النشاط الإسرائيلي الجديد في أفريقيا.. من مطـاردة إيـران إلى محاصرة مصـر
السبت, 15-أغسطس-2009
د. عبـد اللّطيـف الحنّـاشـي - لم تعُد القارة الأفريقية مجال تنافس الدول الكبرى فحسب بل امتد الأمر لبعض الدول متوسطة الحجم أو "الصاعدة" مثل تركيا وإيران، فيما تبدو اللامبالاة العربية بهذا الفضاء الغني الواعد والاستراتيجي مستمرة رغم انتماء عشر دول عربية لتلك القارة.

الطرف القديم الجديد الذي استهوته أفريقيا أخيرا هو الدولة الصهيونية، إذ أعلن وزير خارجيتها عن عزمه القيام بجولة بداية الشهر القادم إلى القارة سيزور خلالها خمس دول هي أنغولا ونيجيريا وإثيوبيا وأوغندا وكينيا.

وتعتبر زيارة ليبرمان الأولى من نوعها لوزير خارجية الدولة الصهيونية منذ نحو خمسين سنة، ويعتزم ليبرمان ضم عشرات من رجال الأعمال، إلى وفده، من تجار السلاح ومستشارين عسكريين وممثلي الصناعات العسكرية وتقنيين ومختصين في الزراعة والبنى التحتيّة، حسبما أوضحت صحيفة "هآرتس"، أما ليبرمان فلم يخف أهداف زيارته، إذ قال إنها تسعى إلى "إبراز الوجود الإسرائيلي في أفريقيا" وخاصة "تطويق المدّ الإيراني في المنطقة بعد أن تمكنت هذه الأخيرة من التأثير هناك وترسيخ مكانتها".

ويظهر أن "التمدد" الإيراني في أفريقيا، بأبعاده المختلفة، أخذ يزعج إسرائيل بالفعل، أكثر مما كان عليه الأمر في السابق، إذ انتقل التعاون اقتصادي الإيراني مع بعض الدول الأفريقية إلى مراحل متقدمة خاصة بعد زيارة رئيس الجمهورية الإيراني، السابق، محمد خاتمي لسبع دول أفريقية سنة 2005 ومسّ مجالات وقطاعات عديدة مثل النفط والصناعات النفطية، والمصافي وصيانتها وتوليد الطاقة وإقامة الجسور ومحطات الري "مشروع لإقامة سد في مالي" وتصنيع الجرارات الزراعية والمزارع النموذجية "أوغندا مثلا التي خصصت قطعة أرض لإيران لإنشاء مزرعة نموذجية".

أما على الصعيد السياسي فقد طورت إيران علاقتها الدبلوماسية مع دول القارة، إذ بلغ عدد البعثات ومكاتب التمثيل الإيراني في أفريقيا نحو 26 بين بعثة ومكتب، وتعددت الزيارات الرسمية بين أعضاء الحكومة الإيرانية والحكومات الأفريقية. كما تمكنت إيران من التواجد بصفة مراقب في عدة منظمات أفريقية وبعثت المجلس الأعلى للشؤون الأفريقية بالإضافة إلى مركز معلومات تابع له؛ وتحاول على الصعيد الثقافي استقطاب النخب الأفريقية وبعث مراكز ثقافية ونشر المكتبات العامة والمدارس وتقديم المنح وتنظيم المؤتمرات والملتقيات الأفرو- إيرانية لأهداف سياسية ودينية.

ويشكل المهاجرون اللبنانيون الشيعة سندا قويا للوجود الإيراني في الكثير من الدول الأفريقية؛ ويقدر عددهم في أفريقيا الغربية بأكثر من ربع مليون شخص "15 ألفاً منهم في نيجيريا". وتشير بعض التقارير الاستخباراتية إلى أن أكثر من 2000 مليون دولار سنويا تصل إلى حزب الله اللبناني ُتجمع من الشيعة اللبنانيين في أفريقيا وأمريكا اللاتينية، ويأتي نصف المبلغ من أفريقيا.

أما الوجود الإيراني في أفريقيا فيهدف، حسب بعض الخبراء، إلى تحقيق أمرين مترابطين، يتمثل الأول في تحقيق سيطرة استراتيجية على باب المندب الذي تعتبره إيران منفذا حيويا لتحركاتها الملاحية خوفا من حدوث أي خلل أو اضطراب في منطقة القرن الإفريقي من شأنه أن يؤثر مباشرة على النشاط الاقتصادي الإيراني المرتبط بموانيها البحرية. أما الثاني فسياسي، إذ يمكن أن تشكل الدول الإفريقية، بالنسبة إلى إيران سندًا هاما في المحافل الدولية التي تبدو بحاجة أكيدة لذلك؛ وقد أثبتت السياسة الإيرانية جدواها بالفعل، إذ لم تتردد الدول الأفريقية في الوقوف إلى جانبها فيما يخص الملف النووي في وكالة الطاقة الذرية.

وتشكل أربع دول "إثيوبيا كينيا وأوغندا ونيجيريا" من جملة الدول الأفريقية التي ينوي ليبرمان زيارتها مجالا واسعا لنشاط المصالح الإيرانية، ومن بينها دولتان هامتان، هما إثيوبيا وكينيا، تطلاّن على القرن الأفريقي تبدو علاقتهما جيدة بإيران ويكتسي موقعهما أهمية استثنائية من الزاوية الجيو- استراتيجية بالنسبة إلى إسرائيل لكونها تشرف على مسارات الإبحار نحو خليج "إيلات" الإسرائيلي ولقربها من مصر واليمن والسعودية...

وكان أحد الباحثين الأكاديميين المصريين قد بيّن، مؤخرا، أنه ورغم الانتشار الواسع لإسرائيل في القارة، غير أن نصيب التجارة الخارجية الإسرائيلية مع أفريقيا لا يتجاوز ثلاثة في المائة فقط بينما يصل إلى 70 في المائة مع أوروبا، لذلك فإن اهتمام إسرائيل بالقارة هو سياسي وأمني بالدرجة الأولى أكثر منه اقتصادي، لكن دون أن تغيّب هذا العامل من استراتيجيتها. فنشاطها يتركزّ خاصة في الاستثمارات المباشرة أو مع أطراف أخرى... فمن بين الدول الخمس التي سيزورها ليبرمان توجد دولتان من دول خليج غينيا "الطافح بالنفط"، الأولى نيجيريا، والثانية أنغولا.

تحتل نيجيريا المرتبة العالمية السابعة في إنتاج النفط، وهي المنتج الأكبر لهذه المادة في القارة، كما تملك أكبر احتياطيّ من النفط، وتوجد بها مؤسسات رأسمالية هامة وفاعلة برغم مظاهر الفساد العديدة التي تنخر اقتصادها، وإلى جانب ذلك، تمثل نيجيريا قوة إقليمية مُعتبرة في غرب أفريقيا.

أما أنغولا فتحتل المركز الرابع في إنتاج النفط بين الدول الأفريقية، ولها احتياطي واعد من المادة "يشير أحد التقارير إلى أن ربع احتياجات الولايات المتحدة من النفط خلال العشرين سنة القادمة سيكون مصدره أفريقيا". وتقع ثلاث من الدول التي سيزورها ليبرمان، وهي إثيوبيا وأوغندا وكينيا، ضمن ما يُعرف بدول حوض النيل، التي تشكل جزءا هاما من المجال الحيوي لمصر. كما أن أغلب كميات مياه نهر النيل تأتي إلى مصر من إثيوبيا "84 في المائة" وأوغندا. وتعتبر مصر المستفيد الأكبر من هذه المياه "54 مليار متر مكعب من 84 مليار متر مكعب" باعتبارها دولة مِصبّ، بينما تبلغ حصة السودان دولة الممر حوالي 18 مليار متر مكعب.

وتعيش مصر، حسب بعض الخبراء، منذ فترة مشكلة الندرة المائية بفعل تزايد عدد السكان بالتوازي مع استقرار كمية المياه الواردة إليها منذ اتفاقية 1959 "تقدر بـ55 مليار متر مكعب سنويا" ويشير الخبراء في هذا المجال إلى أن مصر أصبحت تعيش الآن تحت خط الفقر المائي "مقدار هذا الخط ألف متر مكعب للفرد سنويا، في حين يبلغ متوسط دخل الفرد المصري من المياه 985 مترا مكعبا سنة 2000، ويتوقع أن يصل إلى 500 متر مكعب سنة 2020". ومن هنا يمكن فهم الزيارة التي قام بها الرئيس المصري حسني مبارك لكل من جنوب أفريقيا وأوغندا في الفترة من 28-30 جويلية/تموز من السنة الماضية.

وكانت مصر قد اقترحت منذ سنة 1999 "مبادرة حوض النيل" التي تهدف إلى إقامة مشاريع مشتركة بين دول الحوض العشر بما يعود بالنفع عليها جميعا. وكانت أوغندا إحدى الدول المعترضة "بالإضافة إلى كينيا وتنزانيا" على اتفاقية سنة 1929 بشأن حصة مصر من مياه النيل باعتبار أن الاتفاقية قد صِيغَت أثناء حكم الاستعمار البريطاني للمنطقة.

كما وقّعت مصر اتفاقية مع دول الحوض سنة 1959، تضمنت بندا يتعلّق بالأمن المائي الذي يقضي بعدم السماح بإقامة مشروعات على حوض النيل إلا بعد الرجوع إلى دولتي المصب... لذلك كان الهدف من زيارة مبارك السنة الماضية إلى أوغندا هو إقناعها للقبول بتلك المبادرة وتنفيذ بنودها، الأمر الذي قد يفتح المجال لإقناع بقية الدول المعترضة باعتبار ما لأوغندا من ثقل في المنطقة خاصة في إطار منظمة "الإيقاد" بالإضافة إلى كونها الدولة التي تطل على بحيرة فيكتوريا التي تَمُدُّ مِصرَ بـ15 من المائة من حصتها من مياه النيل.

ويتساءل، في هذا الإطار، بعض السياسيين المصريين عن علاقة الزيارة التي سيقوم بها ليبرمان إلى تلك الدول المحورية في حياة مصر وتصريحاته السابقة حول قصف السدّ العالي وإحداث فيضان اصطناعي يأتي على البلاد؟!

وكان بعض الخبراء المصريين قد طالبوا، مؤخرا، حكومتهم بضرورة توطيد علاقاتها مع دول حوض النيل خلال الفترة القادمة وإبرام اتفاقيات جديدة معها بهدف حماية الأمن القومي المصري وقطع الطريق أمام النفوذ الإسرائيلي في المنطقة، في حين نبّه، البعض الآخر من هؤلاء الخبراء، بضرورة عدم انسياق الحكومة المصرية وراء ما تُشيعه وسائل الإعلام والدوائر الإمبريالية الغربية والدول المرتبطة بها من تضخيم لخطر إيراني مزعوم يهدد المصالح المصرية في أفريقيا. إذ يؤكد هؤلاء أن لا خطر إيراني فعليّ على مصر، ولا على المنطقة بالشكل الذي تصفه تلك الدوائر؛ لذلك دعوا الحكومة المصرية إلى تنسيق جهودها مع الوجود الإيراني في أفريقيا وإيجاد أرضية مشتركة بين الطرفين تضمن المصالح الاستراتيجية للدولتين بهدف صدّ النشاط الإسرائيلي والصهيوني وإعاقة حركته في القارة، باعتبار أنه يمثّل الخطر الحقيقي والاستراتيجي الذي يهدد الجميع عربا ومسلمين...

فهل سيساعد تمدد النفوذ الإسرائيلي الجديد في أفريقيا، بأبعاده المختلفة، على جَسْر فجوة الخلاف بين مصر وإيران؟ أم أن إسرائيل ستعمل على تأجيجه لإضعاف الدولتين وتحقيق مآربها الاستراتيجية بأقل الأضرار والخسائر؟.

نقلاً 
عن العرب إونلاين