يوم المرأة.. مائة وردة ومائة عام
الثلاثاء, 09-مارس-2010
عبدالجليل النعيمي - اليوم سيفوح على العالم عطر باقات الورود التي يجب أن تقدم إلى كل امرأة على وجه البسيطة، حيث يحتفل العالم في 8 مارس من كل عام بيوم المرأة العالمي. إذا كنت واحدا من مئات ملايين الرجال الذين سيهنئون النصف الآخر، فزيّن باقتك بزهرة الأكاسيا (الميموزا) أكثر من غيرها، إذ هي تعتبر الرمز شبه الرسمي لعيد المرأة.

وعليك أيضا أن تتذكر أن هذا اليوم بالذات، الاثنين 8 مارس 2010، يصادف الذكرى السنوية المائة على يوم 8 مارس 1910، حيث بدأ التقليد بالاحتفاء به على مستوى عالمي.

وقبل أن نعود لهذا التاريخ لنذهب إلى أبعد منه، فإن وجود يوم يهنئون فيه النساء بشكل خاص، ويحاولون إسعادهن بكل الطرق، ليس فقط من بنات أفكار القرن الماضي.

وُجد مثل هذا التقليد حتى في زمن روما القديمة، لكن أي يوم بالتحديد، هذا ما ظل يصعب على المؤرخين تحديده. أما كيف استقر العالم فيما بعد على يوم 8 مارس، فالشكر على ذلك موصول للاشتراكية الألمانية وعضو الأممية الثانية كلارا تسيتكين.

التي أطلقت في العام 1889 شعارها العتيد «يا نساء العالم اتحدن». وبعدها بثماني سنوات تشكلت بمبادرتها في مدينة شتوتغارت، الحركة النسوية العالمية «مساواة».

ثم تقدمت كلارا إلى المؤتمر النسوي الاشتراكي العالمي الذي انعقد في العاصمة الدانمركية كوبنهاغن، باقتراح أن يُحتفل بالثامن من مارس من كل عام، تحت الاسم الذي أعطاه إياه المؤتمر آنذاك؛ «اليوم العالمي لتضامن النساء الكادحات في العالم، في النضال من أجل المساواة مع الرجال».


وجاء هذا الاختيار إحياء لذكرى 8 مارس 1857، الذي قامت فيه عدة مئات من النساء الشغيلات في معامل النسيج والأحذية في نيويورك، بحركة احتجاجية ومظاهرات نسائية خالصة لأول مرة. وقد طالبن بتحديد يوم العمل بعشر ساعات فقط، وبتحسين ظروف العمل ومساواة المرأة بأخيها الرجل في الأجر.

وقد فرقت الشرطة المتظاهرات، لكنهن عدن فاتحدن في نقابة شكلنها. ثم اكتسبت الحركة النسائية العالمية أشكالا نضالية سياسية أرقى. ومنذ عام 1911 أصبحت تعقد في 8 مارس لقاءات عالمية سنوية، من أجل إلغاء عدم المساواة الجندرية.

لقد ألهم انتصار ثورة أكتوبر الاشتراكية في روسيا عام 1917، نساء العالم للتحرك من أجل نيل مساواتهن بالرجل سياسيا.

وفي العام التالي فقط، أحرزت نضالات المرأة العالمية نصرا بانتزاع حق جميع النساء في التصويت والانتخاب في ألمانيا، النمسا، المجر، تشيكوسلوفاكيا، بعد أن كان هذا الحق حكرا على نخب فقط من النساء الغنيات في بعض بلدان أوروبا. أما الحركة النسائية الأميركية التي كانت أول من رفع هذه المطالب، فلم تحققها إلا بعد سنتين، في العام 1920.

لم تصل «عدوى» حقوق المرأة السياسية إلى عالمنا العربي إلا بعد قرابة ثلاثة عقود، حيث نالت المرأة في سوريا حق الانتخاب مشروطا بحصولها على التعليم الابتدائي. أما في الخليج، ورغم المطالبات المبكرة منذ مناداة السيدة بدرية خلفان إبان انتفاضة الخمسينات في البحرين.

فلم يبدأ حصول المرأة على حق أن تكون ناخبة ومنتخبة كما الرجل، إلا في عقد السنوات الواقع على تخوم الألفيتين السابقة والحالية (عمان وقطر جزئيا، البحرين ثم الإمارات والكويت).

غير أن المفارقة هي أن مثل هذا التطور في الأنظمة السياسية، لم يحدث عندما كانت القوى الديمقراطية والأفكار التقدمية أكثر تشربا في المجتمع، بل جاء متزامنا ومتعاكسا مع تحولات فكرية، تميزت بتوسع نفوذ القوى السياسية الطائفية غير المناصرة لحقوق المرأة من جهة، والمنشغلة بالانقسام والتقاسم الطائفي بين ذكورها أساسا.

في مثل هذه الظروف وُظف حق النساء في الانتخاب بنشاط ضد النساء أنفسهن، واللاتي عبئن للتصويت للمرشحين الرجال في انتخابات 2002 و2006 في البحرين، وانتخابات 2006 في الكويت.

وقد أدى الانقسام الطائفي في مجلس النواب البحريني في دورته الحالية، إلى إقرار قانون مزدوج للأحوال الشخصية، ما أحدث تمييزا في وضع المرأة على أساس طائفي.

أما في مجلس الشورى، حيث وصل عدد من النساء عن طريق التعيين، فقد بينت مناقشات قانون العمل في ما يتعلق بالمرأة، أن غالبية الشوريات في هذا الجانب تحديدا أكثر انحيازا لمصالح رأس المال منها إلى المرأة العاملة.

وتبدو القوى السياسية الطائفية الطاغية على الخارطة السياسية، غير مؤهلة في الانتخابات البحرينية القادمة لإفساح المجال للمرأة بين صفوفها، إلا ربما برمزية محدودة لرفع العتب، وليس إيمانا بدور المرأة.

أما القوى الديمقراطية فلأسباب موضوعية وذاتية، قد لا تكون قادرة على إيصال المرأة بوزن يذكر. وبين هذا وذاك يبقى الحل في أن تأخذ المرأة والمنظمات النسائية التي تمثلها قضيتها بنفسها، باستنفار قواها لدعم ترشيح وانتخاب المرأة التي تستحق، لتصل إلى المجلس النيابي والمجالس البلدية.

ولو عدنا إلى أصل الثامن من مارس، كيوم مطالبة المرأة بمساواتها مع أخيها الرجل في الأجر منذ عام 1857، فإن تقرير التنمية البشرية لعام 2006 يبين بوضوح أن هذه المشكلة لا تزال حاضرة بكل قوتها في البحرين. لقد شكل إجمالي دخل النساء أقل من ثلثه لدى الرجال، حسب التقرير.

وإذا أردتم أن تلمسوا هذا التفاوت الصارخ فاسألوا، مثلا، مربيات الأجيال القادمة في رياض الأطفال. فأكثرهن يتقاضين ما يقل عن الحد الأدنى للمعاش التقاعدي، وأقل من الحد الأدنى للمعيشة.

وهكذا فإن أمام الحركة النسائية والقوى الديمقراطية والتقدمية، ليس الاحتفاء باليوبيل المؤوي لعيد المرأة العالمي فقط، بل والتكاتف معا من أجل مواجهة التحديات التي تعترض تحرر المرأة وتقدمها، فبدونها لا حرية ولا تقدم للمجتمع كله.

نقلا عن "البيان" الإماراتية