هل بدأت نهاية عصر النفط؟.. استراتيجية لأمن الطاقة
الجمعة, 01-يناير-2010
نبيل زكي - في عام 2050 سيكون سكان العالم أكثر من تسعة مليارات إنسان؛ ولتوفير ما يلزم لكي يعيش هذا العدد الإضافي من البشر "2.6 مليار" مع مواصلة العمل من أجل رفع مستوى المعيشة في كل مكان، فإننا سنكون بحاجة إلى استهلاك ضعفي ما نستهلكه من الطاقة الآن. هكذا يتجه العالم بقوة للبحث عن أنواع وقود وطاقة جديدة، سواء طاقة مستمدة من الشمس والرياح أو المصادر الجيولوجية الحرارية.

وهذا البحث هو ما يطلق عليه اليوم: السعي إلى استقلال الطاقة. هل هناك مخاطر تواجه أمن الطاقة في العالم بوجه عام والوطن العربي بوجه خاص؟
خبراء يتوقعون حدوث كارثة في العالم في عام 2020 عندما يبلغ الإنتاج العالمي من النفط ذروته في ذلك العام لكي يبدأ رحلة النضوب النهائي، وفي ضوء ما يشهد به هؤلاء الخبراء حول الضعف في إمكانيات الإنتاج ونضوب النفط بالفعل في مناطق إنتاجه في العالم، باستثناء مناطق الشرق الأوسط.

ففي دراسة– هي الأولى من نوعها– أجرتها الوكالة الدولية للطاقة على ثمانمئة حقل نفطي كبير تغطي ثلاثة أرباع الإنتاج العالمي، ظهر أن أغلب الحقول الكبرى قد تجاوزت نقطة الذروة وأن معدل الإنتاج العالمي يقدر الآن بحوالي 6.7 في المائة سنويا في المتوسط بينما كان لا يتعدى 3.7 في المائة في عام 2007. وإذا أضيف إلى هذا الانخفاض تباطؤ الاستثمار العالمي الموجه لتوسيع القدرة الإنتاجية للنفط، فإننا نجد أنفسنا أمام شبح أزمة نفطية تهدد بعرقلة خروج الاقتصاد العالمي من الأزمة التي يعاني منها.

وإذا كانت الطاقة الحالية في طريقها للنضوب، فإن الدول الصناعية الكبرى تسعى للحصول على أكبر احتياطي أو مخزون يوفر الدوران والاستمرار للعجلة الصناعية لديها قبل أن تستقر الأحوال على بدائل الطاقة الحالية.

والمشكلة هي أنه إذا كان المخزون العالمي للطاقة لا ينمو بمعدلات تواكب الطلب المتزايد، فإن استهلاك العالم من النفط سينمو بأكثر من خمسة في المائة خلال الربع الأول من القرن الحادي والعشرين ليصل إلى أكثر من 12 مليار برميل يوميا عام 2025، كما أن استهلاك العالم من الغاز الطبيعي سيزيد بنسبة 57 في المائة عما هو عليه الآن، مما سيترتب عليه نقص كبير في الكميات المعروضة، وارتفاعات مستمرة في الأسعار، وعجز شركات الطاقة العالمية عن تلبية الطلب المتزايد.

صراع أكثر شراسة

وفي ضوء هذه الزيادة في الطلب وعدم نمو الإمدادات، يصبح الصراع العالمي للسيطرة على موارد الطاقة أكثر حدة وشراسة.. فالطاقة ضرورية لمعظم الأنشطة الصناعية والتنموية. وطبقا لأرقام وزارة الطاقة الأمريكية، فإن استهلاك العالم من النفط ارتفع من مليون برميل يوميا إلى ثمانية ملايين برميل منذ الحرب العالمية الثانية حتى مطلع الألفية الثالثة، كما أن استهلاك النفط في الدول النامية وحدها سيزيد بنسبة 96 في المائة في عام 2025، وسيرتفع استهلاك الغاز الطبيعي بنسبة 13 في المائة في كل من الصين والهند. أما إنتاج النفط العالمي فسوف يصل إلى نحو 12 مليون برميل، بزيادة قدرها 44 مليون برميل فقط عن الإنتاج الحالي.

من هنا.. يتفاقم الصراع الدولي على مصادر الطاقة، وتصبح السيطرة على الثروات البترولية بكافة السبل المشروعة وغير المشروعة من الأهداف الكبرى للدول الصناعية.

إجراءات الحماية

القوانين التي تحكم النظام الدولي، من معاهدة وستفاليا عام 1648، يمكن أن تتغير ليحل محلها قانون الغابة إذا كان ذلك يكفل المصالح البترولية لدولة مثل الولايات المتحدة الأمريكية؛ كذلك، فإن التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى وتغيير الأنظمة بالقوة والحروب الاستباقية وتوسيع الوجود العسكري الأمريكي في العالم.. من مقتضيات حماية هذه المصالح البترولية.

ويبدو أن هذه المصالح تطلبت إجراءات إضافية، مثل قانون "النوبك" الأمريكي الذي أقره الكونجرس عام 2007 "قانون لا تكتلات لإنتاج وتصدير النفط"، ويفرض الوصية على منظمة "الأوبك" ويستهدف التحكم في النفط العالمي، ويبيح للحكومة الأمريكية إمكانية مقاضاة "الأوبك" والمنظمات المماثلة لها بدعوى التحكم في أسعار النفط.

وفي الخليج 84 في المائة من الاحتياطيات النفطية المؤكدة. وإذا كانت تقديرات صندوق النقد الدولي تشير إلى اقتراب موعد نضوب البترول في المنطقة العربية، فإن ذلك يحتم ضرورة السعي لتقنين الاستهلاك والبحث عن مصادر طاقة بديلة.

تأمين المصادر

والمنافسة على احتياطيات النفط والغاز تشمل أرجاء كثيرة من العالم، وتمتد من الوطن العربي والبحر الأحمر حتى خليج غينيا وبحر الصين الجنوبي مرورا بحقول النفط في بحر قزوين التي تتنازع عليها كل من إيران وأذربيجان وروسيا.

وكان تأمين مصادر النفط أحد الدوافع الخفية للغزو الأمريكي للعراق.. وأصبح تأمين مصادر الطاقة من قضايا الأمن القومي للعديد من دول العالم، وخاصة بعد ارتفاع الطلب العالمي على النفط بعد النهضة الصناعية الكبرى التي تشهدها العديد من دول العالم، وخاصة الصين والهند. وتتوقع الوكالة الإعلامية لشؤون الطاقة أن تتضاعف واردات أمريكا الشمالية من النفط الخليجي في الفترة بين 2002 و2025. كما توضح دراسة اقتصادية أن الهند التي تعاني من نقص في الموارد الثابتة المستقرة للطاقة تستورد سبعين في المائة من استهلاكها من النفط، وستزداد نسبة هذا الاستهلاك بصورة كبيرة في ظل زيادة حجم الاسثمارات الصناعية هناك. ومع توتر العلاقات بين الدول الغربية وإيران حول برنامج الأخيرة النووي فإن هناك مخاطر تهدد مضيق هرمز الذي يشكل معبرا لحوالي ثلثي الإنتاج النفطي الذي يستهلكه العالم.

أين الحقول العملاقة؟

يكشف أحد تقارير الأمين العام لمنظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول "أوبك" أن العالم يمتلك مصادر بترولية مؤكدة لا تزيد عن 1266 مليار برميل نفط، وأن الاحتياطي العالمي القابل للاستخراج من هذا النفط يقع في حدود 1131.6 مليار برميل، يمتلك العرب منه– نظريا– 667.4 مليار برميل. ووفقا لنفس التقرير، فإن احتياطي الغاز الطبيعي يبلغ حوالي 181.8 تريليون متر مكعب، يوجد منها 29.3 في المائة في الأراضي العربية.

والنفط مادة قابلة للنضوب وغير متجددة، وتشير التقريرات إلى أن عصر النفط– الذي يشكل أكثر من ثلث الطاقة المستخدمة في العالم– قد أوشك على الأفول خلال أقل من نصف قرن بعد أن أحرق العالم تريليون برميل من إجمالي 2 تريليون.

وينصح الخبير العالمي في شؤون الطاقة، الدكتور بيرول، الدول الغربية بالاستعداد لليوم الذي يفارقنا فيه النفط إلى الأبد، وهو ليس بعيدا. ويقول إن هذا التحول سوف يتطلب إنفاق أموال طائلة وبذل جهود كبيرة. وربما تظهر صعوبة المشكلة على نحو أوضح إذا علمنا أن التطورات التقنية لم تفلح في زيادة الاحتياطيات المكتشفة، كما أنه لم يعد في الإمكان العثور على حقول عملاقة من نوع حقول الخليج العربي؛ وفي نفس الوقت، فقد انخفض متوسط حجم النفط المكتشف عالميا بحيث لا يكفي لتعويض ما ينضب.

أمن الطاقة

يقول "دانيل برجين" خبير الطاقة الأمريكي في وحدة أبحاث الطاقة بجامعة كمبردج، إن هناك اختلافا كبيرا في تفسير معنى أمن الطاقة.. وبالنسبة للسياسة الأمريكية فإن أمن الطاقة يعني خفض اعتماد الولايات المتحدة على الواردات عن طريق الترويج لأنواع وقود منتجة محليا، مثل الإيثانول وخفض مخاطر الصدمات السعرية بالاعتماد على عدة مصادر وموردين.

وعلى الرغم من المخاوف بشأن بلوغ استخراج النفط ذروته، فإن أسواق النفط الأساسية هي أسواق يقودها الطلب لا العرض، كما يقول "روشير شارما" في مجلة "نيوزويك" الأمريكية، وعندما يرفع الطلب يظهر بديل جديد هو الطاقة النووية والغاز الطبيعي والتكنولوجيا الخضراء لتلبية هذه الزيادة في الطلب.

نقطة تحول

والسعر الحقيقي للنفط الآن عند المستوى نفسه الذي كان عليه في عام 1976. وانتقلت اليابان وأوروبا إلى مصادر بديلة للطاقة. واجتاز العالم نقطة تحول، فقد انهارت الطفرة الأخيرة في أسعار النفط عام 1979 عندما تخطى مجموع الإنفاق على النفط سبعة في المائة من إجمالي الناتج المحلي العالمي، ومنذ ذلك الوقت، تراجعت الأسعار بمعدل أكثر من الثلثين.. غير أن الأسواق لا تزال تراهن على أن سعر النفط سيرتفع من جديد. ويتوقع بعض المحللين أن يصل سعر البرميل إلى تسعين دولارا بحلول سنة 2012، كما سترتفع أسعار السلع الأساسية الأخرى من النحاس إلى الأرز.

ويرى بعض المحللين أن انتعاش الطلب الاستهلاكي سيؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط، والسلع الأساسية الأخرى. ويأمل العاملون في قطاع النفط أن يكون الهبوط الأخير في الأسعار قصير الأمد أو مؤقتا.

والأفكار المطروحة الآن في الولايات المتحدة الأمريكية تدور حول تخفيف أهمية النفط في عالم الطاقة لإضعاف قوة ونفوذ روسيا وفنزيلا وإيران والسعودية، باعتبار أن هذا "هدف جدير بالعمل على تحقيقه"!...

البحث عن البدائل

ومفتاح تحقيق ذلك هو تحرير البشر، وعلى كل مستوى ممكن، من قيود الطاقة عن طريق العثور على مصادر طاقة تكون وفيرة ورخيصة الثمن وتوليد تنوع هائل في الإمدادات، وجعل أكبر قدر ممكن من مصادر هذه الطاقة، نظيفة وخضراء. والطموح الأكبر هو تحقيق نمو اقتصادي أكبر بكثير– من نحو 30% و40%- مع الاحتفاظ بنفس مستوى الاستهلاك الحالي من الطاقة. وهذا يعتمد على التطبيق المنضبط للتقنيات المتوفرة حاليا.

والفكرة التي يجري الترويج لها الآن هي أن ثورة الطاقة ينبغي أن تنتج عالما نستطيع فيه أن نستهلك مقادير كبيرة من الطاقة دون أن نشعر بالقلق بشأن الأسعار والعواقب. ثم إن المطلوب هو طاقة لا تنفد، وطاقة لا تؤذي كوكب الأرض الذي نعيش عليه.. وتقنيات للطاقة تتيح تحقيق كل النمو الذي نريده.

السؤال المطروح هو: هل يستعد العالم العربي لمواجهة الظروف المتغيرة أو عالم ما بعد النفط؟ وما هي الخطط 
التي ينبغي أن توضع لضمان عدم توقف عجلة التنمية؟ وما نوع الطاقة النظيفة والمتجددة والبديلة المتاحة للاستعمال؟. 




نقلاً عن
العرب إونلاين