أبعاد التضامن العربي في نهج الرئيس
الأربعاء, 27-أغسطس-2008
أحمد محمد الشرعبي -

كانت الظروف صعبة في يوليو 78 والفشل لا يرحم أحداً والأنفاس الأخيرة تترصد كل من فكر في اعتلاء كرسي الرئاسة، وسيكون من الطبيعي، أن يصير صاحب الكرسي في شغل شاغل عن الهموم العربية التي كانت تتلاحق حيناً بعد آخر. ولن يكون عيباً وقتها إذا ما فضل أيما رئيس أن يتفرغ للجبهة الداخلية قبل أن ينظر إلى أعداء الأمة العربية في الخارج.
لكن الأمور كانت تختلف عند المقدم علي عبدالله صالح، الذي مجرد أن تسلم ترشيح مجلس الشعب وأقسم اليمين اتجه إلى التوازن في حدود التعامل مع الداخل والخارج، ومن وقتها كانت المساهمات اليمنية عند هموم وأحزان العرب تأخذ مؤشراً متصاعداً وتضع علامة فارقة تحسب له. إذ كانت القضايا العربية تأخذ جانباً محورياً في نظرته للعالم الخارجي المحيط باليمن، ولطالما أكدت مواقفه ومبادراته - وقتها وإثرها- الحرص على وحدة الصف وبقاء عنصر التضامن بين الزعامات العربية التي يتوجب عليها أن تمثل شعوبها العربية ضمن نسيج واحد تتجلى فيه بوضوح وحدة الأعراق والدماء واللغة والديانة، خصوصاً أن الرئيس مدرك لضرورة الدور الذي يتحتم على اليمن تمثله، طالما يمثل جذور العربية الأولى والأصل الأكبر للقبائل العربية، والحصن الأخير والحصين للمنطق الإستراتيجي العربي الواحد.
وتمثل الرئيس تلك المضامين المشتركة منذ أيامه الأول في الرئاسة، وفي حديث له مع مجلة النهضة العمانية أكد بأن التضامن العربي لا يعني المظاهر الدبلوماسية بل يتعداه إلى تعاونات وثيقة في شتى المجالات الاقتصادية والإعلامية والعسكرية وصولاً إلى إقامة تكتلات وحدوية عربية تبدأ باستثمارات اقتصادية تمهد لقوة اقتصادية موحدة تكون خطوة فضلى نحو وحدة عربية منشودة(1).
ولا تزال عالقة بالأذهان التزامات اليمن الفعلية باتفاقية الدفاع العربي المشترك، عندما أصدر قراره العربي الأول بعد خمس سنوات من حكمه أرسل قوات من المتطوعين والقوات النظامية للدفاع عن لبنان وفلسطين، وكذا فتح معسكرات يمنية للضباط والجنود الفلسطينيين الذين أخرجوا من لبنان، واعتبرهم في الحقوق مثل الضباط والجنود اليمنيين، وشهد على ذلك الراحل ياسر عرفات بأن وحدات من الجيش اليمني كانت المدافعة الوحيدة عن أبناء الشعبين اللبناني والفلسطيني عام 1982م(2)، واعتبر الرئيس لمجلة النهضة الكويتية أن إرساله لوحدات يمنية مقاتلة إلى العراق بعد رفض إيران لجهود السلام المتعددة لوقف الحرب بينها والعراق.
خصوصاً عندما يكون التغلب الإيراني على حساب العراق وعروبته، وعندما يفتقر العرب إلى مقومات الحماية التي تعني بطبيعة الحال سقوط وتهاوي يتجاوز مدلول الأمن القومي إلى مدلول الهوية العربية.
لأجل تلك الحسابات رفض الرئيس صالح ومنذ وقت باكر – خلال السنوات الأولى للحرب العراقية الإيرانية– استقبال موانئ اليمن لأي قطعة بحرية أجنبية ستعتبر بدايات أكيدة لمسلسل تهاوي منظومة الأمن القومي العربي، الذي يعني التالي:
أولاً: دخول الدول العربية في لعبة القوى العظمى، واعتبار دعاوى أمن المجتمع الدولي ومصالحه الاقتصادية سبيلاً للانتهاء من المصلحة العربية ومقتضياتها الاقتصادية بحيث تكون خاضعة لأجندات الاستلاب العالمي.
ثانياً: معروفة الأثمان الاقتصادية التي دفعها اليمن عندما رفضت الخنوع للضغوط الأميركية بعد حشدها للمجهود عسكري هائل يبغي الانتهاء من العراق بدءاً بسحقه عسكرياً عام 1991، وثبت للجميع لاحقاً صواب النظرة اليمنية التي كانت ترى ضرورة حل الأزمات العربية داخلياً.
ثالثاً: دخول القوات الأجنبية إلى الخليج جعل الدول العربية وخصوصاً الخليجية منكشفة عسكرياً أمام أطراف خارجية لا زالت تنظر إلى خليج الدول العربية بالخليج الفارسي.
وانتقالاً من مواقف الرئيس المناقضة للمهددات الأجنبية، إلى مبادراته التي تركز على إبقاء التضامن العربي باقياً ولو في أدنى صوره الشكلية، عندما نلاحظ التالي:
أولاً: عندما جرى إغفال صنعاء من مجلس التعاون لدول الخليج العربية في العام 1981م بدواعي أوضاع اليمن الداخلية بدءاً بمواجهات الدولة مع الجبهة الوطنية في المناطق الوسطى والتي كانت مدعومة من النظام الاشتراكي في عدن، كان الرئيس صالح يجري الزيارات المكثفة للدول الخليجية ويحرص على تطور مسارات العلاقات معها، الأمر الذي يحمل مدلولاً واحداً هو رد الإساءة بالإحسان، وبأن الجوار العربي إذا أدار لك ظهره فلا يعني ذلك أن تقلب وجهك في السماء باحثاً عن وجهة مغايرة.
ثانياً: يرفض الرئيس صالح دخول اليمن في تكتلات عربية ضد تكتلات عربية أخرى، إذ رفض الدخول في جبهة الصمود والتصدي المكونة حينذاك من ليبيا وجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية وأثيوبيا باعتبار أنظمتها امتداد للمعسكر الاشتراكي.
ثالثاً: وقعت قيادة اليمن اتفاقية إنشاء مجلس للتعاون العربي يضم كلاً من مصر والعراق واليمن والأردن في فبراير 1989، عندما كان المجلس يأتي في إطار المادة التاسعة من ميثاق الجامعة العربية التي تبيح قيام تعاون أوثق وروابط أقوى وعقد اتفاقيات تحقق أغراض ميثاق الجامعة ومقاصده، وخاصة أن اتفاقية إنشاء المجلس جعلت العضوية مفتوحة أمام بقية الدول العربية، بعد موافقة الأربعة المؤسسين(3)..
رابعاً- مبادأة الرئيس صالح بالدعوة لدورية انعقاد القمم العربية في العام 2000 بدلاً عن الاقتصار على القمم التي تفرضها الظروف الاستثنائية فقط، وتكللت الدعوة بالنجاح حينما انعقدت أول القمم العربية الدورية بعمان في مارس 2001. فلعل تلك الاجتماعات المتكررة تدفع بالقادرة العرب إلى تجاوز حدود الدبلوماسية، إذ بات ضرورياً وملحاً أن يكون للجامعة العربية دور يتناسب والمنعطفات الحرجة التي يمر بها العالم العربي، لذا عبر الرئيس صراحة في الجامعة العربية عن ضرورة تعديل ميثاق الجامعة العربية.
وعطفاً على ذلك، دعا قرار القمة العربية بمدينة شرم الشيخ في مارس 2003م الدول العربية لتقديم اقتراحات وتصورات لتطوير وتحديث منظومة العمل العربي المشترك، فكان أن قدمت اليمن مبادرتها في أواخر أغسطس 2003.
خامساً: حرص الرئيس على وحدة الصف، باعتباره أساساً على فاعلية التضامن العربي، لذا بذل جهوداً للوساطة بين عديد من الدول العربية، كالوساطة بين العراق والشطر الجنوبي والسعودية وليبيا في العام 1982، والوساطة بين العراق وسوريا في العام 1987، بعد مؤتمر الوفاق والاتفاق للقمة العربية غير العادية بالأردن 1987 حيث دعت القمة للقطيعة العربية مع مصر وتبعاً لذلك بذلت اليمن جهود وساطة بين مصر وكلاً من سورياً وليبيا والجزائر والسودان، وأخيراً وليس آخراً الوساطة بين المغرب والجزائر في العام 1999م.
وعلى صعيد آخر لطالما كان الرئيس محاولات لدرء الفرقة والتناحر بين أبناء الوطن الواحد، فعند نشوب الاقتتال بين اللبنانيين في الثمانينات عند التقاءه بالقيادات اللبنانية بأن الحرص على وحدة لبنان واستقراره وبأن القوات الأجنبية ستزيد من تفاقم الأزمة اللبنانية(4)، وهي ذاتها الدعوات التي كررها عند عودة الاختلافات من جديد في لبنان ووصول المختلفين إلى حافة حرب أهلية جديدة.
وأخيراً وليس آخراً، المبادرة اليمنية الثانية لإنقاذ الوضع في فلسطين بعد وصول كلاً من فتح وحماس إلى تناحر، أراح المحتل الإسرائيلي الذي عجز عن كبح جماح مشاريع المقاومة الفلسطينية.
على كلٍ المثل القائل "أكلت حينما أكل الثور الأبيض" يوجز ويوضح المنطوق الذي حرص عليه الرئيس علي عبدالله صالح في تعامله وتعاطيه مع الدول العربية سواءً بحرصه المتنامي على الترفع على الصغائر حينما يُغَلِّب بقاء المصلحة المشتركة وتطور العلاقات الثنائية على الافتراق والعداء، وأفضل مثال على ذلك اتفاقيات اليمن الحدودية مع كلاً من السعودية وعمان.
وأما على صعيد التكتلات الإقليمية فيعتبرها الرئيس علي عبدالله صالح حراكاً نحو الوحدة العربية المنشودة، لذا لطالما اعتبر أن اليمن وبقية الدول في الجزيرة العربية إخوان عز يذود كل عن حما جاره بالتالي أعتبر أن انضمام اليمن مجلس التعاون الخليجي أمر لا بد منه كون الجميع على سفينة واحدة في البحيرة العربية.

مراجع:
1- حديث الرئيس مع مجلة النهضة العمانية، أكتوبر 79م، كتاب خطابات وأحاديث رئيس الجمهورية- وزارة الإعلام والثقافة، ص89.
2- السفير د. علي عبدالقوي الغفاري، موقع صحيفة 26 سبتمبر، سياسة اليمن الخارجية في عهد الرئيس علي عبدالله صالح » 1978-2007م.
3- مجلس التعاون العربي.. الأهداف والهيكل التنظيمي، قسم البحوث والدراسات، الجزيرة نت.
4- صحيفة المجالس، 15/10/1988م- مجلد خطابات وأحاديث الرئيس- المجلد التاسع(198)، ص40