من اللاتنمية إلى التنمية الشاملة
الأحد, 31-أغسطس-2008
إبراهيم الأكوع -

يشغل مصطلح التنمية بؤرة اهتمام المفكرين والسياسيين وعلماء الاقتصاد والاجتماع في كلاً من المجتمعات المتقدمة والنامية على السواء , فيشار إلى بلد ما انه متقدم أو أقل تقدما (متخلف) بمقدار ما يتمتع به أفراد ذلك المجتمع من خدمات اجتماعية أساسية في مجالات الصحة والتعليم والكهرباء ومياه الشرب النقية والاتصالات والطرقات والأمن, ... الخ , وما يمتلكه ذلك البلد من بنية اقتصادية أساسية تفي باحتياجات ومتطلبات السكان والتي تمثل في مجملها القاعدة الأساسية التي ينطلق منها ذلك المجتمع نحو التقدم والرقي.
وتأسيسا على ذلك نستطيع تتبع مسار التنمية في أي بلد من البلدان ووصفه بأنه متقدم أو متخلف , والسؤال هنا هل من الممكن تتبع المسار التاريخي لعملية التنمية في اليمن ؟ وللإجابة على هذا السؤال نشير في البداية إلى أن قياس وتتبع المسار التنموي في أي بلد من البلدان يتطلب تنمية مستمرة في ذلك البلد حتى ولو مرت بفترات ركود , ولكن في حالة اليمن لا يمكن ذلك لأنه لم تكن هناك تنمية قبل ثورتي سبتمبر وأكتوبر المجيدتين وعليه فان تتبع مسار التنمية في اليمن وقياسها يبدأ فعلا من بداية قيام الثورة التي لم تكن ثورة على نظام الحكم الملكي في الشمال او الاستعمار الإنجليزي في الجنوب وحكم السلاطين فقط بل كانت ثورة شاملة في شتى المجالات الاقتصادية الاجتماعية و الثقافية والسياسية أيضا.
كان اليمن قبل قيام ثورته معزولا عن العالم كان بحق يعيش خارج اطار القرن العشرين , كان اليمن يعاني من ما يسمى الثالوث الرهيب او القاتل " الفقر والجهل والمرض " بسبب نظام الحكم الملكي الامامي البغيض في المحافظات الشمالية و نظام السلطنات و الحكم الإنجليزي في المحافظات الجنوبية و الشرقية الذي كان يقوم على تجهيل الشعوب المستعمرة ونهب ثرواتها , كانت الأوبئة منتشرة في طول الوطن وعرضه كما ان الافتقار الى الوسائل الصحية والعناية الطبية عمل على الحد من النمو السكاني إذ كانت تصل نسبة وفيات الأطفال الى أكثر من 80 % وكان من الأمثلة الشعبية المعروفة في ذلك الوقت " المحموم له أسبوع أما ان يقوم أو ينوم " وذلك تعبيرا عن تدهور الأحوال الصحية وعجز الأفراد عن معالجة ابسط الأمراض الأمر الذي أدى الى اعتماد السكان على الشعوذة و اللجوء للدجالين للتداوي من الأمراض.
أما مجال التعليم فحدث ولا حرج لم يكن هناك مدرسة واحدة في الريف أما المدن الرئيسية " صنعاء – الحديدة - تعز " الذي كان يفترض ان يكون فيها مدارس حديثة ابتدائية وثانوية , لم يكن فيها إلا أربع مدارس تفتقر الى ابسط مقومات التعليم لم يكن بها أي نظام تعليمي أو منهج دراسي ... ؟ . لم يكن التعليم يعتمد على دعم وتخطيط الدولة بل كان يعتمد بشكل أساسي على دعم المواطنين كان هناك ما يسمى نظام المعلامات " الكُتاب " والذي كان عبارة عن حجرة واحدة يقوم بالتدريس فيها شخص واحد ذو معرفة محدودة بالقراءة والكتابة و يعتمد الطالب فيها على ألواح الخشب.
كان يعتمد اليمن في اقتصاده على الزراعة البدائية والتي كانت النشاط شبه الوحيد للسكان والتي كانت تتم بواسطة الآلات البدائية جدا التي أسهمت في تدني الإنتاج , أما الصناعة فكانت محدودة وبدائية ففي الصناعة التحويلية كان هناك مصنع وحيد للنسيج " مصنع باجل " افتتح قبل قيام الثورة ببضع سنوات في أواخر الخمسينيات بالإضافة إلى بعض الصناعات الحرفية البدائية كدباغة الجلود وصناعة الحبال والحصير للاستعمال المحلي , أما الصناعات الاستخراجية فقتصرت على استخراج الملح في الصليف والتي بدأت في العام 1953 و توقفت عام 1955 .
أما الطرق كما أورد الأستاذ محمد انعم غالب في كتابه عن المواصلات كانت عبارة عن ممرات ومذرات قديمة ووعرة , وكان الطريق الوحيد المعبد كان طوله 8 كم يربط بين مدينة تعز ومطارها وكذلك طريق المخا - تعز والتي تهدمت بمجرد الانتهاء منها , وطريق الحديدة – صنعاء الذي تم تكملة انشاءة بعد قيام الثورة وأما المواني والمطارات فلم يكن هناك سوى ثلاث سفن لا تتجاوز حمولتها 1500 طن ,كما كانت المطارات عبارة عن أراضي غير معبدة ,والبريد كان عبارة عن خدمة محدودة غير منتشرة , أما في مجال الاتصالات لم يكن هناك سوى السلك وهو من مخلفات العهد التركي , ولم يكن هناك أي نظام مالي او نقدي وغالبا ما كانت تتم المعاملات بأسلوب المقايضات , وكما يشير انعم في كتابه كانت الأوضاع الاقتصادية لليمن قبل الثورة لا تفي إلا لدرجة الكفاف في حدوده الدنيا وان هذا النمط للحياة البائسة لا يختلف بين الريف والمدينة . ونستدل من العرض السابق لأحوال التنمية نجد ان اليمن بشطريه الشمالي والجنوبي (عدا مدينة عدن) قبل قيام ثورة سبتمبر وجلاء الاستعمار البريطاني كان منعدم التنمية حيث شكلت الأنظمة السياسية عائقا لمسيرة التنمية.
وهنا نأتي لتتبع مسيرة التنمية بعد قيام الثورة وما حققته من إنجازات تنموية عملاقة نقلت اليمن من وضع اللاتنمية الى التنمية الشاملة.
بالرغم من الحرب الأهلية الطاحنة في شمال الوطن التي استمرت ثمان سنوات بعد قيام الثورة وجلاء الاستعمار الإنجليزي عن جنوب الوطن في أواخر الستينات ورغم شحت الإمكانيات فقد تحققت خطوات جيدة في الفترة (1962 الى1970) في كافة المجالات التنموية وتأسيس البنية التحتية وتشكيل القاعدة الاقتصادية في الزراعة والصناعة والنقل والخدمات المساعدة وبدء العمل بنظام نقدي ومالي كما يشير الى ذلك الأستاذ احمد محمد صوفان وزير التخطيط والتعاون الدولي في عرضة لمسار التنمية في اليمن خلال العقود الأربعة الماضية من عمر ثورتي سبتمبر وأكتوبر (العدد 30 مجلة الثوابت ص 159), وفي بداية عقد السبعينيات تم وضع أول خطة تنموية في اليمن فقد وضعت خطة ثلاثية في جنوب الوطن عام 1971 وحتى 1974, وتلاها خطط خمسية متتالية حتى عام 1990, أما في شمال الوطن فقد بدأ العمل التنموي بما يسمى البرنامج الإنمائي الثلاثي من العام 1973 وحتى 1976 وتلي ذلك العديد من الخطط الخمسية حتى قيام الوحدة التي دخل اليمن بعدها مرحلة جديدة من عملية التنمية.
ففي مجال الصحة وبرغم أننا لا زلنا بحاجة إلى المزيد من التطور في هذا المجال إلا أن التقدم الحادث في مجال الصحة خلال الأربعين عاما الماضية يعتبر تطور محسوب لمسيرة التنمية مقارنة بوضع ما قبل الثورة في هذا المجال حيث بلغ عدد المستشفيات 116 مستشفى في العام 2001 يعمل بها اكثر من 4700 طبيب (هذا بدون المستشفيات الخاصة) أما الوحدات الصحية فقد بلغ عددها 1821 وحدة صحية ومراكز الرعاية الصحية الأولية بلغ عددها 574 مركزا , ومراكز الأمومة والطفولة وصل عددها في العام 2000 إلى 261 مركز تقدم خدمات صحية وإرشادية في عموم محافظات الجمهورية.
أما في مجال التعليم فقد حققت اليمن طفرة حقيقية في هذا المجال بإنشاء مئات المدارس والعديد من الجامعات التي سيكون لها دور رائد في مجال التحديث والإسهام في تقدم المجتمع في السنوات القادمة , فقد بلغ عدد طلاب التعليم الأساسي والثانوي هذا العام 5000,000 طالب وطالبة كما زادت نسبة التحاق الإناث بالتعليم , أما التعليم الجامعي فقد زاد عدد الطلاب من 87000 في العام 1996 الى 184000 في العام 2001 , مع الدعوة هنا للجهات المعنية بوضع التدابير المناسبة لاستيعاب مخرجات التعليم , ونشير هنا الى أن اليمن من أعلى الدول انفاقا على التعليم حيث تصل نسبة الإنفاق على التعليم من نسبة الإنفاق العام الى 21,9 %.
أما بالنسبة للطرقات فان اليمن الآن وبعد أربعة عقود من عمر الثورة أصبحت تمتلك شبكة واسعة من الطرقات تربط أجزاء الوطن ببعضها البعض وتمتد الى الدول المجاورة عن طريق معابر حدودية تسهل حركة التجارة البينية مع دول الجوار , فقد بلغ طول الطرق الإسفلتية أكثر من 6600 كم في العام 2000 والعمل جاري في العديد من الخطوط في عموم محافظات الجمهورية , أما الطرق الحصوية فيبلغ أجمالي أطوالها أكثر من 60،000 كم .
وفي مجال الاستثمار فالدولة تسعى دائما الى تشجيع هذا القطاع بتقديم امتيازات وتسهيلات للمستثمرين وتفعيل دور المشاركة الشعبية في النمو الاقتصادي , وفي مجال الاتصالات والكهرباء حققت اليمن إنجازات كبيرة فقد بلغ عدد المشتركين في مجال الكهرباء حوالي مليون مشترك و أكثر من نصف مليون مشترك في مجال خدمة الاتصال الهاتفي, كما أن اليمن تعتبر من أكثر الدول تقدما في مجال الاتصالات في الشرق الأوسط وتخطو بلادنا في هذا المجال ومجال تكنولوجيا المعلومات خطوات ممتازة .
والحديث عن يمن ما بعد الثورة والتحول والمنجزات والتغيرات التي حدثت في كل المجالات يحتاج إلى العديد من المجلدات لان النقلة التي انتقلها اليمن بعد الثورة هي بحق نقلة نوعية تستحق الوقوف أمامها طويلا وتحليل كافة جوانب التغيير والتقدم الذي حدث بعد ثورتي سبتمبر وأكتوبر ذوات الترابط والتداخل في مسيرة نضال شعب قاسا سنوات طوال من الظلم والتخلف والحرمان الطويل من ابسط مقومات ومتطلبات الحياة وتأسيسا على ذلك كان أمرا حتميا قيام ثورتي سبتمبر وأكتوبر المجيدتين اللتان أصبحتا تحول تاريخي في النظام الاجتماعي والاقتصادي والثقافي والسياسي للشعب اليمني ,فقد انطلقت اليمن بعد هذا التاريخ إلى مرحلة التنمية بعد أن كانت تعاني سبات تنموي لم تفق منه الا بعد قيام الثورة .
ولقد استطاعت اليمن خلال العقود الأربعة الماضية وبرغم التحديات الصعبة والعقبات الكبيرة أن تحقق معدلات جيدة في كافة مجالات التنمية ولازالت عجلت التنمية تتقدم إلى الأمام وبوتيرة عالية في ظل القيادة السياسية الحكيمة بزعامة الأخ الرئيس علي عبد الله صالح حفظه الله.
ويشير خبراء التنمية والمحللين الاقتصاديين إلى أن اليمن إذا ما استمر على نفس الوتيرة من التحديث المؤسسي والاستقرار وتشجيع نمو المجتمع المدني وتفعيل دوره في مجال التنمية وتعزيز المشاركة الشعبية والحفاظ على الديمقراطية وتنميتها , فان اليمن سيصبح من الدول التي ترقى إلى مصافي الدول خلال السنوات القادمة .
وأخيــراً، ان العرض السابق ليمن ما قبل الثورة ويمن ما بعد الثورة يوضح مدى الفروق الكبيرة بين المرحلتين والتحول الكبير في كافة مناحي حياة شعبنا وانطلاق اليمن من مرحلة اللاتنمية إلى مرحلة التنمية الشاملة ليستحق ان نسجل تاريخ 26 سبتمبر و14 أكتوبر بأحرف من نور في سجل تاريخ شعبنا ونضالة من اجل التقدم والرقي كما يجب ان نترحم على شهداء الثورة الأبرار الذين قدموا أرواحهم رخيصة بذلا وفداء من اجل يمن اليوم.