الإيمان يمان والحكمة يمانية
السبت, 08-أغسطس-2009
محمد حسين العيدروس - على مر التاريخ كانت تجاربنا تصديقاً لقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في أهل اليمن، وإذا ما قارنا بعض فصول الماضي مع ما نحن عليه اليوم فإن الحقيقة الأعظم التي تتجلى أمامنا هي أن الأصالة الحضارية والثقافية التي ميزت شعبنا كانت هي مصدر حمايته، ورقيه، وأيضاً تحرره من كل شأن، أو حدث غريب طرأ في حياته، وهو ما يجعلنا مطمئنون بأن الفرز الطبيعي الذي ظل شعبنا يترجم من خلاله إرادتنا الوطنية في مختلف فصول حياته السياسية هو الكفيل بإزالة النتوءات الناجمة عن تخبط البعض في ممارسة الديمقراطية واستغلال الحريات.

اليوم ونحن ندنو من أبواب الشهر الفضيل – رمضان- لا بد أن يكون مدخلنا إليه مدخل صدق وإخلاص، لا مدخل رياء ونفاق.. لا بد أن ندخله بقلوب بيضاء، وليست قلوب مليئة بالغل والأحقاد والضغائن. وندخله بهويتنا اليمنية وثقافتنا الإسلامية لا بجلابيب غيرنا وأسمال من لا يرجوا لبلادنا وأمتنا خيراً، وناصبها العداوة والبغضاء على مر التاريخ.. فالإسلام هو السلام الذي أمر الله البشرية بإفشائه، وشرع قيمه، وأدبياته، ولا بد لمن يبتغي المفاضلة بالإيمان أن يناقش بالعمل الصالح، لا بالمظهر وتزويق الكلام، فقد علمنا المصطفى صلى الله عليه وسلم أن الدين معاملة وأن لم نعامل بعضنا البعض بالحسنى، ونفتح قلوبنا لبعضنا، ونشرح صدورنا لثقافة العفو والتسامح، ونسوي خلافاتنا بالحوار، والجدل " بالتي هي أحسن" فإننا حينئذ غرباء عن الدين طالما لم نحسن معاملة بعضنا بأخلاق الدين الإسلامي الحنيف.

ونحن نقف على أبواب الشهر الفضيل لا بد أن نفكر ملياً أن كان من الايمان أن ندخله حاملين بيارق التشطير ومزامير الفتن. ودعوات التمزق فيما ديننا الحنيف دين توحيد وتوحد…! وهل من الإيمان أن ندخل الشهر الكريم الذي تتصفد فيه الشياطين بأمر الله تعالى، ونحن نصد وجوهنا عن بعضنا، ونقاطع دعوات الحوار، ونمتطي انفعالاتنا وأمواج غضبنا مغترين بأنفسنا، والحريات الموهوبة لنا فيما ديننا يأمر بإصلاح النفوس والتسامح وإشاعة المحبة.

وهل من الإيمان إن ندخل الشهر الكريم ونحن نصنف بعضنا البعض إلى مسميات عنصرية مناطقية ومذهبية ونتخذ من بعض معاناة شعبنا ذريعة للتنابز بالألقاب، وقذف الذمم، وهدر الدماء، فيما الخالق من علياء سمائه نهى في كتابه الحكيم ( ولا تتنابزوا بالألقاب بئس الأسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فاولئك هم الظالمون)، وهو القائل أيضاً ( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا)، فما بالكم ونحن نسل أمة واحدة، وشعب واحدة، وأول من قدم على المصطفى صلى الله عليه وسلم للمصافحة، ولنا باع في المصالحة بين المسلمين الأوائل.

إننا أينما نشد رحالنا، ويعرف الناس بأننا أهل اليمن، يبادروننا بالقول بأن اليمن أصل العرب، و مهد العروبة، وأهل إيمان وحكمة، ويفاخرون بكل ذلك في الوقت الذي يحاول بعض أهلنا في الوطن أن يحرم شعبنا من تلك الفضيلة بطيشه وسوء تفكيره وتدبيره أو بغروره، منجراً وراء بعض المطامع الدنوية الدنيئة التي تعمي بصائره عن رؤية ما يلحق بالناس من أذى، وضرر، وضيق معيشة جراء ممارساته الرعنة الهوجاء التي لا تسمن ولا تغني من جوع، وإنما هي ضرب من المتاجرة الرخيصة بالناس، باستغلال سذاجة البعض وجهل البعض الآخر وغفلة آخرين عن حقيقة النوايا.

إن من الحكمة لأهل الحكمة والإيمان أن يقفوا على عتبات الشهر الفضيل بشيء من المراجعة للنفس، وما هي عليه من سلوك وممارسة، إذ يقول الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم ( الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني)، فليس ما يرجوه المرء يأتي بالتمني والممارسات المزاجية، وإنما ياتي بالحكمة وحسن تدبير الأمور، و صلاح العمل، فالفعل الخبيث لا يأتي إلا بالخبيث، والفعل الصالح لا يأتي بطالح مهما طال رجاء البعض فيه..!!
إن الدخول إلى الشهر الفضيل لا بد أن يكون دخولاً مهيباً لائقاً بمن هويته الإسلام وقدوته النبي المصطفى محمد بن عبدالله، صلى الله عليه وسلم، معلم البشرية بقيم التراحم، والتكافل، والمحبة، والوئام، والتسامح، فرمضان شهر جعله الله رحمة للمسلمين.

* عضو الامانة العامة للمؤتمر الشعبي العام –
رئيس معهد الميثاق للتدريب والدراسات والبحوث