إرهاب "القاعدة".. من مواجهة الغريب إلى مواجهة القريب
الأربعاء, 06-أغسطس-2008
عايش علي عواس - يوحي حادث التفجير الانتحاري، الذي استهدف معسكراً تابعاً للأمن المركزي في مدينة سيئون بمحافظة حضرموت أواخر شهر يوليو الماضي، بالعديد من الدلالات والمؤشرات الخطيرة التي لا يمكن التقليل من شأنها؛ فهي من ناحية المرة الأولى التي توجه "القاعدة" نشاطها ضد أهداف محلية خلافاً لما جرت عليه العادة طوال السنوات الماضية، والتي كان نشاطها ينصب بصورة أو بأخرى ضد الأجانب والمصالح الغربية. فهل يعني ذلك حدوث تحول في إستراتيجية التنظم من مواجهة الغريب إلى مواجهة القريب؟
كما أن عملية سيئون، من ناحية ثانية، تأتي من حيث التوقيت عقب توقف المواجهات العسكرية في محافظة صعدة وما قد يحملة ذلك من دلالات ومؤشرات توحي بإمكانية وجود علاقة ما بين انتهاء العمليات العسكرية وانفجار سيئون، لكن الأهم من ذلك كلة أن العملية تؤكد مرة أخرى تنامي نشاط القاعدة وهجماتها داخل اليمن، ولاسيما في السنتين الأخيرتين بعد أن كانت البلاد قد عاشت قبلها فترة من الهدوء والسكينة. فما هي يا ترى الأسباب والعوامل التي تقف وراء عودة "القاعدة" إلى الواجهة مجدداً؟.
بطيعة الحال يصعب الجزم بإجابة محددة للتساؤلات المطروحة سلفاً، لكن كاتب هذه السطور يحسب أن هناك أسباب عدة لتنامي العمليات الارهابية في اليمن مؤخراً، تتمثل أهمها في انشغال السلطات اليمنية على ما يبدوا بمواجهة التمرد في محافظة صعده، وتطورات الأحداث في بعض المحافظات الجنوبية، الأمر الذي ترتّب عليه رفع بعض القيود التي كانت تحول دون ممارسة "القاعدة" لعملياتها في الفترة السابقة، وأفسح المجال أمامها لتوسيع نشاطها بشكل أكبر من الفترة السابقة.
وربما يعود ذلك أيضاً إلى ما يمكن تسميته بتضييق الخناق أمام عناصر التنظيمات الجهادية من المشاركة في ساحات المواجهة خارج اليمن، وعلى وجه التحديد في العراق والقرن الأفريقي بفعل تشديد الرقابة على وصول هذه العناصر إلى تلك المناطق، الأمر الذي نتج عنه خلق حالة من الاحتقان الداخلي.
يضاف إلى ما سبق سبب آخر، وإن كان طرحه يتم من قبل عناصر تنظيم "القاعدة"، ومضمونه غضب التنظيم من استمرار احتجاز السلطات اليمنية لعناصره وعدم الافراج عنهم وعدم حصول البعض منهم على المعونات التي كانت الحكومة اليمنية قد وعدت بتقديمها لهم في مقابل تخليهم عن ممارسة أنشطة ارهابية، ومن هذه المعونات على سبيل المثال: منحهم مبالغ مالية تمكنهم من إقامة مشاريع صغيرة لكسب عيشهم، وكذا مساعدتهم على تحقيق الاستقرار من خلال تسهيل زواجهم بفتيات يمنيات. لكن مقولات مثل هذه تثور حولها تساؤلات كثيرة!
ويرى بعض المحللين أن تصاعد الاعتداءت والتفجيرات مؤخراً يعود في الأساس إلى ظهور جيل جديد من تنظيم "القاعدة" يختلف نسبياً عن سابقه؛ فهو وإن لم يشارك في الحرب ضد السوفيت في أفغانستان ولا يمتلك الخبرات نفسها، إلا أنه أشد فتكاً من سابقه بفعل التصاق أفراده بالعصر والتكنولوجيا. وما يزيد من خطورة الأمر، أن الجيل الجديد ليس لة قيادة تنظيمية تراتبية على شكل هرمي، وإنما كل ما في الأمر توافقهم حول أفكار معينة تشكل بالنسبة لهم المرجعية العليا، ولذلك فهم أشبه بالخلايا العنقودية التي لا يجمعها رابط معين مما يخلق صعوبات عدة بشأن متابعة نشاط هذه العناصر وتحركاتها.
ولا يجب أن ننسى، بهذ الصدد أيضاً، التأثيرات السلبية لتدهور الأوضاع الاقتصادية وتفشي البطالة وندرة فرص العمل، كلها عوامل تهيئ المناخات الملائمة لاستقطاب الشباب إلى صفوف التنظيمات الارهابية دون أن تكون لديهم، في أحيان كثيرة، قناعات فكرية بما يقدمون عليه.
و أما بالنسبه إلى السؤال الذي طرحناه سابقاً، والذي يدور حول ما إذا كانت "القاعدة" قد غيّرت استراتيجيتها في هذه المرحلة، أحسب أن قول كهذا يظل مشكوكاً فيه، ذلك أن "القاعدة" لم تعلن حسب ما هو متوفر من المعلومات إستراتيجيتها حتى الآن، ومن ثمّ فإن من المستبعد تصديق رأي كهذا. وفي ضوء ذلك فإن فهم توقيت العملية قد يساعد على تفسير الحادثة وكشف ملابساتها، إذ أن التوقيت عقب وقف المواجهات المسلحة في صعده بحوالي خمسة أيام فقط. فهل كانت العملية رسالة احتجاج على وقف تلك الحرب؟ 

                                                                                                                    المصدر: السياسية.