الغايات البشعة للإرهاب
الجمعة, 01-أغسطس-2008
محمد حسين العيدروس -

يفترض الباحثون في علم الجريمة أن قوة الغرائز الدنيوية لدى بعض الناس قد تجعلهم يتشبثون برغبة مفرطة للبقاء، وإن اضطروا إلى وسائل غير مشروعة تندرج تحت عناوين الجريمة، غير أن تنامي العنف في العالم بشكل عام، وتفشي ظاهرة ما يسمونهم بـ«العناصر الانتحارية» قد يضع فرضيات الباحثين على المحك عندما نجد أشخاصاً يقتلون أنفسهم من أجل موت الآخرين، وليس قتل الآخرين من أجل بقاء الذات.
أما عندما يجري الربط بين الأوضاع الاقتصادية وبين تنامي الظاهرة الإرهابية في العالم، ويتحول الفقر إلى مسوغ للجوء البعض إلى الإرهاب، فأعتقد أننا حينئذ نكون قد جنينا على المجتمعات الفقيرة بانتهاكات أخلاقية، في حين أن مجتمعنا - مثلاً - كان في السابق يعيش فقراً مدقعاً في نفس الوقت الذي كان أكثر محافظة على قيمه الأخلاقية، والأعراف الحميدة.. بل إنه لا توجد هناك دولة في العالم لا تكون بين شعبها شريحة فقيرة، بما فيها الولايات المتحدة وأوروبا، ومع هذا لم تنمُ في بعضها الظاهرة الإرهابية.
وإذا ما أرجعناها للتعبئة الثقافية، فإن ثقافة العصر أكثر انفتاحاً من أي زمن مضى من حياتنا، وبالتالي فإننا نكتشف بأن الإرهاب يمثل حالة متقدمة من الجريمة المنظمة والسلوك الوحشي الذي عندما لا يجد متنفساً لنفث سمومه الإجرامية بسبب تطور التقنيات الأمنية ينقلب على ذاته ويدمرها في عملية انتحارية تسقط فيها كل الحسابات الدينية والدنيوية.
عندما أقدم طالب جامعي في كلية راقية - الطب - على تنفيذ عملية انتحارية في أحد المعسكرات الأمنية سيئون، كنت من الواصلين إلى موقع الحدث في ساعته الأولى، ورأيت حجم الخراب والدمار الذي تسببت به السيارة المفخخة، لم أجد أي تفسير لما كان يدور في رأس ذلك الشاب وهو يقدم على مثل تلك الجريمة، ولم أجد جواباً لسؤالي: يا ترى ما الذي جناه؟ وما الذي سيجنيه غيره من قتل رجال أمن، وتخريب مؤسساتهم التي يناط بها حماية أمن المجتمع وسلامة؟ إلا أن هناك غاية واحدة من الممكن أن يكون مثل هذا الشخص قد سعى إليها وهي تشويه سمعة اليمن في المجتمع الدولي، وغرس القلق والفزع لدى المواطنين خاصة الأطفال والنساء ومن ثم إلحاق ضرر مادي ومعنوي باليمن ونشاطها الاقتصادي.. ومن هنا نستطيع إدراك مدى الحقد الذي تحمله هذه الجماعات الإرهابية على الإنسانية أولاً ثم على مقدرات ديمومة بقائها.
لا شك أن الحدث كان له وقعة السيئ جداً في نفوس أبناء سيئون وحضرموت خاصة واليمن عموماً، إذ أن هذه المناطق تحمل قيماً وتقاليد عريقة، وروحاً متسامحة بين أبنائها، وتسودها روح التعاون والتكافل والتآخي.. فضلاً عن المكانة العلمية والثقافية لأبناء هذه المناطق.. وهو الأمر الذي يحفزنا للقول بأن مناهضة ومكافحة الإرهاب هي مسئولية جماعية تناط بكل فرد من أبناء شعبنا، طالما وهي تستهدف الجميع بدون تمييز، وأن على مواطنينا تعزيز التعاون مع الجهات الأمنية لكشف الدهاليز المظلمة التي تختبئ فيها هذه العصابات الإجرامية، وإحباط كيدها الأثيم الذي لا يمت للدين الإسلامي أو أي شريعة سماوية بشيء.
إن قوة خبث وحقد ووحشية هذه الفئة الضالة تستدعي من الجميع مواجهتها بقوة أكبر، وبحكمة، لأنها على صغر حجمها باتت تلحق أضراراً جسيمة باقتصادنا الوطني، وتهدد أرواحنا وحياة أبنائنا ومستقبلهم، وتحاول النيل من إنجاز شعبنا الحضاري والإنساني من أجل أن تعيده إلى حياة القرون الوسطى التي رضخ فيها للفقر والمرض والجهل والتخلف والأمية.. وتاجرت به القوى الانتهازية الاستبدادية..!
ومما لا ريب فيه أن تزامن النشاط الإرهابي مع البرامج الكبيرة التي تعتزم الحكومة تنفيذها على ضوء البرنامج الانتخابي لفخامة الأخ رئيس الجمهورية، يعطينا مؤشراً واضحاً لطبيعة وحجم المؤامرة التي يحملها الإرهابيون لبلدنا الحبيب، في تحدٍّ خطير لرهاناتنا الوطنية الاستراتيجية التي لا يمكن إرجاعها إلى أي زمن آخر، نظراً لما يشهده العالم من حولنا من سباق حضاري وثورة تقنية، إن لم نواكبها فقدنا مقومات الحياة الكريمة التي نتطلع لها وقدمنا لأجلها التضحيات الجسام.
ولعل آخر هذه التضحيات هو ذلك الجندي الذي قدم روحه الطاهرة قرباناً لسلام الوطن وشعبه، وهو يمنع السيارة المفخخة من دخول المعسكر.. وإنني لأنتهز الفرصة لأقترح على قيادة المحافظة تسمية الشارع الرئيسي الذي يؤدي إلى المعسكر باسمه، من أجل ترسيخ قيمة الشهادة في نفوس شبابنا، ولكي يعلم الجميع كيف أن الأعمال البطولية الشجاعة هي وحدها التي يخلدها التاريخ والأجيال، بينما الأعمال الإجرامية الدنيئة لا تجد إلا من يلعن أصحابها ويدعو عليها بالويل والثبور.