كيف نواجه الإعلام الطائفي؟
الثلاثاء, 30-مارس-2010
عبد الله الصنعاني - اليوم وفي عصر المعلومة والإعلام كان للإعلام الديني حظ كبير في العملية الإعلامية بشكل عام، ولاقت هذه القنوات إقبالاً منقطع النظير لاسيما لدى العامة، تميّز هذا الإقبال بأنه في كثير من الأحيان لا يسألها عمّا تفعل فاستغلت الحُريات المُتاحة فروّجت لأهوائها ولآرائها الضيّقة لتكون معول هدم في المجتمع أكثر من كونها يد بناء وإعمار..
لا شك أن حُرية المعتقد هبة إلهية لم تعطِ المشروعية لأحد في فرض معتقده على الآخرين، كما أن هذه الحُرية فرضت احترام معتقدات الآخر -مهما اختلفنا معها- فلا توجد أية وصاية من أحد على أحد بل إن من حق كل أحد أن يسعى للحفاظ على ثقافته وهويّته بكل تفصيلاتها.
ولما كان التدين فطرة إنسانية لدى بني البشر فقد لاقى كل ما يقال باسم الدِّين ترحابا كثيرا في أوساط كل المجتمعات، الأمر الذي دفع أهل الأهواء والأمزجة والأطماع إلى إضفاء صفة "الديني" على أهوائهم وأمزجتهم وأطماعهم بكل أبعادها، عادة نغمة تقسيم الأمّة والحديث عن تعدد الطوائف والإثنيات بعد ظننا أنها قد تلاشت أو اندثرت وأخذت كثيرا من القنوات الفضائية على عاتقها تنفخ في نار الطائفية من جديد -بغضّ النظر عن نواياها- فكان التأثير أن زاد المتجزئ في تجزئة المُقسّم في تقسيمه، وبات السرطان الطائفي كل يوم أكثر تفشياً وأخطر فتكاً.
عن نشأة الإعلام الطائفي يتحدّث عميد كلية الإعلام الدكتور أحمد العجل فيقول: "القنوات الجديدة الطائفية التي ظهرت هي انعكاس للتطوّر الطائفي وبروز الدعوات الطائفية التي اجتاحت الصف العربي وظهرت بشكل أكثر وضوحاً نتيجة لاحتلال العراق، وهي أيضا ثمرة لسياسات سابقة لفترات متعاقبة". ويضيف: أن "العالم يدرك أن بروز الطائفية معناه صراع طائفي، والصراع الطائفي معناه تفكيك الأمّة ووحدتها".


تساؤلات للتأمل
هل نحن في اليمن بمنأى عمّا يحدث في العالم العربي؟ يجيب الدكتور العجل عن هذا التساؤل بتساؤلات يضعها بين أيدينا، يقول: "يضعنا البث الفضائي لهذه القنوات أمام عدد من التساؤلات في البداية، كيف نحصن أبناءنا وشبابنا ضد هذه الأخطار؟ وكيف نوجد مهارة الانتقاء لدى أبنائنا بحيث ينتقي ما يفيده ويترك ما يضرّه؟ وكيف نوجد البديل؟ وكيف نوجد التوعية بخطورة هذه القنوات؟ لأن التوعية عامل من عوامل الوقاية والتحصين، وكيف نستشهد بالأباطيل التي تفوح برائحة الحقد الطائفي؟ كيف نستشهد بأخطائها وتضليلاتها للتحذير منها؟ وكيف نبرز جوانب القصور فيها والمخاطر التي تهدد الأمّة من خلال رسائلها؟ إلى جانب أن نأتي بالبديل في إطار الوسطية والاعتدال والتسامح والمحبّة والتوأمة بين الأصالة والمعاصرة؟".
لعل هذه التساؤلات التي يقدّمها الدكتور عميد كلية الإعلام ليست بحاجة إلى إجابة عنها بقدر ما هي بحاجة إلى تكاتف الجهود والعمل ذي التوجّه الجماعي التكاملي لفكفكة هذه المُعضلة وتفتيت منظومتها البنيوية.
وبحسب الدكتور العجل فإن "الحل لهذه المشكلة أو الوقاية منها يكمن في ترسيخ منهج الوسطية والاعتدال عبر الوسائل الإعلامية كافة"، مؤكدا "أن ثمة اهتماما كبيرا ورعاية من الدولة لوقاية أبناء المجتمع من خلال عدد من القنوات المتخصصة كقناة الإيمان الفضائية التي تحاول أن تُرسي مفاهيم الوسطية والاعتدال، وكذا إذاعة القرآن الكريم المرتقب إنشاؤها، ولا ننسى أيضا دور إذاعة الشباب وإذاعة البرنامج العام والإذاعات المحلية وكل وسائل الإعلام بشكل عام التي تحاول أن تنفذ خطة الدولة في هذا المجال".


لا نستعدي أحدا
يمكن القول بهذا الصدد أن الدولة حين استشعرت ضرورة وجود قناة دينية تلبِّي احتياجات الناس الروحية سارعت بإنشاء قناة الإيمان لتكون رافداً بديلا عن روافد المغالين تنتهج الوسطية شعاراً والاعتدال مساراً، يؤكد الدكتور عبد الواحد الآنسي -رئيس قناة الإيمان- بقوله: "نحن لا نستعدي أحدا"، على الرؤية المتسامحة التي تقوم عليها القناة، يقول الدكتور الآنسي: "نحن لا نستعدي أحدا ونحاول أن نقدّم الإسلام بوسطيته واعتداله، وعند ما نقدّمه تقديما صحيحا ونبيّن ما هي وسطيته واعتداله فهذا توجيه في الوقت نفسه رسالة إعلامية صادقة للغير أن هذا هو الإسلام الصحيح"، ويضيف: "لا يعنينا من يخالفنا أو يُمارس أشياء أخرى فلسنا في موضع التحقيق مع الناس، ولكن دورنا أن نقول إن هذا هو الإسلام وما هو باطل فهو باطل".
ويشدد رئيس القناة "نحن نقدّم منهج الإسلام الوسطي الثابت الذي يجمع الأمّة ولا نتعصب لأي مذهب ولا لأي فرقة ولا لأي فئة، وقد استقدمنا عددا كبيرا من المشايخ من مختلف الدول، وتمت استضافتهم وفقا للخطاب الإسلامي الوسطي فمن كان يؤدي هذه الرسالة عملنا معهم لقاءات وسجلنا لهم برامج مختلفة من أجل أن نبيّن أن هذا هو الإسلام في الداخل والخارج، سنظل نسعى جاهدين لنؤدي رسالتنا كما ينبغي أن تؤدى في هذا الإطار، وهو تقديم الكتاب والسّنة تقديما حقيقيا معتمدا على الكتاب والسنة والمراجع العملية والتأكيد على دور العلماء الأجلاء في تبسيط وتوضيح تعاليم الدِّين الإسلامي على مر العصور والدّهور، وأيضا التنبيه على أن هذا هو الإسلام الحقيقي".


هيئة العلماء رقيباً
عن القنوات الطائفية يقول: "قضيّة الخروج عن جادة الصواب تخضع لآراء شخصية لا علاقة لنا بها، القنوات الأخرى التي تروّج لأباطيل على علماء المسلمين أن يقفوا لها موقفا حقيقيا لردعها ومنعها من أن تمارس مثل تلك البدع، أما نحن فإن مهمتنا تكمن في تقديم الإسلام وفق مرجعية علمية صحيحة دقيقة لا يخالطها زيغ ولا هوى، وكذلك لا تثير الأحقاد والضغائن بين المسلمين، وفي الوقت نفسه أيضا لا تشوّه تعاليم الدِّين الإسلامي الحنيف". ويشدد في نهاية حديثه "يجب على هيئة علماء المسلمين أن تشكل رقابة على هذه القنوات الدينية لتقول للمُحسن أحسنت وللمُسيء أسأت، وبالتالي هي من يخوّل لها أن تُدين هذا أو ذلك".