الاستقرار والتنمية
الخميس, 04-مارس-2010
كلمة صحيفة 14 اكتوبر - ع أننا لا نشك مطلقاً في أن خيار السلام هو ثابت أصيل في توجهات الدولة ونهجها واستراتيجيتها وكذا قناعتها بأن الاستقرار هو رديف التنمية وأنه لا تنمية دون أمن واحترام الدستور والنظام والقانون، إلاَّ أن ما ينبغي أن يكون واضحاً ومعلوماً لدى الجميع أن تمسك الدولة بخيار السلام لا يعني أنها قد تتهاون أمام أية ممارسات أو محاولات للعبث بأمن واستقرار الوطن أو الإضرار بالسلم الاجتماعي وإقلاق السكينة العامة، أو أنها قد تتغاضى عن انتهاك الأنظمة والقوانين وتجاوز الثوابت الوطنية، من قبل أحد أياًّ كان.. باعتبار أن أي تهاون في هذا الجانب يمثل إخلالاً بواجبات ومسؤوليات الدولة نحو شعبها الذي منح مؤسساتها الثقة لإدارة شؤونه وصيانة أمنه وحماية مصالحه العليا.
وإذا ما كان الأمن والاستقرار يشكلان مفتاح التنمية والنهوض الاقتصادي، فإن الارتقاء بالمستوى المعيشي للمواطنين والتغلب على معضلة الفقر والبطالة وإيجاد المعالجات والحلول لهذه المعضلة الناتجة عن محدودية الموارد لا يمكن بلوغ أهدافها دون إحلال ثقافة السلام والابتعاد عن الممارسات الخاطئة والأفعال التي تعيق مسارات التطور والتقدم.
وتغدو مثل هذه الثقافة أكثر من ضرورية ونحن مقدمون على تنفيذ الأولويات العشر التي وجه فخامة الأخ الرئيس علي عبدالله صالح رئىس الجمهورية الحكومة بتنفيذها خلال المرحلة القادمة وفق أسس علمية وعملية تتكفل بإحداث التحول الشامل والانتقال بنا إلى يمن جديد ومستقبل أفضل.
وفي خضم هذا المشهد يبدو جلياً أن ما تسعى إليه الدولة من خلال هذه التوجهات هو تكريس العمل المؤسسي وتعميق روح الشراكة الوطنية، بحيث تصبح جميع مكونات المجتمع مساهمة بفاعلية في عملية البناء وصنع القرار وإشاعة ثقافة السلام وتحويلها إلى ثقافة تسهم في غرس قيم التسامح ونبذ التطرف والغلو والتعصب وتحصين عقول الشباب الذين يشكلون الغالبية العظمى من السكان بثقافة وطنية، وبما يفسح المجال أمام شعبنا لتسخير كافة إمكانياته وجهوده للنهوض بالعمل التنموي والاقتصادي والاجتماعي.
وتتجلى ملامح هذه المعادلة اليوم في استحقاقات إعادة الإعمار بمحافظة صعدة وإزالة آثار ما دمرته الحرب، والتي ولكي تحقق مقاصدها وتؤتي ثمارها الخيرة فإن من أولى شروط ذلك ثبات مرتكزات الأمن والاستقرار والسلام. وعملية كهذه ليست مسئولية الدولة وحدها بل كافة أبناء الوطن وفي المقدمة منهم أبناء محافظة صعدة الذين كانوا أكثر من اكتوى بنار الحرب خاصة وأن تطبيع الأوضاع في هذه المحافظة لا يتوقف فقط عند حدود إعادة إعمار المرافق والمنشآت التي دمرت بل لابد وأن يرافق ذلك تنقية النفوس من الأحقاد والضغائن وإقلاع العناصر الحوثية عن آثامها وأخطائها والعمل على إصلاح نفسها بما يسمح بفتح صفحة جديدة من التسامح والوئام بين أبناء المحافظة وطي صفحة الماضي بكل ما اتسمت به من المآسي والأحزان، مما يعني أن أي تحرك لتحقيق هذه الغايات سيبقى مرهوناً بمدى إدراك العناصر الحوثية قبل غيرها لقيمة السلام والأخطار المترتبة على استمرارها في غيها وفكرها المتطرف الذي يتغذى من منابت التعصب والغلو ونزعات العنف والقتل والتخريب والشطط والاندفاع غير المحسوب.
ومن مصلحة هذه العناصر أن تستفيد من دروس ما جرى ففيها ما يكفي للاستدلال على أن منطق العنف والتخريب وإشعال الفتن والأزمات، لا يورث سوى المآسي والكوارث والخراب والدمار، وأنها لم تجن من وراء تلك المهالك أي شيء مما كانت تتوهمه أو تعتقد أن بوسعها الوصول إليه عن طريق التمرد والعصيان والخروج على الدولة والشرعية الدستورية.
ونعتقد أننا أمام مرحلة تحتم علينا جميعاً أن ننتصر لوطننا وتطلعاتنا وطموحاتنا في التنمية والبناء بعيداً عن تلك المفاهيم المغلوطة والممارسات المنحرفة والدعاوى الشاذة التي تهدف إلى إذكاء الفتن وزرع الشقاق بين أبناء الوطن الواحد، والذي يدفع اليوم الثمن باهظاً نتيجة تلك الأحداث المؤسفة. وقد حان الوقت الذي نبرهن فيه على أننا أوفياء لهذا الوطن وأن من يحاول زعزعة أمننا واستقرارنا واستهداف سلمنا الاجتماعي والنيل والمساس بوحدتنا الوطنية هو عدونا جميعاً ولا مكان له بيننا. وآن الأوان لتصحو الضمائر من غفوتها وترتفع إلى مستوى تحديات المرحلة ليس بالتنظير والشطحات وإطلاق الشعارات الجوفاء وإنما بالبذل والعطاء والإيثار لهذا الوطن وتغليب مصالحه على ما عداها من المصالح الضيقة والأنانية.
وإذا ما صلحت النوايا فلن تعيقنا أية تحديات عن بلوغ طموحنا في غدٍ أفضل ومستقبل مشرق مهما بدت تلك التحديات صعبة ومعقدة، فالله سيكون معنا.