة فينبغي القبول بدور المجتمع المدني والإقرار بحقه في المشاركة والتنمية، ودراسة اقتراحاته ومدى مساهمته في التخطيط والتنفيذ .



ولعل مثل هذا التوجّه يمكنه بناء استراتيجيات وسياسات وطنية تسهم في عملية التنمية وتأخذ في الاعتبار دور المجتمع المدني الحر المستقل والسلمي الطامح إلى التغيير في إطار عملية تنمية وتراكم ومراقبة، للحد من ظاهرة الفقر، ومثل هذا الدور لا بدّ لمؤسسات المجتمع المدني أن تضطلع به كشريك، لاسيما الدور التنموي في ما يتعلق بالطفولة بشكل خاص .



ويتطلب هذا من الحكومات التشجيع على تأسيس منظمات للمجتمع المدني مستقلة ومعنية بالتنمية وتوفير مناخات وبيئات مناسبة لتطورها، تشريعية وتربوية وإعلامية وقضائية، الأمر الذي يتطلب إعادة النظر بالتشريعات المقيِّدة للحريات وللحق في تأسيس الجمعيات، كما يتطلب الأمر من الحكومات إشراك المجتمع المدني والتعامل معه كشريك وليس كديكور أو تابع، بهدف الحصول على تزكية مجانية من منظمات مدنية، وإن كانت شكلية أو تابعة للدولة أو حتى مؤسسة من قبلها أحياناً، ولعل ذلك لن يخدم عملية التنمية، كما لا يخدم قواعد الشراكة المنشودة .



وقبل هذا وذاك، لا بدّ من توفّر قاعدة بيانات متخصصة بالمنظمات والمؤسسات المعنية بالتنمية، وهذا ما أشار إليه الباحث اليمني الخبير في الأسرة والطفولة بجامعة الدول العربية، محمد عبده الزغير، ويمكن القول إنه لا تنمية من دون شراكة من جانب المجتمع المدني، خصوصاً التنمية بمعناها الشامل، البشري الإنساني، السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي والحقوقي .







باحث ومفكر عربي 


*نقلا عن دار الخليج