الصومال تحترق بين الصمت الدولي والاقتتال الداخلي
الثلاثاء, 04-أغسطس-2009
سقاف عمر السقاف - لا أعتقد أن رئيس مكتب نييورك تايمز في شرق أفريقيا جيفري غيلتمان أخطأ عندما وصف الصومال بأنها أخطر بلد في العالم، فالصومال حسب غيلتمان "دولة لا تحكمها سوى الفوضى؛ وبسبب أخفاقات السياسات الخارجية، لم يشهد هذا البلد طوال العشرين سنة الماضية سوى ستة أشهر من السلام . والآن فيما تهدد الفوضى اللامتناهية السائدة في البلد بالأنتشار في المنطقة بأسرها يكتفي العالم من جديد بمشاهدته يحترق".

صمت مطبق
والواقع أن ما يدعو للقلق والأستغراب في آن هو حالة العجر والشلل التامين التي أصابت المجتمع الدولي والإقليمي إزاء الوضع المأساوي في الصومال، فالكل يدعو إلى دعم ومساندة السلطة الإنتقالية بقيادة شيخ شريف شيخ احمد الذي انتخب رئيساً للصومال مطلع يناير الماضي في مواجهة القوى الإسلامية المتطرفة، ولكن لا احد يتحرك على الأرض، وهذا ما دفع شيخ شريف مؤخراً إلى إبداء أمتعاضه وصدمته من عدم تجاوب دول الجوار الأقليمي مع طلب رئيس البرلمان الصومالي منها أرسال قوات عسكرية بشكل عاجل إلى الصومال، وذلك للحيلولة دون سقوط السلطلة الإنتقالية بيد الجماعات الإسلامية المتطرفة. وفي المقابل حذرت الفصائل الصومالية المعارضة دول الجوار من مغبة التدخل في الشأن الصومالي مهددين بنقل المعارك إلى عواصم الدول المجاورة في حال تدخلت هذه الدول في الشان الصومالي الداخلي. وفي هذا الصدد أعلنت الحكومة الصومالية فرض حالة الطوارئ والأحكام العرفية في البلاد نظراً لتدهور الوضع الأمني، وقد بررت الحكومة هذا القرار بأن سيادة البلد باتت في خطر، وأن الإرهاب والتطرف بلغا حدهما ،مما يستدعي أتخاذ خطوات حاسمة لمنع سيطرة فصائل المعارضة على البلد، خصوصاً وأن المعارك بين القوات الحكومية المدعومة بقوات حفظ السلام الإفريقية، وبين الفصائل المعارضة تدور على مقربة بضعة كيلو مترات من القصر الرئاسي.

صـــراع لا ينتهي
على خلفية أتفاق جيبوتي الذي وقعته الحكومة الإنتقالية السابقة، وتحالف إعادة تحرير الصومال المعارض (جناح جيبوتي) مع القوات الأثيوبية منتصف العام الماضي، والذي بموجبه تم خروج القوات الأثيوبية من الصومال أواخر ديسمبر الماضي، دب الخلاف بين صفوف المقاومة الإسلامية وانقسمت بين جناحي أسمره وجيبوتي، فالجناح الأول بقيادة الشيخ / حسن طاهر أويس رئيس الحزب الإسلامي المعارض للحكومة الانتقالية الحالية يرى أن أتفاق جيبوتي وقتها قدم طوق نجاة للقوات الأثيوبية التي كانت غارقة في المستنقع الصومالي، كما أن الاتفاق حسب أويس حمل أشارات ضمنية تدين المقاومة،فضلاً عن انه لا يؤمن أصلاً بالتوافق مع الحكومة التي استدعت قوات أجنبية لاحتلال الصومال، كما أن الاتفاق لا يجوز سياسياً ووطنياً بحسب اويس، فتحرير الصومال لا يتم إلا بالمقاومة، من جهة أخرى يعتقد أويس أن الصومال هو ساحة مواجهة للنفوذ الأثيوبي والغربي الأمريكي في المنطقة، و الصومال يجب أن يحكم وفق رؤيا أسلامية، ولا نهاية للحرب إلا بتأسيس سلطة إسلامية. 

وفي المقابل فإن جناح جيبوتي بقيادة شيخ شريف كانت لديه رؤية تختلف عن جناح أسمره فيما يتعلق بالاحتلال الأثيوبي، وهذه الرؤية تقوم على أساس اعتماد إستراتيجية تقوم على فكرة تكوين أجماع وطني واسع التمثيل لتحرير الصومال وبأقل قدر من الخسائر، وأيضاً تجنب الدخول في معارك طويلة تطيل أمد المعركة، بالإضافة إلى النأي بالصومال عن دوامة الصراع الأثيوبي – الإريتري قدر الإمكان، كما أن العداء للولايات المتحدة الأمريكية في هذه المرحلة ليس من مصلحة الصومال. وإزاء هذا الانقسام الحاد في الرؤى والمواقف بين أطراف المقاومة الإسلامية كان متوقعاً بعد انسحاب القوات الأثيوبية أن يشهد الصومال مرحلة جديد ة من الصراع الدامي بين أصدقاء الأمس وأعداء اليوم.

المستنقع الصــــومــالي
الذي يعرف الداخل الصومالي تماماً ويعرف طبيعة المجتمع هناك، سيدرك أن الصوماليون حساسون جداً حيال أي تدخل خارجي في شئونهم الداخلية. فالمجتمع الصومالي عادة ما ينقسم على نفسه لكنه سرعان ما يتوحد عند مواجهة أي عدو خارجي، وقد أكدت التجارب التاريخية للتدخل الخارجي في الصومال صعوبة المهمة ، فالمستنقع الصومالي على ما يبدو أكثر ضحالة مما ضنته بعض الأطراف الإقليمية والدولية، والفشل كان الحليف الأول لكل الأطراف التي حاولت التدخل في الشأن الصومالي سواء في الماضي البعيد أو القريب.

ومن المعلوم أن الولايات المتحدة الأمريكية كانت أول المقدمين على التدخل في الشأن الصومالي، وكان ذلك عقب انهيار الدولة المركزية في العام 1992، وحينها حاول الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الأب إرسال الآلاف من مشاة البحرية الأمريكية لحماية شحنات الأغذية المقدمة من قبل الأمم المتحدة للصومال، وكان ذلك الوقت بداية حقبة ما سمي بالنظام العالمي الجديد عقب انهيار الاتحاد السوفيتي وبروز الولايات المتحدة كقوة عظمى دون منافس، ولكن تبين فيما بعد أن الصومال كانت الاختيار الأسوأ لهذا التدخل.
في الواقع لم يحسن الرئيس بوش ومستشاريه فهم طبيعة العشائر الصومالية، وأن الصوماليون مهما انقسموا يضلوا أوفياء لقادة عشائرهم. وقد تعلمت الولايات المتحدة الأمريكية هذا الدرس القاسي عندما حاولت ألقاء القبض على أهم زعيم حربي في ذلك الوقت الجنرال (محمد فرح عيديد )، والنتيجة كانت الأحداث التي جرت في أكتوبر 1993، وحينها تدفق ألاف المسلحين الصوماليين إلى الشوارع حاملين قذائف صاروخية وأسقطوا طائرتين من طراز بلاك هو وقتلوا 18جندياً أمريكياً وسحبوا جثثهم في شوارع مقديشو . 

التدخل الثاني في الشأن الصومالي كان إقليميا من قبل أثيوبيا العدو التقليدي والتاريخي للصومال، وكان ذلك أواخر ديسمبر الماضي،فبحجة مساندة حكومة الرئيس الصومالي السابق عبدالله يوسف في مواجهة قوات تحالف المحاكم الإسلامية التي نجحت في فرض نوع من الأمن والاستقرار خلال ستة أشهر هي كل فترة حكمها للصومال ، دخلت القوات الأثيوبية إلى الصومال وتمكنت مع بداية المعارك من ألحاق هزيمة عسكرية بقوات المحاكم العسكرية وفي أقل من أسبوعين كانت القوات الأثيوبية متواجدة في العاصمة السودانية مقديشو . 

والواقع أن التدخل العسكري الأثيوبي في الصومال جاء بعد بروز المحاكم الإسلامية منتصف العام 2006 كقوة رئيسية مهيمنة على الساحة الصومالية، ما شكل تهديداً جسيما ًللحكومة الصومالية الموالية لأثيوبيا، بل أن الإثيوبيين رأوا في سيطرة المحاكم الإسلامية على الصومال خطر لا يهدد فقط نفوذهم داخل الصومال، وإنما يثير كذلك مخاوف سياسية وتهديدات تصل إلى الداخل الأثيوبي من جهة دعم جماعات إسلامية أثيوبية مناهضة لنظام أديس أبابا ، كما أن وجود حكومة قوية في مقديشو قد يفتح الكثير من الملفات الشائكة بين البلدين ، خاصة فيما يتعلق بالخلافات الحدودية حول إقليم أوجادين المحتل من قبل إثيوبيا. غير أن نشوة النصر السريع الذي حققته القوات الأثيوبية على الحاكم الإسلامية لم تستمر طويلاً، فسرعان ما استعادت المقاومة الإسلامية تجميع قواتها واندلعت المعارك مجدداً مع القوات الأثيوبية، ولكن هذه المرة كانت أشرس، وذلك بسبب انخراط طيف واسع من الصوماليين في مواجهة القوات الإثيوبية، فإلى جانب مقاتلين المحاكم أنظم مقاتلين من مختلف العشائر الصومالية للمقاومة ، وآخرين يمثلون قوى أسلامية لم تكن منضوية تحت لواء المحاكم، فضلا عن قوى جديدة ومختلفة تشكلت وتجمعت لمقاتلة الإثيوبيين، وتحت الضربات الموجعة والمتوالية التي تعرضت لها القوات الأثيوبية من قبل المقاومة الصومالية اضطرت هذه القوات للخروج من الصومال أواخر ديسمبر الماضي.

مثلث الرعب الصومالي
في ظل التردد الدولي والإقليمي بالتدخل في الشأن الصومالي وعدم قدرة الصوماليين أنفسهم من تحقيق مصالحة تاريخية حقيقية تخرج البلد من حالة التيه والحروب الأهلية والصراعات العشائرية التي سادت طوال العقدين الماضيين، يبدوا أن الوضع في الصومال مرشح للمزيد من التدهور، ولكن هذه المرة من غير المتوقع أن تقف الآثار السلبية والخطيرة لهذا التدهور في الداخل الصومالي أو عند الحدود الإقليمية للصومال .

فالخطر الحقيقي اليوم هو أن يتحول الصومال إلى مقر جديد لتنظيم القاعدة، ومن ثم الانطلاق من الصومال لتهديد كل المنطقة بما فيها حركة الملاحة الدولية في خليج عدن والمحيط الهندي. وفي هذا الإطار تحدثت بعض التقارير الإستخبارية عن أن الصومال بات ملاذاًَ آمناً لتنظيم القاعدة، وبعض هذه الوقائع نشرتها جريدة نيويورك تايمز الأمريكية في تقرير مطول أعده صحفيان متخصصان في شئون الإرهاب، ويشير التقرير إلى أنه مع تصاعد الأعمال القتالية في الصومال وبروز حركة شباب المجاهدين كأقوى فصيل جهادي مسلح في الصومال بدأت القاعدة توجيه أفرادها بالذهاب مباشرة ًإلى الصومال ، وبحسب التقرير فإن أدلة مبدئية تؤكد نية تنظيم القاعدة بالتوجه نحو الصومال كملاذ ومستقر لقيادات في الصفوف الأولى والمتوسطة في التنظيم . 

وفي هذا السياق أكد السيد مصطفى أبو اليزيد الرجل الثالث في تنظيم القاعدة في حديث مع قناة الجزيرة الفضائية أذيع مؤخراً عن وجود توافق بين تنظيم القاعدة وحركة الشباب المجاهد في الصومال، وكشف أبو اليزيد في هذه المقابلة أن القيادي في تنظيم القاعدة أبو طلحة السوداني الذي أستشهد العام الماضي أشرف على تدريب الكثير من المجاهدين في الصومال. ومن المعروف أن بعض القيادات البارزة في تنظيم القاعدة حرصت أكثر من مرة على تقديم النصح للشباب المجاهدين في الصومال وذلك عبر أشرطة مسجلة لقياديين في التنظيم من أمثال أبو يحيى الليبي ، وكذا أيمن الظواهري الرجل الثاني في التنظيم . 

والحال أن هذا التطور اللافت في مجرى الأحداث في الصومال ودخول القاعدة إذا ما صحت هذه التقارير على خط الصراع الساخن في الصومال ربما يؤشر إلى تطور نوعي في الصراع القائم هناك، وتحول هذا البلد إلى ساحة جديدة ومفتوحة للصراع بين تنظيم القاعدة والجهود الدولية لمكافحة الإرهاب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية .
وبطبيعة الحال فإن خطورة الوضع ستزداد في حال حدوث تحالف خفي أو معلن بين الجماعات الإسلامية المتطرفة وبين قراصنة البحر الصوماليون، خصوصاً وأن تطورا ًجديداً حصل مؤخراً أشارت إليه مجلة المشاهد السياسي في العدد 648 وهو أن حركة الشباب الإسلامية المتشددة في الصومال أعلنت وقوفها ودعمها للقراصنة ، لأنها تنكر على السفن الأجنبية الدخول في المياه الإقليمية للصومال، وهذا ربما يفسر الطفرة النوعية في عمليات القرصنة منذ مطلع العام الجاري . 

إذاً من الواضح أن الصومال اليوم يمثل بؤرة حيوية لزعماء الحرب، والقراصنة، والمتطرفين الإسلاميين ، أنه مثلث الرعب الذي بات القوة الفعلية في الصومال، وفي حال أستمر العجز التقاعس الإقليمي والدولي عن التدخل الإيجابي في الشأن الصومالي والقيام بمحاولة جادة من أجل إخراج هذا البلد من معضلة الحرب الأهلية والتناحر الداخلي فإن مثلث الرعب هذا لن يكون القوة الفعلية في الصومال وحدها وإنما في المنطقة برمتها.