صعود الصين المخملية: دبلوماسية جديدة لعصر جديد
الأحد, 17-أغسطس-2008
محمد سيف حيدر -

عندما زار مستشار الرئيس السابق بيل كلينتون للأمن القومي صامويل بيرجر، عاصمة تيمور الشرقية (التي استقلت حديثاً عن إندونيسيا)، لاحظ بشيء من الإعجاب قصراً رئاسياً متلألئاً ينتصب على مقربة من مُجمّع متألق جديد لوزارة الخارجية على شاطئ البحر، وأخذ يتساءل: كيف يمكن لتيمور الشرقية المُكافِحة، حديثة الاستقلال، أن تتحمل عبء القيام بمثل هذه المشاريع التي تُثير الإعجاب؟ غير أن مشاعر الإعجاب هذه سرعان ما تحولت إلى غيضٍ شديد (يُضمِر غضباً أشد) عندما علم أن هذين المشروعين "ليسا سوى هدية من حكومة الصين الشعبية، إضافة إلى ثكنات للجيش وزي عسكري جديد لجنود تيمور ومجموعة من المساعدات التقنية وبرامج التبادل". بيد أن ما أثار غيض بيرجر وحنقه أكثر—بالتأكيد—هو معرفته أن دبلوماسية الصين "المخملية" الناعمة تتخطى تيمور الشرقية بكثير، وأن قصة الأخيرة يجري تكرار روايتها في أرجاء مختلفة من العالم فيما بلاده تقوم بتقليص تدخلاتها في آسيا وأميركا اللاتينية وأفريقيا تحت وطأة هوس الإدارة و"محافظيها الجدد" بالعراق.
والحال أنه منذ نحو ثلاثة عقود خلت بات واضحاً للجميع أن العملاق الأصفر يعود؛ فمنذ أن أطلق الزعيم الصيني دينج شياوبنج إصلاحاته الاقتصادية عام 1978، والبلاد تُحقق معدلات نمو سنوية تصل إلى الـ10 بالمائة، مُضاعفة ناتجها القومي الإجمالي كل سبع سنوات. وإذا كان صحيحاً أن الجميع يُحِبّون الرابح، فينبغي أن لا يُفاجئ أحدٌ إذا بدأ عدد كبير من الأصدقاء والمعجبين يصطفون على باب الصين الناهِضة، سيما وقد أخذ الحديث عن قوتها الناعمة، فضلاً عن ديناميتها الاقتصادية المدهشة، يتزايد ويتّسع يوماً بعد يوم بالتوازي مع إجادتها للعبة العلاقات العامة الجيدة. ولِمَ لا؟ ففيما تتنامى مشاعر العداء لواشنطن في أماكن مختلفة من العالم، خصوصاً بعد تدخلها العسكري في العراق، كان الآخرون يُمسِكون بزمام المبادرة ويتحركون بخِفّة وبوتيرة أسرع. وبالطبع كانت بكين في مقدمة الجميع. فبفضل بُعْد النظر تحوّلت الصين، مستندةً إلى تعداد سكاني هائل ومعدلات نمو اقتصادي بالغ السرعة، إلى عملاق يلوح في أُفق آسيا، ومنذ بداية هذا القرن ازدادت مكانة الصين وبات العالم ينتظر صعودها كقوة عالمية كبرى منافسة للولايات المتحدة على النفوذ الدولي.
وعلى الرغم من أن بعض المشتغلين في الحقل الأكاديمي يُقلل من قيمة الصين الصاعدة ومن فعالية تهديدها لهيمنة أميركا الكونية، فإن ثمة اتجاهاً قوياً، بالمقابل، أخذ يُجادل بأن هذا هو ما يحصل بالفعل. فعلى سبيل المثال، يؤكد هاري هاردينج، مدير الأبحاث والتحليل في مجموعة يوروآسيا، أن الصين تُشكِّل تحدياً فردياً وجدياً للولايات المتحدة لأنها تتحول إلى "قوة متعددة الأبعاد" بخلاف منافسي أميركا الآخرين. فإذا كانت روسيا قد مثلت خلال الحرب الباردة تحدياً، لا تهديداً، للولايات المتحدة ولكنها فعلت ذلك بطريقة واحدة فقط: كانت لديها قدرات عسكرية قوية، وكان اقتصادها ضعيفاً جداً. وإذا كانت اليابان قد أصبحت منافساً اقتصادياً جدياً لأميركا في ثمانينيات القرن الماضي، لكنها لم تكن قوة عسكرية منافسة؛ في المقابل نجد أن قوة الصين الاقتصادية والعسكرية تنموان بسرعة مُلفتة، فضلاً عن أنها أخذت تستخدم "قوتها الناعمة" بشكل متزايد لمصلحة أهدافها الجيوستراتيجية الخاصة. 

سُلطة الانطباع
وإذا كان عالِم السياسة الأميركي جوزيف ناي (الابن)، مُبتكِر مفهوم القوة الناعمة، قد استخدمه بصيغة أكثر تحديداً تستبعد الدبلوماسية الرسمية وسائر أشكال التأثير التقليدية مثل القوة العسكرية، فإن الصين، كما لاحظ بدقة باحث أميركي آخر [جوشوا كورلانتزيك]، أوجدت فكرة أوسع للقوة الناعمة تشمل جميع المجالات—باستثناء مسائل أمنية معينة—بما فيها الاستثمار والمساعدات. إن دبلوماسية السنين الفائتة التقليدية في طور الاختفاء. وبسبب العولمة والثورة الإعلامية، أُجبرت الكثير من الدول على أن تعي نفسها وصورتها وسمعتها وموقفها، باختصار ميسمها وجاذبيتها. وبالفعل، أصبح اكتساب سُمعة سيئة أو الافتقار إلى أي سمعةٍ تُذكر يُشكِّلان عائقاً خطيراً أمام سعي الدول للمنافسة على الساحة الدولية. فالدولة التي تفتقد إلى الجاذبية، نتيجة افتقادها للقوة الناعمة أو بعض تطبيقاتها على الأقل، تجد صعوبة في اكتساب الاهتمام السياسي أو الاقتصادي. وبهذا، أصبح الانطباع والسُّمعة عاملين أساسيين في الوزن الاستراتيجي للدولة في محيطها الإقليمي والعالم. وهو ما لم تدركه الصين، التي لم تكن لديها أي فكرة عن طريقة إدارة مسألة صورتها العالمية، إلا مؤخراً وبالتحديد منذ منتصف تسعينيات القرن العشرين بالتوازي مع بروزها كلاعبٍ نشط في الساحة الدولية. والشواهد على هذا الإدراك وقوته عديدة؛ فمنذ منتصف العقد الماضي، وسّعت الصين علاقاتها الثنائية وعمّقت هذه العلاقات، وانضمت إلى اتفاقيات تجارية وأمنية عديدة، وعمّقت مشاركتها في منظمات هامة متعددة الأطراف، وساعدت في علاج قضايا الأمن العالمي. وأصبحت عملية صنع قرار السياسة الخارجية تتسم بقدر أقل من الشخصانية وقدر أكبر من المؤسساتية، وأصبح الدبلوماسيون الصينيون أكثر تطوراً في صياغتهم لأهداف بلادهم. وعلى نطاق واسع، أصبحت مؤسسة السياسة الخارجية الصينية ترى بلادها قوة كبرى متنامية لها مصالح ومسؤوليات متنوعة، وليست دولة نامية مجني عليها كما كان الحال في حقبتي ماو تسي تونج ودينج شياوبنج.
وفي النتيجة، فإن الصين أخذت تُمضي الكثير من الوقت في القلق بشأن ما تظُنُّه بها البلدان الأخرى، وذلك لسببٍ وجيه: ففي حين أن النمو الاقتصادي الصيني خلال السنوات الـ30 الماضية أدى إلى ثروات هائلة في الداخل، فقد أثار أيضاً التخوف في الخارج. إن بكين تُدرك أن الولايات المتحدة والبلدان الآسيوية ترمقها بنظرة حذِرة، وتخشى أن تصبح الصين في النهاية قوة إقليمية مهيمنة تُهدِّد أمنها. لقد بات واضحاً لبكين أنه ينبغي عليها إعداد إستراتيجية صينية كبرى جديدة؛ إستراتيجية تُتيح لها مواصلة نموها الاقتصادي وتحديث تكنولوجيتها وتعزيز جيشها من دون استفزاز دول أخرى ودفعها لمنافسة قد تكون مُكلِفة. إن الصين التي نراها تسير بخطوات سريعة إلى الساحة العالمية اليوم ثمرة تلك الإستراتيجية الكبرى الجديدة. وفي اتجاه موازٍ، وعطفاً على ما سبق، باتت الصين اليوم أكثر وعياً للحاجة إلى نشر ثقافتها في الخارج، لأنها تعلم منافع القوة الناعمة، وكذلك لأنها تُؤمن بأن التقدير الصادق للاستقامة الكونفوشيوسية سيُخفف من الشكوك حول كيفية ممارستها لنفوذها في المستقبل. ولهذا تبذل الصين جهوداً حثيثة لتعزيز لغتها وثقافتها من خلال الإشراف على إنشاء برامج لتعليم اللغة الصينية في جامعات رائدة تمتد من كينيا إلى أستراليا، ناهيك عن المعاهد التي أسستها داخل الجامعات الكبرى في شرق آسيا. وفي هذا الإطار، تُخطِّط بكين لإقامة عشرات من "معاهد كونفوشيوس" ومعاهد لتعليم اللغة والثقافة الصينية في الجامعات الأجنبية خلال العقد المقبل. فضلاً عن ذلك، ساهمت ولا تزال النشرات الدولية التي تقدمها الإذاعة الصينية في توسيع انتشار اللغة الصينية عالمياً. وفي ذات الوقت، برعت دبلوماسية الحرير الصينية في تطبيق استراتيجية تعزيز مفهوم "التنمية السلمية" من خلال تنظيم المعارض الفنية في العديد من بلدان العالم، بالإضافة إلى استقبال عدد أكبر من الطلبة الأجانب في الجامعات الصينية والذين ازداد عددهم عشرة أضعاف ما كان عليه في العقد الماضي، وبعد أن كان عددهم ثمانية آلاف طالب فقط قبل عقدين من الزمن، أصبح اليوم يناهز المائة وعشرين ألفاً.
من ناحيته، يُدلي السلك الدبلوماسي الصيني، الأكثر مهارة من ذي قبل، بدلوه في تعزيز اللغة والثقافة الصينيتين، وصورة بكين الجديدة في الخارج عموماً، من خلال الحرص الكبير الذي يُبديه الدبلوماسيون الصينيون في عملهم. فعلى سبيل المثال، قام جيانج يواندي السفير الصيني لدى البرازيل بجولة قادته إلى جميع الدول الناطقة بالبرتغالية في العالم قبل الوصول إلى العاصمة البرازيلية. وقد علّق أحد الدبلوماسيين الآسيويين على ذلك قائلاً: "لقد كان السفراء الصينيون يكتفون بالجلوس داخل مقار سفاراتهم، لكنهم الآن أصبحوا أكثر براعة بحيث يعرفون الكثير من الأمور". وفي الأثناء، فإن شباب الصين ودبلوماسييها المتعلمين في الغرب والمطلعين على دخائل الأعمال التجارية يُظهرون اليوم قدراً من التفوق في المعرفة المحلية كنظرائهم الغربيين، وذلك نتيجة لبرامج وزارة الخارجية التي تقوم بإرسال أعداد متزايدة من الدبلوماسيين الصينيين للدراسة في الخارج، كما هو الحال في المكسيك. وكذلك فإن صورة الصين تحسّنت بفضل القيود التي بدأت تتراخى على سفر رعاياها، ما أدى إلى زيادة أعداد رجال الأعمال والسياح الصينيين الذين يسافرون إلى الخارج من 12 مليوناً عام 2001 إلى 34 مليوناً عام 2006، ويقوم هؤلاء الصينيون الكثيرو الترحال بنشر صورة الصين على أنها دولة عالمية لديها الكثير من المال لتنفقه، سواء في مجال الأزياء الباريسية أو المشاريع الجديدة في أفريقيا أو آسيا أو أميركا اللاتينية. وبالمثل، لاشك في أن تنمية الصين لقدراتها العلمية والتقنية تُعزز من قوتها الناعمة وتدفع مكانتها العالمية للأمام. وقد حذّرت مؤسسة ديموس للأبحاث، ومقرها لندن، في تقرير لها من أن مركز جاذبية الإبداع قد بدأ يتحول من الغرب إلى الشرق، وأن الصين يمكن أن تُصبح "قوة علمية عظمى" بحلول 2050. الأرقام الأولية مثيرة للإعجاب فعلاً. فما تُنتِجه الصين من مهندسين يفوق بكثير ما تنتجه الولايات المتحدة القوة العلمية العالمية الأولى (خرَّجت الصين في عام 2005 وحده أكثر من 600 ألف مهندس)، وبحلول العام 2010 ستُخرِّج الجامعات الصينية من حملة الدكتوراه أكثر من نظيرتها الأميركية.
 
صورة الصين الجديدة... الخطِرة!
والواقع أن دبلوماسية الصين المخملية حقّقت نجاحاً عالمياً باهراً، ليس على مستوى النخب السياسية فقط، بل امتد أيضاً إلى الشارع. فالناس العاديون حول العالم ينظرون إلى الصين الآن بعيون أكثر إيجابية مقارنة بنظرتهم إلى الولايات المتحدة صاحبة الحظوة العالمية. فاستطلاعات الرأي العام التي أجراها برنامج "مواقف السياسة الدولية" وهيئة الإذاعة البريطانية (بي. بي. سي.)، تُظهِر أن معظم المواطنين في معظم دول العالم اليوم يعتبرون الصين ذات تأثير أكثر إيجابية وتُمثل تهديداً أقل للسلام الدولي مما تُمثله الولايات المتحدة. وقد سارعت الصين إلى تحويل هذه الصورة العالمية الجديدة إلى مكاسب سياسية ملموسة. فمثلاً، قدمت العديد من الدول دعماً قوياً في إحباط الاقتراحات المعادية للصين من جانب بعض الدول الغربية في مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، وساعدت الصين على إجهاض المحاولات الكثيرة من جانب تايوان للمشاركة في الأمم المتحدة والدخول في منظمة الصحة العالمية وهيئات دولية أخرى. وبالمثل، كان حلفاء للولايات المتحدة، مثل أستراليا، يُعرِبون عن مواقف مهادنة كان لها وقع الصدمة على الحليف الأميركي: فقد تساءل وزير الخارجية الأسترالي، ألكساندر داونر، علناً عمّا إذا كانت بلاده ستقف إلى جانب واشنطن إذا خاضت الأخيرة حرباً مع بكين بسبب تايوان.
ثمة بعد آخر يُظهِر نجاح توجهات الصين الناعمة الجديدة؛ فبعض الدول بدأت تنظر إلى الصين بوصفها "نموذجاً" ناجحاً لتحقيق التنمية الاقتصادية. ففي العديد من دول أفريقيا وأميركا اللاتينية، التي لم تتمكن الإصلاحات الاقتصادية الليبرالية من انتشال سكانها من الفقر، تبرز اليوم معارضة متزايدة للإصلاحات المرتبطة بالسوق الحرة، بل حتى للديمقراطية نفسها. فخلافاً للسياسات الغربية استطاعت الصين فتح اقتصادها دون تحرير نظامها السياسي، وهو ما دفع دولاً مثل فيتنام وسورية وإيران وكوبا مؤخراً، بالإضافة إلى بلدان أخرى إلى دراسة السياسة الاقتصادية للصين، لاسيما بعد الانبهار الذي يتملّك قادة هذه الدول عند زيارتهم للمدن الصينية المزدهرة. وإذا كان للصين، بطبيعة الحال، مصالح ومطامح ومطامع شتّى حيثما تُمارس قوتها الناعمة، إلا أنها تختلف عن الآخرين في الكيفية التي تُقدِّم بها نفسها، ما يجعلها أقرب من غيرها إلى الرأي الرسمي والشعبي خصوصاً في مناطق كأفريقيا وأميركا اللاتينية، وهي بهذا تنطلق—كما يردد قادتها دائماً—من مبادئ "التعايش السلمي" التي تُشدِّد على احترام خيارات الدول الأخرى في النظام السياسي، ونمط التنمية التي تناسبها وتوافق مصالحها وحساباتها القومية، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، وإنجازها المشروعات بكفاءة.
ولكن من الممكن، رغم هذا، أن تخرج حملة الصين للعلاقات العامة هذه عن مسارها. فعلى سبيل المثال، إذا لم تستطِع الصين الوفاء بتعهداتها بتقديم مساعدات خارجية سخية—وقد نكثت بتعهداتها في بعض المناسبات في الماضي—فإن المشاعر المحلية قد تتحول ضدها. إن الكثير من السلوك التقليدي للسياسة الخارجية، كما هو معروف، يحدث من طريق تبادل الوعود التي لا تكون ذات قيمة إلا إذا كانت صادقة. ومن ثمّ، فإن الحكومات التي تستطيع أن تُطمئِن من يُحتمَل أن يكونوا شركاءها إلى أنها لن تتصرف تصرفاً انتهازياً، سوف تُحرِز مزايا على منافسيها الذين تكون وعودهم أقل صدقاً. كذلك فإن مواصلة بكين تبنّيها للأنظمة السلطوية والقمعية في دول مثل بورما وكمبوديا والسودان وزيمبابوي وأنجولا يمكن أن يُضِر هو الآخر بصورتها. وهكذا هو الأمر بالنسبة إلى تأثير الصين السلبي على أوضاع العمالة المحلية والمعايير البيئية؛ ففي زيمبابوي، على سبيل المثال، أدّت شروط السلامة السيئة في بعض المناجم التي تملكها الصين في هذه البلاد إلى مقتل عشرات الأشخاص، وهو ما أدى إلى انطلاق حملات احتجاج ضد الصين. وقد حذّر ثابو أمبيكي، رئيس جمهورية جنوب أفريقيا، أخيراً بكين من القيام بمغامرة "استعمارية جديدة" في القارة السمراء.
إن مثل هذه المشاعر يمكن أن تتنامى في القارة إن لم تكن بكين حذرة في تعاطيها معها. ولكن حتى الآن، يبدو أن الصين تتمتع بثمار حملتها المثيرة للإعجاب الهادفة إلى الترويج لصورة جديدة لها. ولهذا تبدو "المملكة الوسطى" اليوم أكثر ثقة بنفسها من أي وقت آخر في تاريخها المعاصر. غير أن بشير النجاح الحقيقي بالنسبة لها يكمُن في المستقبل. وكلّما ازدادت قدرتها على تجاوز السياسات والقيم الداخلية التي تحدّ من قوتها الناعمة، كخشية الحزب الشيوعي من السماح بقدر أكبر مما ينبغي من الحرية الفكرية وسعيه المثابِر لمقاومة التأثيرات الخارجية، فضلاً عن تفشي الفساد الحكومي في قطاعات مختلفة من مؤسساتها؛ ازدادت قدرتها على اكتساب المزيد من المصادر المحتملة لقوة الجذب الناعمة، وبالتالي تعاظُم هذه القوة باستمرار. غير أن الأهم من هذا كله، وما يُلقى على كاهل الصين اليوم، وهي القوة الصاعدة إلى مرتبتها المُرتقبة، هو أن تُبرهِن أنها لن تتبوأ الصفوف الأولى بين أولئك الذين يُهيمنون على العالم ويفرضون إرادتهم على الآخرين، فقط كي تتحول إلى قوة عظمى مهيمنة "أُخرى"!

* محمد سيف حيدر: باحث وكاتب يمني.

المصدر: مصباح الحرية