القمة العربية وترحيل القضايا
الأحد, 28-مارس-2010
حسين العودات - يعرف المتحاربون بالحجارة أن إصابة الهدف تحتاج لتحقيق موازنة دقيقة بين حجم الحجر الذي سيقذفه المحارب وقدرة هذا المحارب، والمسافة التي تفصله عن العدو، إضافة لأشياء أخرى، أي دراسة الشروط الموضوعية التي تحيط بالتحارب والمحاربين، وفي ضوء ذلك قالت العرب مثلها الشهير (من يكبّر الحجر لا يصيب الهدف) .


ويبدو أن مؤتمر القمة العربية الذي ينعقد في مدينة سرت في الجماهيرية الليبية تجاهل هذا المثل أو نسيه أو تناساه أو (احتقره) متأثراً بمعطيات ما بعد الحداثة ومفاهيمها وإملاءاتها القاضية بالقطع مع التراث.


ودليل هذا التجاهل أن المواد المدرجة في جدول أعمال مؤتمر القمة شكلت قائمة طويلة (عريضة) تحتاج لعشر قمم أخرى لإنجازها، ولا تكفيها بالتأكيد قمة واحدة لمدة يومين اثنين لا يكفيان لإنجاز بعض المصالحات العربية.


تضمن جدول أعمال القمة سبعة وعشرين موضوعاً منها: ما يلي وباختصار شديد: القضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي ومستجداته (ومازالت المادة توضع في جدول أعمال القمة منذ أول مؤتمر عام 1946 حتى الآن)، ومبادرة السلام العربية، ووضع خطة تحرك عربي لإنقاذ القدس.


ودعم موازنة السلطة الوطنية الفلسطينية وصمود الشعب الفلسطيني، وموضوعات الجولان العربي السوري المحتل، والإرهاب الدولي وسبل مكافحته، والتضامن مع لبنان ودعمه، وتطورات الوضع في العراق، واحتلال إيران للجزر الثلاث، ومعالجة الأضرار والإجراءات المترتبة على النزاع حول قضية لوكيربي.


ورفض العقوبات الأمريكية أحادية الجانب المفروضة على سورية، والحصار المفروض على سورية والسودان بخصوص قطع غيارات الطائرات، ورفض قرار الدائرة التمهيدية الأولى للمحكمة الجنائية الدولية بحق الرئيس السوداني، والتعاون العربي الإقليمي والدولي، والوضع المالي للأمانة العامة للجامعة العربية إضافة لمواد أخرى.


هذا في الواقع هو جدول الأعمال المختصر، ولم أشأ أن أثقل على القارئ بسرده مفصلاً خوفاً من الملل، فهل يقتنع أي مراقب أو محلل سياسي أو صحفي أو إنسان غير مختص ليس له اهتمامات سياسية، أن القمة ستنجز في يومي 27 و28 الجاري دراسة جدول الأعمال هذا.


وإذا كان للقمة مثل هذه القدرات فلماذا لم تنجز هذه المواضيع في القمم السابقة التي تعقد كل عام، وهي جميعها مزمنة، وأي جديد فيها هو مجرد تراكم على قديم، حتى غدا كل موضوع من جدول أعمالها يشكل أكداساً من الورق (ورق ورق حتى الغرق) فقد نقلت الأمانة العامة للجامعة من القاهرة إلى سرت طناً واحداً من الورق لزوم جدول أعمال القمة.


لا أعرف لماذا لم يتواضع الذين أعدوا جدول أعمال القمة ولم يقترحوا جدولاً يتناسب مع ظروف القمة وقدراتها آخذين بعين الاعتبار عدم الانسجام الكامل بين أعضائها.


وترقب كل منهم تحركات الآخر، وسعيهم جميعاً إلى القرارات التوافقية، وهذه ستكون بالضرورة وحسب طبيعة الأشياء مقررات عامة غامضة فخمة الأسلوب كثيفة الأفكار تبتعد جزئياً أو كلياً عن إمكانية التطبيق، وبالنتيجة لا تعني شيئاً جدياً قابلاً لأن يكون محسوساً ملموساً مفيداً للقضايا العربية.


إن اليومين المخصصين للقمة لا يكفيان لعقد المصالحات بين المشتركين الذين فاقت خلافاتهم خلافات بكر وتغلب، فإن تحققت هذه المصالحات تكون قد استهلكت مدة اليومين المخصصين للقمة أو كادت، ولن يبقى لجدول الأعمال حينها وقت لدراسته، وسيرحّل للقمة المقبلة كما هي العادة، وإن لم تتحقق المصالحات فلن يتفق المتخاصمون عندها على أي قرار يناسب مواد جدول الأعمال.


ومعظمها قرارات استراتيجية تحتاج لمواقف استراتيجية وسياسات جادة، وتضحيات ونوايا حسنة وإرادة ورغبة، وتغليب العام على الخاص، والقومي على القطري، ولعل هذه الشروط صعبة التحقيق في الظروف العربية الراهنة، وفي حال الأمة العربية الذي لا يرضي صديقاً ولا يخيف عدواً ويعرفه أهل القمة كما تعرفه شعوبهم بتفاصيله.


لم يساعد الرئيس أوباما مؤتمر القمة العربية، فتراجعت إدارته عن الآمال التي كانت معقودة عليه وعلى وعوده السابقة، فقبل مشاريع الاستيطان بعد رفضها، واستساغ الاحتيال اللفظي على قرارات الاستيطان التي اتخذها نتانياهو.


ولم يحترم وعوده للعرب القاضية بأنهم إذا قبلوا المفاوضات غير المباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين فسيكون (سبع البرمبة) ويجبر حكومة نتانياهو على قبول الاستيطان، ولذلك أجاز العرب للسلطة الفلسطينية الدخول في هذه المفاوضات بدون أي ضمان أو شرط.


ولكنهم فوجئوا بتراجع الإدارة الأمريكية عن مواقفها ووعودها بل وبمسارعتها لدعوة نتانياهو لزيارة البيت الأبيض، وتأكيد الالتزام بأمن إسرائيل والتحالف الاستراتيجي معها، ولعل هذا كله ما سيعقّد أعمال القمة ويحرج المشاركين فيها، ويحرضهم على اتخاذ قرارات ربما تحرج الرئيس أوباما وإدارته، مع ضعف مثل هذا الاحتمال.


في الوقت نفسه، زاد نتانياهو وعصابته أعمال القمة تعقيداً بتأكيده الاستمرار في الهدم والاستيطان بالقدس القديمة، وتوسيع الاستيطان في الضفة الغربية.


وتحدي الإدارة الأمريكية ورئيسها ونائب رئيسها ووزيرة الخارجية الأمريكية، والمبعوث ميتشيل، بصراحة ومباشرة وأساليب (زعرنة) تخجل منها عصابات المافيا، وترك الخوف من غضب الإدارة الأمريكية أو الخشية منها لنا نحن العرب، ربما لأنه على يقين بأننا نخجل من أعمال (الزعرنة).


ونهادن من يعادينا، وليس لدينا ـ بظروفنا الحالية ـ الوسيلة ولا الحيلة لعمل أي شيء، مع أننا نملك ما يكفي لحفظ ماء الوجه ووقف التمادي بإنكار حقوقنا والاستيلاء على أرضنا وانتهاك مقدساتنا.


لا شك بصعوبة ما يلاقيه أهل القمة، سواء منها خلافاتهم و(حروبهم الصغيرة) أم عبء المسائل المطلوب منهم حلها، ولهذا ربما سيخرجون من هذه المعضلات ببعض المصالحات وبتدوير القضايا لمؤتمرات قادمة.

* نقلا عن "البيان" الإماراتية