الفكر العربي: الهروب للآخر والابتعاد عن الذات
السبت, 04-يوليو-2009
مأمون سليمان ناجي شحادة - خاض العرب في فترة ما قبل وبعد الحربين العالميتين الأولى والثانية وما بينهما صراعا فكريا من اجل إصلاح المنطقة العربية للنهوض بها إلى ما هو أحسن وفق فكرٍ جماعي خاضته الحركات الاشتراكية، والشيوعية، والثورية، والعسكرية، والعقائدية وغيرها ضمن اختلاف ايديولوجي، وليس نحو السير في خط واحد يتفق عليه الجميع ضمن إطار محدد في ظل تبني أفكار لا تتناسب مع واقع و خصوصية المنطقة العربية.

ففي ظل تلك الصراعات الايديولوجية، والاعتراف بيانيا ان المنطقة العربية غير مهيأة لتقبل تلك الأفكار، حيث يعود إلى التغييب الذي شهدته المنطقة بجمودها الفكري آنذاك... حاولت تلك الحركات إصلاح الوضع، لكنها فشلت في ذلك "مع قليل من الانجازات على الساحة المصرية بعد ثورة يوليو" لان المجتمع العربي جمعاني في اطاره العام، وصعب ان يتقبل تلك الافكار الفردانية، لان تلك الافكار تحتاج الى عملية تطبيق جذري من اسفل الهرم، وليس من الرأس وفق عملية تصحيح حقيقية للموافقة ما بين النظرية والتطبيق، فان تلك الحركات كانت تحمل افكارا نظرية وتخوض الصراعات ضمن تلك النظريات بعيدة عن عملية تطبيقية تراعي المجال الاجتماعي لانجاح المجال التحرري.

ومن الظاهر ان الحركات الإصلاحية التي تغلفت بايديولوجية ديماغوجية وفق المصالح الشخصية "وهذا من خصائص المجتمع الجمعاني" مواجهة بعضها بعضا، كل يريد اقصاء الاخر، تمثل ذلك على الساحة المصرية في صراعها الدائر ما بين الاشتراكيين والبرجوازيين- انذاك- لاقصاء الاشتراكيين الداعين الى المساواة الاجتماعية والتي تتعارض مع الطبقة البرجوازية، وان الصراع الايديولوجي بين الاشتراكيين والشيوعيين والإسلاميين بشأن القومية العربية التي نادت بها الساحة العربية، والذي مثل اختلاف بينهما.

حيث ان الاشتراكية العربية التي تنادي بالقومية العربية تتناقض ايديولوجيا مع الشيوعية التي تنادي بالقضاء على الطبقات لاحلال الشيوعية في الوقت الذي عارض فيه الإسلاميون الجهتين لبناء امة إسلامية واحدة، مما يعني ان الصراع الفكري لم يبشر بولادة دولة عربية واحدة كما نادى بها القوميون والاشتراكيون مع العلم ان تلك الدولة "تسيمة" مجزئة وفسيفسائية منذ ألف عام تحت مسمى "الدولة القطرية" ضمن تغييب عربي، فخاضت الأمة معركتها التحررية من الاستعمار منادين بالوحدة للقضاء عليه وعلى مخلفاته مبتعدين عن الجانب الاجتماعي والاقتصادي.

وهذا يتبين من خلال الوحدة العربية ما بين مصر وسوريا، التي لم تنجح بسبب الفروقات الاجتماعية والايديولوجية بين القطرين، صحيح ان عبد الناصر أبدع في التصميم من اجل الوحدة ولكنه اخطأ في القياس الاجتماعي والاقتصادي ما بين القطرين "الاقطاعية والبرجوازية الصغيرة"، الذي أدى الى سقوط الجمهورية العربية المتحدة ملتفتين بعد ذلك الى ان الجانب الاجتماعي والاقتصادي مهم في بناء الدولة العربية.

ان الحركات الإصلاحية التي كانت تحمل ايديولوجية خارجية وبدعم من الدول الخارجية، التي لها مصلحة توسعية احلالية في تلك المنطقة العربية، يتبين ذلك من خلال الاعتراف السوفيتي في الكيان الصهيوني على ارض فلسطين، حينما ادرك السوفيت ان الافكار الشيوعية تنتشر بكثرة بين أوساط الإسرائيليين، حيث وجد السوفييت مصلحتهم هناك.

مع العلم انهم كانوا ينادون بتحرير الشعوب المقهورة والمستعمرة، ليتضح ان الايديولوجية المستوردة انما تمثل ايديولوجية المصالح في المنطقة، مصالحها الذاتية وليس مناصرة القطر المستهدف، ليظهر ان الفكر العربي فكرا بسيطا ذو جذور سطحية.

والدليل على ذلك هو وقوف أكثر الحركات الإصلاحية بجانب النازية عندما أعلنت عداءها لليهودية متناسين ان النازية تحمل فكرا استعماريا مثلها مثل البريطانيين والفرنسيين آنذاك، فامتزج الفكر التحرري المناهض للاستعمار مع الفكر الاري التوسعي الاستعماري، لتخرج معادلة فكرية نتاجها ان الفكر العربي فكرا هلاميا لا يثبت على نقطة ارتكاز معينة وليس له جذور عميقة، ولو ان النازية استغلت هذا التأييد العربي وقامت بنشر مبادئها في الوسط العربي لاعتنق العرب تلك المبادئ، مثلها مثل باقي الايديولوجيات المستوردة، ذلك لان العرب أصبحوا يتلقفون الأفكار والايديولوجيات مهما كانت أهدافها، بحجة مقاومة الاستعمار لا غير.

من الواضح ان المنطقة العربية هي عبارة عن لعبة لتقمص الأدوار، بحيث أصبحت منطقة للصراعات الدولية، وتصفية الحسابات والأوراق في خضم خوض المفكرين العرب عدة نماذج من تلك الدول المتصارعة من اجل التحرر من الاستعمار، وتنمية البلاد وفق مقولة "كمن يخض الماء ليصنع لبنا" لتعميق الصراع بين الأجيال العربية، ما بين جيل قديم "تقليدي" وجيل جديد "تغييري" أدى الى انقلابات عسكرية أزاحت الجيل القديم واتت بجيل جديد وباستعمار جديد، حيث سادت فيه لغة الانقلابات المتعددة بين الحركات الإصلاحية.

وهذا كان واضحا على الساحة السورية لتبقى المنطقة العربية في مخاض صعب لبناء المجال السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي، ذلك لان من أساسيات المجال السياسي انه يتطلب مجالا اجتماعيا ذو مسؤولية فردية مبنية على الواجب، وان تحقيق المجال الاقتصادي والمجال الاجتماعي ضمن المجال السياسي "التحرري" يتطلب اطلاق الحريات التي تمثل المصلحة ما بين الأفراد.

وإن نشاط الحركات الإصلاحية ما بين النظرية والتطبيق، كان من الواجب أن تراعي أن المجال الثقافي هو مجال يؤدلج المجال السياسي، والاقتصادي والاجتماعي، يؤثر ويتأثر بها من خلال إنتاجها الفكري "ينتجها ويمنتجها"، وإن جميع المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، تتجلى في الإطار الثقافي لبيئة المجتمعات، الذي يتمثل من خلال صراع الزمن مع الجغرافيا، في تغيير المستوى الثقافي "الفلسفة والفكر" من مرحلة معينة إلى أخرى، فهنالك فرقا واضحا ما بين النظرية والتطبيق في نهضة المجتمع مما أدى إلى خسارة العامل الزمني، وضياع العامل الجغرافي للمنطقة العربية.

المصدر:
          العرب أونلاين