القاعدة في اليمن.. أعداء في بيت الجيران
الثلاثاء, 20-أكتوبر-2009
يحيى الأمير - يبدو أن انتقال القاعدة إلى اليمن واستغلال الظروف الأمنية والاجتماعية والاقتصادية هناك، وازدهار المناطق التي تخضع واقعيا للسلطة القبلية والعرف، يبدو أن كل ذلك لم يعد مجرد خيار اضطراري للقاعدة بل تحول ليصبح تكتيكا وهدفا ورؤية تنظيمية فعلية.

الظروف القائمة في اليمن والتعرجات الثقافية التي لا تقل وعورة عن التعرجات الجغرافية وازدهار سلطة الفقر وسلطة القبيلة، إضافة إلى ضخامة حجم سوق السلاح وسهولة الحصول عليه رغم محاولات الحكومة اليمنية السيطرة على ذلك، إذ تتحدث المصادر عن وجود ما يقرب من ستين مليون قطعة سلاح تبدأ من المسدسات إلى القنابل.

إذا ألقينا نظرة تاريخية على المدون الذي يمثل أدبيات الجهاد، ثم أدبيات الجهاد الحديث في أفغانستان وخطاب القاعدة من خلال مختلف إنتاجهم الإعلامي فسنلاحظ حجم التقاطع الواضح في اللغة والتفكير والحماسة خاصة مع وجود قيم مثل الفداء والصمود والرجولة والعزة والكرامة والغيرة والشجاعة والدفاع انتقلت بروحها القبلية إلى التدين التقليدي المتشدد، وكان الجهاد أحد أبرز دوائر التدين التي تستوعب كل انفعالات التزاوج بين قيم القبيلة وقيم التدين.

عام 1999 كتب أبو مصعب السوري أحد أبرز قادة التنظيم في أفغانستان والمعتقل في باكستان منذ عام 2005، كتب رسالة عنوانها "مسؤولية أهل اليمن تجاه مقدسات المسلمين وثرواتهم" وبعد أن تناول جوانب من تاريخ (الجهاد والمجاهدين في اليمن) وصل إلى فكرة أن اليمن يمكن أن يكون القلعة الطبيعية المنيعة لكافة أهل الجزيرة وهي المعقل الذي يمكن أن يأوي إليه المجاهدون.

الواقع الآن يشير إلى أن ما يحدث في اليمن من وجود للقاعدة هو أكثر خطورة من وجودهم في العراق، فلقد كان العراق ساحة لاستنزاف القاعدة وتسليط الضوء على كثير من قياداتها ومصادر تمويلها، لأن توجه كل الإرهابيين إلى العراق كان بدافع المشاركة في الحرب على قوات التحالف، بينما يختلف الوضع في اليمن تماما فما يحدث أنه بات يمثل ملجأ لإدارة عمل القاعدة والتخطيط لتنفيذ عملياتها، ومن الملاحظ أنه ومنذ مطلع عام 2009 حين تم الإعلان عن تشكيل جديد باسم تنظيم القاعدة في جزيرة العرب بقيادة ناصر الوحيشي، لم تتجه القاعدة منذ ذلك الإعلان للقيام بأي عمليات في الداخل اليمني، وهو خلاف ما كان عليه الحال قبل ذلك الإعلان إذ قامت الجماعة ومنذ عملية الهروب الكبير من سجن الأمن السياسي في العاصمة صنعاء عام 2006 بعدة عمليات استهدفت مصالح حكومية وأجنبية في صنعاء ومأرب وحضرموت، إلا أنه ومنذ أعلن التنظيم عن نفسه مطلع هذا العام يبدو أنه أراد أن يخفف حدة المواجهة مع الداخل اليمني ليضمن لنفسه المزيد من الهدوء، وأن يتفرغ لعملياته في السعودية خاصة بعد وصول كثير من المطلوبين أمنيا إلى اليمن والتحاقهم بالتنظيم.

وهو ما أحدث تعزيزا للتنظيم وتحصينا له إذ بات يحارب الخصم من خارج الحدود ثم يعود لقواعده، والتوقف الواضح في عمليات القاعدة في الداخل اليمني أكبر مؤشر على ذلك، لأنها بمثابة إعلان أن المسرح الحقيقي لعمليات القاعدة بات في السعودية التي تقع على بعد كيلومترات.

بالنسبة للسعودية فمهما كانت القاعدة ضعيفة وفقيرة في اليمن إلا أنها أكثر خطرا من أي وقت مضى فحين كانت عناصر القاعدة في السعودية كانت كل عملية يقومون بها أو يتم إحباطها قبل القيام بها تمثل خيطا لملاحقة وضرب بقية العناصر ومصادر قوتهم الفقهية أو التمويلية، وما حدث بعد مقتل المهندس الأمريكي بول جونسون أو بعد المحاولة الفاشلة لضرب مقر وزارة الداخلية بالعاصمة الرياض.

لكن الوضع الآن مختلف تماما فهم يعلنون أنهم في اليمن ويقومون بعمليات قد تنتهي تأثيراتها عليهم بمجرد انتهاء العملية إذ يعودون فورا لحساب النتائج وإعادة الترتيب لعمليات أخرى.

كانت القاعدة إذا قامت بعمليات نوعية مثل المحاولة الفاشلة للاعتداء على الأمير محمد بن نايف في رمضان الماضي، فإنها في العادة تكون بحاجة إلى بضعة أشهر على الأقل لكي تبدأ الإعداد لعمليات أخرى، إلا أن الحادث الذي وقع الأسبوع الماضي في محافظة الدرب في منطقة جازان يشير إلى حجم القوة التي اكتسبها التنظيم من وجوده في اليمن، فبعد أقل من شهرين من تلك العملية الفاشلة يتحرك التنظيم للقيام بعملية أخرى يحاول تنفيذها مطلوبون أمنيا على القوائم الرسمية التي أعلنتها وزارة الداخلية السعودية. وهو ما يمثل ارتياحا جديدا يعيشه التنظيم وينطلق منه.

الواقع الآن يفرض علينا الإقرار بأن انتظار إحباط العمليات القادمة من القاعدة، والتصدي لها داخل الأراضي السعودية لا يمكن أن يمثل حلا جوهريا، مما يفرض أن تتجه الحكومة اليمنية وبما هو معروف عنها من تعاون إيجابي ومتميز مع جيرانها إلى الاتفاق على إستراتيجية مشتركة يتم فيها العمل على تحويل أكثر الجوانب التي تمثل قوة للتنظيم لتصبح عامل إضعاف له.

إن الحديث عن التنمية وخطط البناء في هذه المرحلة أمر يعد مضيعة للوقت، لأن الأفكار الكبرى لا تجابه المشكلات الآنية، لكن يجب أن نتذكر هنا أن من أضعف القاعدة في العراق لم يكن حكومة بغداد وإنما عشائر صحوة العراق، وذلك حينما تم تحويل القبيلة من حليف محتمل للقاعدة إلى خصم ومحارب له، وتم العمل على التوظيف العكسي لقيم القبلية وأعرافها لتصبح خصما للقاعدة وخصما للتطرف، كذلك فمن الأهمية الاتجاه إلى صناعة رأي وموقف شعبي من التطرف ومن الإرهاب، فالقضية الآن في اليمن ليست القضاء على أفكار التطرف والإرهاب ولكنها ضرب الجماعات التي تعمل الآن وتخطط وتنفذ.

بالإضافة إلى الحاجة لمرونة سياسية تعيد تعريف فكرة التعاون بين الدول المتجاورة إلى درجة الاشتراك في السياسات والتنفيذ. لأن الحلول الفردية ربما تكون نافعة لكن ليس للطرفين، لأن اتساع وجود القاعدة في اليمن سيجعل منها منطقة لتركيز العالم عليها، والطائرات الأمريكية التي تحلق باستمرار فوق الأراضي الباكستانية في الحدود مع أفغانستان لا تستهدف باكستان ولكنها تتدخل لضرب القاعدة وبإجماع العالم على ذلك. 





نقلا عن "الوطن" السعودية