القصف بالتقارير والقصف بالصواريخ
الثلاثاء, 20-أكتوبر-2009
ممدوح طه - لم تتلق دولة في العالم عدا إسرائيل، هذا الكم الكبير من تقارير الاتهام الأممية وأبرزها تقرير القاضي غولدستون، ولا من قرارات الإدانة الدولية وأبرزها قرار اعتبار الصهيونية كالعنصرية، سوى «جنوب إفريقيا العنصرية»، مع فارق واحد هو أن العالم تعامل مع «بريتوريا» العنصرية بالعقوبات والمقاطعة والحصار، بينما استخدمت أميركا «الفيتو» عشرات المرات في الحالة الإسرائيلية العنصرية لحمايتها من الإدانات والعقوبات، بما شل الإرادة الدولية عن حل القضية الفلسطينية.

وهذا سر نجاح المقاومة الإفريقية بدعم الأمم المتحدة في اقتلاع النظام العنصري من جنوب إفريقيا، واستعادة المواطنين الأفارقة لحقوقهم الوطنية والإنسانية، وقيام دولة الحق والقانون كجمهورية ديمقراطية «ثنائية اللون» برئاسة المناضل نيلسون مانديلا، الذي واصل نضاله بدعم قضايا التحرر الوطني، كالقضية الفلسطينية ضد الاستعمار الاستيطاني الصهيوني، الوجه الآخر للنظام الاستعماري الاستيطاني العنصري لجنوب إفريقيا.

وعدم جدية مجلس الأمن في تنفيذ قراراته، وإبقاء إسرائيل فوق القانون وخارج المحاسبة القانونية الدولية، هو السر نفسه في استمرار النظام الاستعماري الاستيطاني العنصري الصهيوني، وفي تمادي إسرائيل في عدوانيتها وعنصريتها واحتلالها غير المشروع، واستخفافها بالأمم المتحدة وبالقانون الدولي وبحقوق الإنسان الفلسطيني، واستمرار القضية الفلسطينية سبعين عاما دون حل!

وبينما سقط نظام بريتوريا العنصري وبقي نظام تل أبيب العنصري، تشاء الأقدار أن يتصدى للعدوانية الصهيونية العنصرية قضاة جنوب إفريقيا التي كانت عنصرية، وألا يتهم جيش «الدولة اليهودية» بالإجرام الحربي وبالإجرام ضد الإنسانية إلا «اليهود الشرفاء» الأفارقة، الذين أبت ضمائرهم الإنسانية التواطؤ مع الصهيونية، وأبت نزاهتهم المهنية القانونية التغطية على الجرائم الصهيونية، فحققوا بأمانة في ما وقع على الشعب الفلسطيني من جرائم صهيونية تجافي اليهودية.

الأول، هو القاضي الجنوب إفريقي اليهودي المرموق جون دوغارد، رئيس لجنة تقصي الحقائق الدولية المكلفة من الجامعة العربية في أعقاب العدوان الصهيوني الإجرامي على غزة، والمشكلة من ستة قضاة دوليين كبار، وقدمت تقريرها في 250 صفحة تتهم إسرائيل بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وبالإبادة الجماعية في إبريل الماضي، وطالبت بإحالة إسرائيل لمحكمة العدل الدولية وللمحكمة الجنائية الدولية لمحاكمتها..

والثاني، هو القاضي الجنوب إفريقي اليهودي المرموق ريتشارد غولدستون رئيس لجنة تقصي الحقائق الأممية المكلفة من المجلس العالمي لحقوق الإنسان، والمشكلة من ستة قضاة دوليين كبار، لرصد ما ارتكب من جرائم خلال العدوان الإسرائيلي على غزة، وقدمت تقريرها في 575 صفحة تتهم إسرائيل بارتكاب جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية، مطالبة بإحالة التقرير لمجلس الأمن، وإحالتها للمحكمة الدولية!

والثالث هو تقرير في 300 صفحة، بشهادات عدد كبير من أبرز الخبراء القانونيين يفضح الممارسات الإسرائيلية، ليس فقط في عدوانها على غزة، بل في احتلالها لفلسطين، قدمه مؤتمر مجلس أبحاث العلوم الإنسانية في جنوب إفريقيا في مايو الماضي، لدراسة الممارسات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة وموقف القانون الدولي منها.

وكأنه قصف من جنوب إفريقيا على إسرائيل بالتقارير!!.. فهل يسفر القصف العالمي عن زوال العنصرية من فلسطين كما زالت من جنوب إفريقيا؟ وهل سيكون الحل في جنوب إفريقيا بدولة «ثنائية اللونية»، هو الحل في فلسطين بدولة ديمقراطية «ثنائية القومية»؟ ولماذا رأى الإسرائيليون أن القصف بالتقارير أخطر من القصف بالصواريخ؟!


نقلا عن "البيان" الإماراتية