لا يمكن لمجلس التعاون الاكتفاء بدور المراقب
الثلاثاء, 22-ديسمبر-2009
بقلم : خيرالله خيرالله (كاتب لبناني ) - كانت القمة الأخيرة لدول مجلس التعاون الخليجي التي استضافتها الكويت في غاية الأهمية وذلك بغض النظر عن الخلافات الحادة والنقاشات الحامية التي تخللتها، خصوصا عندما كان الموضوع المطروح مرتبطا بتسمية الأمين العام الجديد للمجلس.

كانت للقمة اهمية استثنائية نظرا الى انها كشفت ان هناك توافقا بين الأعضاء على اهمية معالجة الوضع اليمني. كان مهما التأكيد على اهمية وحدة اليمن واستقراره وأمنه. السؤال الآن، هل هناك خطوات عملية يمكن اتخاذها في المستقبل المنظور تساهم في استيعاب التطورات اليمنية، بما في ذلك الظاهرة الحوثية؟

تعتبر الظاهرة الحوثية في غاية التعقيد نظرا الى انها مرتبطة بعوامل عدة ذات طابع مذهبي ومناطقي وقبائلي في الوقت ذاته. لن يكون سهلا معالجة الظاهرة، التي بدأت المملكة العربية السعودية تعاني منها ايضا، ولا التطورات التي ولدتها من دون التطرق الى كل العوامل التي تعتبر في اساسها.

تضاف الى هذه العوامل في طبيعة الحال الحاجة الى ايجاد طريقة لدعم الاقتصاد اليمني من جهة والحؤول دون تمدد "القاعدة" في الأراضي اليمنية من جهة اخرى.

انه كابوس حقيقي لمجلس التعاون الذي اهمل الوضع اليمني طويلا وسمح في السنوات العشرين الأخيرة في زيادة الهوة، من الناحية الافتصادية والاجتماعية خصوصا، بين دوله من جهة وبين دولة تحتل موقعا استراتيجيا وتمثل امتدادا طبيعيا له في شبه الجزيرة العربية من جهة اخرى.

لم يكن ممكنا في اي وقت فصل أمن دول مجلس التعاون عن امن اليمن. هل لا يزال في الإمكان تعويض التقصير الذي حصل في الماضي، ام أن أوان ذلك قد فات؟ في كل الأحوال، ليس سهلا على اي طرف عربي كان أن يأخذ على عاتقه التعاطي مع اليمن بمفرده.

لا بدّ من مقاربة جماعية للموضوع تأخذ في الاعتبار ان المطلوب قبل كل شيء فصل كل عامل من العوامل التي تسببت في نمو الظاهرة الحوثية عن الآخر.

وهذا يعني بكل بساطة ان مقاربة الوضع اليمني اما تكون من كل دول مجلس التعاون او لا تكون نظرا الى ان كل دولة من الدول الست قادرة على المساهمة في المعالجة من زاوية معينة. لا داعي الى تحديد دور كل دولة من الدول الأعضاء في هذا المجال او ذاك.

لكن الثابت ان لكل دولة دورها المكمل للأدوار التي يمكن للدول الأخرى لعبها. بكلام اكثر صراحة، يحتاج اليمن الى قمة خليجية تكرس له بعيدا عن اي نوع من الحساسيات.

على سبيل المثال وليس الحصر، هناك دول خليجية قادرة على التأثير في الجنوب اكثر مما هي قادرة على التأثير في محافظات صعدة والجوف وعمران في اقصى الشمال حيث تدور المعارك مع الحوثيين. وهناك دول تستطيع المساهمة في معالجة الوضع في المحافظات الثلاث من زاوية القبائل المؤثرة في المنطقة.

وهناك دول قادرة على التخفيف من المعاناة اليومية للمواطن اليمني في ضوء الأزمة الاقتصادية التي يعاني منها البلد. ليس مطلوبا الاكتفاء بتقديم مساعدات مالية الى اليمن بمقدار ما ان المطلوب فتح الأبواب مجددا امام العمالة اليمنية حيث امكن. في النهاية ان كل عامل يمني موجود في الخارج يساعد عائلة بكاملها قد يتجاوز عدد افرادها عشرة اشخاص.

فضلا عن ذلك، يبدو مفيدا ان يكون هناك بحث حقيقي في كيفية اعادة اعمار محافظة صعدة عن طريق مشاريع مدروسة تؤدي الى خلق فرص عمل فيها. لقد استغل الحوثيون ومن يدعمهم الحرمان المزمن الذي تعاني منه المنطقة التي يتحركون فيها لتحقيق الاختراق الذي انجزوه. هذا الاختراق لا يضر اليمن فحسب، بل انه موجه ضد كل دول المنطقة ايضا.

هناك حاجة، اليوم قبل غد، الى تفكير في ما يمكن عمله في اقصى الشمال اليمني كي يكون هناك استيعاب للظاهرة الحوثية بكل ابعادها. وهناك حاجة الى خطوات عملية تساهم في تخفيف الاحتقان في الجنوب، نظرا الى ان العبث بوحدة اليمن ليس في مصلحة احد، لا داخل اليمن ولا خارجه.

اظهر القادة الخليجيون وعيا حقيقيا خلال القمة الأخيرة للأخطار التي تهدد مجلس التعاون لدول الخليج العربية. عكس ذلك خطاب الشيخ صُباح الأحمد امير دولة الكويت في افتتاح القمة. كان هناك، على وجه الخصوص وعي لخطورة اي مواجهة مع ايران بسبب ملفها النووي.

لا مصلحة خليجية في اي مواجهة عسكرية مع ايران. باختصار، كان الخطاب الذي القاه الشيخ صٌباح خطابا عقلانيا. المهم الآن ان تلي القمة سلسلة من الخطوات العملية ان على الصعيد اليمني او على الصعيد الإيراني.

تكمن اهمية مجلس التعاون الخليجي في انه استطاع منذ تأسيسه تشكيل مظلة تحمي الدول الأعضاء في ايام الأزمات الكبرى. ادى المجلس دوره على اكمل وجه خلال الحرب العراقية- الإيرانية بين العامين 1980 و1988، كذلك شكلت الدول الست جبهة متراصة عندما اقدم صدّام حسين على مغامرته المجنونة في العام 1990 حين احتل الكويت.

هناك الآن تحديات من نوع جديد مرتبطة بالوضع اليمني والأزمة القائمة بين ايران والمجتمع الدولي بسبب ملفها النووي. لا يمكن الاكتفاء ببيان القمة على الرغم من انه صيغ بطريقة عقلانية. القمة الخليجية خطوة في الطريق الصحيح، لكن الحاجة الى خطوات اخرى وربما الى قمة أخرى لتأكيد ان مجلس التعاون لن يكتفي بلعب دور المراقب، فيما نار الأزمات الإقليمية تقترب من حدود دوله.

نقلاعن الراية القطرية