الحزام الناسف‏..‏ في مخططات استهداف الخليج‏!‏
السبت, 29-أغسطس-2009
مراد عز العرب - في حلقة ممتدة المساحة الزمنية علي شاشة القناة الايرانية الموجهة باللغة العربية‏,‏ كان النقاش يدور حول كتاب صدر حديثا في لندن حول الهوية الوطنية في السعودية‏,‏ واستضاف البرنامج المؤلف وواحدا من هؤلاء الفلاسفة وجري استعراض مكشوف يدس السم في العسل حينما يتم التطرق إلي الطبيعة الخاصة للتجربة السعودية مع اشارات واضحة ومحددة للاخطار المستقبلية التي تهدد وحدة وسلامة المملكة‏!!..‏

وهذا التمهيد الاعلامي ـ إن جاز التعبير ـ يأخذ طريقه إلي التطبيق العملي بالتدخل المباشر في الحالة اليمنية حيث تجري معارك حقيقية تشارك فيها الطائرات والمدفعية‏,‏ ولم يشرح لنا احد من الفلاسفة من اين اتت هذه القدرة للحوثيين للوقوف في وجه الجيش اليمني؟‏..‏ ولماذا لم تتوال ردود الافعال علي التصريحات الرسمية اليمنية التي اشارت صراحة إلي التدخل الايراني فيما يجري من احداث دامية؟‏!..‏

وإذا انتقلنا من اليمن إلي العراق‏,‏ نشهد واقعا مماثلا لما نتحدث عنه‏,‏ وان كان السيناريو يختلف في تفاصيله‏,‏ فقد اعلنت الادارة الامريكية الجديدة علي لسان رئيسها اوباما عن خطة للانسحاب السريع من بلاد الرافدين‏,‏ وادركت ايران ان الوقت مناسب للمساومة علي صفقة تسمح بالانسحاب الآمن للآلاف من الجنود الامريكيين مقابل الهيمنة وبسط النفوذ‏,‏ ليس علي العراق فقط وانما علي عدة مناطق في الخليج‏,‏ ولنكن اكثر صراحة بالقول ان هناك اقليات شيعية تجد ان امامها فرصة تاريخية وذهبية ينبغي عدم التفريط فيها‏!!..‏

وقد توقعنا فور الاعلان عن الانسحاب الامريكي وخطاب اوباما من جامعة القاهرة الذي يوضح التوجه السلمي لسيد البيت الابيض الجديد‏,‏ ان تسارع ايران الي استغلال الفرصة ومحاولة اتمام المشروع الذي بدأه بوش ولكن علي الطريقة الايرانية ولتحقيق احلام اليقظة باحياء الامبراطورية القديمة‏..‏

وبالفعل عادت التفجيرات لتهز بغداد وبقية المناطق لاثارة الفتنة الطائفية والعرقية ولتهدد الامن والاستقرار من جديد حتي يتم الرضوخ لشروط طهران‏..‏

ونستطيع ان نرصد في هذا السياق المخطط التخريبي الذي تم اكتشافه مؤخرا بالكويت وكان يستهدف عددا من المنشآت الحيوية بالاضافة إلي القاعدة الامريكية هناك‏..‏

وهذه الرسائل المتتالية من العراق والكويت واليمن يقصد من ورائها استعراض عملي للقوة الايرانية المتنامية في منطقة الخليج والتحذير من ان طهران باتت تستطيع تحريك الاوضاع وفقا لما تراه وعلي جميع الاطراف استيعاب ما يجب فعله لضمان عدم التحرش الايراني‏!!..‏

واذا اردنا القراءة الصحيحة لتلك الحلقة التي اشرنا اليها في البداية حول وجود مشكلات تهدد الهوية الوطنية السعودية كما جاء في برنامج قناة العالم الايرانية‏,‏ فان الحلقات تكتمل بما يحدث علي ارض لبنان الذي يعيش هو الآخر حالة مخاض صعبة للحكومة الجديدة برئاسة الحريري‏,‏ والقضية بالتأكيد اعمق من مجرد تشكيل وزاري تم الاتفاق علي ملامحه ونسب التمثيل فيه لجميع القوي السياسية علي الساحة اللبنانية‏,‏ والعقبة الكبري امام الحريري وغيره من القيادات السياسية ان حزب الله يشكل بالفعل دولة داخل الدولة‏,‏ بما يملكه من اسلحة وصواريخ وميليشيات يستطيع من خلالها توريط البلاد في حرب جديدة مع اسرائيل التي تنتظر هي الاخري الفرصة لاحداث تغيير في سياق الاحداث الجارية وحتي تخلط الاوراق من جديد للهروب من استحقاقات السلام‏..‏

ومرة اخري ننظر حولنا لعلنا نجد من يعطي لتلك الاحداث المتلاحقة ابعادها الحقيقية من خلال التحليل والتفسير ولكننا نواجه بحالة من الصمت الذي يدعو الي الدهشة والتعجب‏..‏

وإذا اردنا اثباتا آخر لما نتحدث عنه من سيناريوهات تعد في الخفاء‏,‏ علينا التنبه للزيارة الاخيرة التي قام بها الرئيس السوري بشار الاسد الي طهران لتهنئة احمدي نجاد باعادة انتخابه رئيسا لايران‏,‏ والبيانات التي صدرت عن تلك الزيارة تؤكد استمرار التحالف الاستراتيجي السوري الايراني خاصة فيما يتعلق بالاوضاع في العراق ولبنان علي وجه التحديد‏..!!‏

فهل يمكننا بعد ذلك كله التغاضي عن الخطر الايراني الذي اصبح أكثر خطورة وتشعبا مما كان يفعله بوش؟‏..‏

انه السؤال الاساسي الذي نطرحه علي وسائل الاعلام العربية باعتبار ان المنطقة بأسرها تشكل المجال الحيوي للمشروع الايراني الجديد وان ما يحدث علي ارض الواقع شمالا في العراق‏,‏ وجنوبا في اليمن‏,‏ وامتدادا الي لبنان يمثل بالفعل عملية تطويق بحزام ناسف يمكن تفجيره عن بعد في طهران‏!!‏

وقد يثير البعض سؤالا آخر عن اقتصار الدعوة علي وسائل الاعلام في حين ان الاوضاع تستوجب موقفا عربيا رسميا اقوي تجاه النوايا الايرانية‏..‏

والاجابة ـ في تقديري ـ تتعلق بحسابات بالغة التعقيد والحساسية حيث يفضل الاشقاء في الخليج معالجة الامور بالكثير من التعقل والتريث الذي قد يطول اكثر من اللازم‏,‏ ولعلها ايضا تكون فرصة للمراجعة امام حكام طهران قبل الانزلاق الي خطوط حمراء لا قبل لهم بها‏..‏

ولعلي اكون اكثر صراحة بالقول ان الزيارة الاخيرة التي قام بها السلطان قابوس سلطان عمان الي طهران تأتي في سياق اسداء النصيحة بعدم التمادي في استفزاز المجتمع الدولي من ناحية‏,‏ وعدم قطع كل خيوط الاتصال مع ابناء المنطقة من ناحية اخري‏..‏

ولعلي ازيد بحق الاجتهاد فقط ان السلطان قابوس بما يعرف عنه من حكمة وحنكة ورؤية كان يستهدف من زيارته تذكير الايرانيين بان المصالح العليا لشعوب المنطقة تكون في التعاون والتوجه نحو التنمية وليس الي الشطط واثارة المشاعر التي قد ترتد سلبا علي الايرانيين انفسهم‏..‏

وهنا لابد من التنويه إلي ان ابناء الخليج وحكامه لديهم الفطرة السليمة والقدرة علي حماية مصالح دولهم كما حدث ايام صدام حسين وكما سيحدث لاحقا اذا ما استمرت مشاريع الهيمنة الايرانية‏!!..‏

وقد يكون في الموعد النهائي الذي حددته واشنطن والمجتمع الدولي لتلقي اجابات واضحة من الجانب الايراني حول البرنامج النووي وهو الموعد الذي ينتهي الشهر القادم سببا رئيسيا في تصاعد العنف في العديد من البلدان والمناطق باعتبارها رسائل عاجلة تفيد بالقدرة الايرانية علي التدخل وتحريك الأوضاع لصالحها‏!!‏

والقول الصحيح في هذا الشأن يتركز علي استشعار الموقف الامريكي حيث يراهن حكام طهران علي توجه اوباما للسلام وبانه لايريد الدخول في مغامرات جديدة خاصة وانه يستعد للانسحاب من العراق فضلا عن وجود اعداد هائلة من قواته واساطيله تحت خطر القصف بالصواريخ الايرانية‏..‏

وهذا الرهان الايراني سيدخل الي المحك الفعلي بانقضاء المهلة وعندها سوف يدرك احمدي نجاد فداحة خسائره وحساباته الخاطئة‏,‏ لان الرضوخ لشروط طهران تعني في النهاية الثمن الباهظ الذي رفضته كوند اليزاريس وزيرة الخارجية السابقة ومن المؤكد ان اوباما لن يقبل به اذا اراد استمرار دور بلاده كقوة عظمي‏!!..‏

وقد يكون الرهان الامريكي في المقابل علي التفاعلات الجارية علي الساحة الايرانية الداخلية التي اعقبت انتخابات الرئاسة وهي التفاعلات التي لاتزال ساخنة ولم تحسم بعد رغم محاولات التهدئة بين اركان النظام هناك‏..‏

وفي كل الاحوال فإن الحزام الناسف الذي تريد ايران ربطه حول دول الخليج يمثل خطرا حقيقيا ينبغي الالتفات اليه والتعامل معه باقصي درجات الانتباه واليقظة‏..‏

ولعلنا هنا نبحث عن بيان واحد للجامعة العربية قد يذكر الجميع بأنها تتابع ما يجري وبان موقفها ولو اقتصر علي كلمات انشائية يرفض هذا المشروع الايراني جملة وتفصيلا كما حدث في أيام بوش‏..‏

وعلي الجامعة العربية الاهتمام بما يحدث في اليمن والعراق ولبنان بمثل المتابعة اليقظة التي تبديها بالنسبة لملفي السودان ودارفور‏..‏

ونحن في الانتظار‏!!‏ 


نقلاً 
عن صحيفة الأهرام