رؤية أوباما لإصلاح النظام المالي العالمي
الاثنين, 22-مارس-2010
الميثاق إنفو - منذ توليه منصبه في يناير 2009، أعلن الرئيس الأمريكي باراك أوباما بأن تعامله مع النظام العالمي سيكون قائمًا على إقامة علاقات مع القوى الناشئة والصاعدة، وإدارة المشاكل العابرة للحدود الوطنية، وإصلاح منظومة النظام العالمي، والعمل على تعزيز الأمن العالمي والإقليمي. وهذه الرؤية لن تتحقق إلا إذا اضطلعت القوى العالمية بمسئوليتها نحو تعزيز وتبني سياسية الإصلاح الشاملة على الصعيد العالمي .

وهذا ما توضحه دراسة نشرتها مؤسسة ستانلي تحت عنوان" Global Reform : An American View of US Leadership " للكاتب ستيوارت باتريك Stewart Patrick وهو مدير سابق للمؤسسات الدولية والعالمية في برنامج مجلس العلاقات الخارجية وزميل مركز أبحاث التنمية العالمية- يذكر فيها عدد من المحاور والرؤى التي تقوم عليها رؤية إدارة الرئيس باراك أوباما للتعامل مع منظومة النظام العالمي وكيفية إصلاحه وكانت كالتالي:

أولاً: العودة إلى التعديدية

لقد اتخذ أوباما سلسلة من الخطوات الرمزية لعودة الولايات المتحدة إلى التعاطي مع النظام العالمي، حيث سعت إدارة أوباما إلى تكريس سيادة القانون على الصعيد الدولي، وإعلانها غلق السجون السرية والتعهد بإغلاق معتقل جوانتامو في كوبا ،وانتخاب الولايات المتحدة في مجلس حقوق الإنسان، وتصميمها على العمل نحو حل مشكلة التغير المناخي وذلك في قمة أل20، واقتراحها إدخال تحسينات على نظام منع الانتشار النووي، واقتراح إدارة أوباما إدخال تحسينات على نظام منع الانتشار النووي، واعتزامها التصديق على اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، وغيرها من المعاهدات.

وفي الوقت ذاته أعلن أوباما- في سبتمبر 2009 في اجتماع الأمم المتحدة- عن حاجة البلدان لتقاسم الأعباء العالمية، حيث لا يمكن للولايات المتحدة أن تكون بمفردها على الساحة العالمية، وأن تكون لديها هي فقط القدرة على حل المشاكل العالمية، وأوضح أن هذا هو الوقت المناسب لكي تشارك دول العالم في تحمل المسئولية بنية حسنة نحو الأخذ والعطاء. وأن الأمن العالمي مترابط، وأن المنافسة بين القوى الكبرى على نحو متزايد يجب أن يتم الاستعاضة عنها بمواجهة التهديدات العالمية بدءًا من التغير المناخي وانتشار أسلحة الدمار الشامل التي تهدد الأمن والرفاهية والازدهار لجميع الأمم.

ومن المؤكد بأن إدارة العلاقات بين القوى العظمى وتعزيز الاستقرار الإقليمي سيظل من المخاوف التي ستواجهها الإدارة الأمريكية، وبصفة خاصة في منطقة شرق آسيا حيث العلاقات بين تلك الدول تقوم على هاجس التخوف من القوى الصينية الصاعدة، لكن اعتقاد إدارة أوباما بأن الحوافز العالمية ورغبة مراكز السلطة الأساسية في العالم في سلمية النظام العالمي ستحدو دون وقوع أزمات أمنية عالمية.

الاعتماد على المؤسسات الدولية وإصلاح الأمم المتحدة

تعهد أوباما عندما كان مرشحًا للانتخابات الأمريكية في رغبته نحو إعادة بناء التحالفات والشراكات والمؤسسات اللازمة لمواجهة التهديدات وتعزيز المصالح المشتركة، حيث تعمل الولايات المتحدة بشكل جماعي مع الحكومات الأخرى نحو إصلاح المؤسسات والقطاع الخاص والمنظمات غير الحكومية والجهات الفاعلة في المجتمع المدني للتصدي للتهديدات العالمية، والدعامة الأساسية لذلك هي دمج القوى الصاعدة مثل الصين، الهند والبرازيل في المؤسسات العالمية.

وقد أعلن نائب وزيرة الخارجية "جيمس شتاينبيرغ" بأن تأقلم الولايات المتحدة مع صعود الصين، الهند والبرازيل لن يؤثر على المصالح الوطنية للولايات المتحدة طالما أن هذه الدول ستأخذ مكانها الصحيح على الساحة العالمية، وعلى الصين أن تظهر التزامها نحو احترام المؤسسات الدولية والمجتمع المدني لطمأنة جيرانها وبقية دول العالم، ودعوة الصين لكي تصبح شريكًا مسئولاً، حيث دعت "كلينتون" إلى حوار استراتيجي مع القوى الناشئة العالمية بما في ذلك الصين والهند والبرازيل وتركيا وإندونيسيا وجنوب إفريقيا، لتضطلع فيه هذه الدول حتى تصير جزءًا من الرؤية الأمريكية نحو " عالم متعدد الشركاء" .

تعترف إدارة الرئيس الأمريكي أوباما بأن منظمة الأمم المتحدة معيبة للغاية، لكن لا غنى عنها حيث تقدم أداة للشرعية الدولية، وترى أيضًا بأن مجلس الأمن، الأداة التنفيذية للأمم المتحدة، لا يعكس حاليًّا واقع القوي المعاصرة، وبأن توسيع مقاعد مجلس الأمن قد تزيد من جموده بدلاً من تحسين قدراته على مواجهة التهديدات التي يتعرض لها السلام والأمن العالمي .

وتطمح عديد من القوى الفاعلة في الحصول على مقعد دائم في مجلس الأمن مثل : ألمانيا، اليابان، البرازيل والهند، وهذا من شأنه أن يضمن للولايات المتحدة صوتين( ألمانيا، اليابان)، وهذا التوسع من شأنه أيضًا أن يكون متماشيًا مع الغرض الأساسي لمجلس الأمن وذلك بوصفه هيئة متميزة تمثل القوى العظمى في النظام العالمي .

إصلاح المنظومة المالية العالمية

إن ضخامة الأزمة الاقتصادية العالمية قد كشفت عن أوجه القصور في قدرة المؤسسات المالية العالمية وخاصة صندوق النقد الدولي "IMF" لضمان الاستقرار المالي العالمي، ففي أعقاب هذه الأزمة اتضح بأن صندوق النقد الدولي في حاجه إلى ولاية أوسع نطاقًا وأكثر في القوة والموارد في إدارة الهيكل الإداري الجديد الذي سيعكس التحولات الأخيرة في قوة الاقتصاديات العالمية، وترى إدارة أوباما بأن تعديل حصص تصويت الدول الأعضاء سيكون ضمن حدود توسيع مهمة الصندوق، التي كانت تنحصر في مساعدة اقتصاديات الدول التي تعاني من مشكلات في ميزانية مدفوعاتها، فضلاً عن توفير المساعدة التقنية للاقتصاديات الكلية، ومع ذلك فإن دوره كان هامشيًّا في الاقتصاد العالمي بسبب موارده المتواضعة نسبيًّا، وسياسيته المشروطة مما يصعب على عديدٍ من البلدان النامية الحصول على خدماته.

وقد كشفت الأزمة المالية العالمية بأن على الصندوق أن يعمل على مراقبة المخاطر التي تواجه النظام المالي العالمي، ورصد السياسيات الاقتصادية في كل من البلدان النامية والمتقدمة، وكانت قد طلبت مجموعة الــ20 من صندوق النقد الدولي دراسة ما إذا كانت لديه القدرة في تقديم مزيدٍ من الخدمات المصرفية لضمان حسن تشغيل اقتصاديات الدول النامية، و كانت قد وافقت من حيث المبدأ على تمويل الصندوق بمبلغ وقدره 750 مليار دولار، وأن صندوق النقد الدولي قد يصبح مستودعًا لاحتياطيات العالم، وكانت أيضًا قد طلبت المجموعة بتعجيل استعراض حصص الصندوق من 2011 وحتى 2013، وإجراء إصلاحات متواضعة على المقاعد وأسهم الصندوق والمجلس التنفيذي زيادة في الأسهم الصغيرة التي تسيطر عليها حاليًا البرازيل والهند والمكسيك وسنغافورة وكوريا الجنوبية وتركيا.

المعوقات تحقيق الحكم الصالح العالمي

هناك عدة أسباب تدعو إلى التشاؤم في قدرة الولايات المتحدة في أن تقوم بدورها لتحقيق الحكم الصالح العالمي مثل: افتقارها إلى النفوذ الأيديولوجي التي كانت تتمتع بها في الأربعينيات، كذلك فإن عملية دمج القوى الصاعدة يجب أن يقوم على أساس من القواعد المشتركة ومن المرجح أن يكون أصعب بكثير من مفهوم " المسئولية المشتركة"، كذلك فإن القيم والرؤى الاقتصادية للقوى الصاعدة تختلف عن رؤية الولايات المتحدة، أيضًا فإن الحكم القائم على التعاون بين الدول على أساس من مبادئ المساواة في المعاملة وضبط النفس هو بطبيعة الحال أكثر جاذبية بالنسبة للبلدان الصغيرة ذلك لأنها تقيد القوى العظمى، كذلك فإن الثقافة السياسية الأمريكية القائمة على تفرد الولايات المتحدة في العالم" الاستثناء الأمريكي"، حيث كانت محكًّا للسياسية الخارجية الأمريكية لأكثر من قرنين.

وفي ضوء هذه المعوقات فإن الرئيس أوباما ومستشاريه قد قرروا عدم وضع البيض في سلة واحدة، فهم يسعون إلى معالجة القضايا الأمنية والاقتصادية والسياسية الأكثر حساسية بالتعاون مع اللاعبين الرئيسين في منظومة النظام العالمي والاضطلاع بدور متنامٍ في تنمية وتغذية وإدامة نظام دولي مستقر ومفتوح. 



نقلاً
تقرير واشنطن ـ كريمة منصور