الدول العربية: الفساد والإصلاح
الثلاثاء, 26-أغسطس-2008
سفيان العيسة -

هل الإصلاحات الاقتصادية والسياسية طريقة فعالة لمحاربة الفساد، أمّ أنّ إدخال تغييرات مثل خصخصة مؤسّسات الدولة يزيد من فرص انتشار الفساد؟ ليس هناك جواب واحد عن هذا السؤال لكنّ نظرة عن كثب إلى أنواع الفساد المستشرية في العديد من الدول العربية وطبيعة السياسات الإصلاحية الحالية يمكن أن تظهر كيف يتداخل الإصلاح مع الفساد.
هناك ثلاثة أنواع أساسية من الفساد في العالم العربي. النوع الأوّل هو الفساد المحدود النطاق على غرار شرطي في بلد مثل سوريا يتقاضى رشوة للإعفاء عن مخالفة سير. والنوع الثاني هو الفساد الواسع النطاق الذي يضرب اقتصاديات بلدان عدّة في المنطقة لا سيّما في الخليج. يحصل هذا النوع من الفساد أثناء التفاوض على عقود بملايين الدولارات بين مسئولين في الدولة وشركات لعقد صفقات تجارية. مثال عن ذلك الصفقات التي عقدتها شركة الأسلحة الأكبر والأكثر نفوذاً في بريطانيا "بي أي إي سيستمز بي إل سي" مع السعودية. وقد فُتِح تحقيق في فساد الشركة على خلفية مزاعم عن امتلاكها صندوق للرُشى يحتوي على 110 ملايين دولار استعملته لرشوة مسئولين سعوديين مقابل صفقات تجارية مربحة جداً كجزء من اتّفاقات اليمامة لبيع الأسلحة في الثمانينات. وقد تدخّل رئيس الوزراء البريطاني طوني بلير بنفسه لوقف التحقيق بحجّة حماية المصلحة الوطنية البريطانية – وفي هذا مثال للقوى الغربية لما تعزّز الفساد في العالم العربي.
النوع الثالث هو الفساد السياسي الذي يصعب وضع الإصبع عليه، لكنّه يضرّ بالعافية الاقتصادية لمعظم البلدان العربية. الفساد السياسي هو استخدام صفقات ومكاسب اقتصادية لمكافأة الحلفاء السياسيين، ما يؤدّي حتماً إلى هدر كمّ هائل من الموارد العامّة في أنشطة غير منتجة. ويقود أيضاً إلى مقاومة النخبة لبرامج الإصلاح السياسي والاقتصادي التي من شأنها أن تنظّم مجال الأعمال عبر تطبيق القوانين بالتساوي على الجميع.
تختلف أسباب الفساد من بلد عربي إلى آخر لكنّها غالباً ما تكون مرتبطة بطريقة أو بأخرى بتدخّل الدولة وهيكلية الاقتصاديات والقطاعات العامّة. في بلدان الخليج، السبب وراء الجزء الأكبر من الفساد هو غياب الشفافية وإجراءات ضمان المنافسة في صفقات الحكومة ومشترياتها. مشكلة أخرى، موجودة في العراق مثلاً، هي عدم وجود آليّة قويّة لتطبيق قوانين محلّية لمكافحة الفساد، ما يسمح لمسئولين كبار فاسدين بالإفلات من العقاب الحقيقي. وأبرز مثال عن هذا الإخفاق هو البحرين التي تملك قوانين نافعة لمكافحة الفساد لكنّ تطبيق الدولة لها ضعيف.
في المشرق وشمال أفريقيا، الرشوة الواسعة النطاق والاختلاس والاحتيال مترابطة بهيكلية القطاع العام وطبيعة العلاقات بين الحكومة والاقتصاد. قضية بنك الخليفة، أكبر تحقيق عن الفساد في تاريخ الجزائر، والمتعلّقة بنحو مليارَي دولار، خير مثال عن الفساد في مؤسّسات الدولة. ومن الأسباب الأخرى للفساد في سوريا والأردن ومصر ولبنان غياب المعايير الصحيحة للحكم الجيّد، والأجور المنخفضة التي يتقاضاها الموظّفون الحكوميون، وعدم تطبيق إصلاحات مؤسّسية جوهرية في السلطتين التشريعية والتنفيذية.
في نهاية المطاف، طبيعة الجهود الإصلاحية هي التي تحدّد إذا كانت هذه الجهود ستكبح الفساد أم تسهّله. حتّى الآن، اختارت حكومات عدّة برامج غير مثيرة للجدل تهدف إلى تعزيز استقرار النظام وليس إلى تغيير الاقتصاديات أو السياسات. مع هذه البرامج الإصلاحية المحدودة، لا يمكن توقّع انحسار كبير في الفساد؛ على العكس قد يزيد الفساد ويحدّ من فاعلية الإصلاحات. تتطلّب مكافحة الفساد تغييراً حقيقياً في توزيع السلطة المؤسّسية وتنظيمها لمنع الأشخاص الذين يستفيدون من التدابير الاقتصادية والسياسية الحالية من استخدام سلطتهم السياسية لكسب امتيازات على حساب المصلحة العامة. حتّى الآن، لا مؤشّرات على أنّ الحكومات العربية مستعدّة للذهاب إلى هذا الحدّ.