ماذا في اليمن... هل الوحدة مهددة؟
الثلاثاء, 26-مايو-2009
خيرالله خيرالله - ماذا في اليمن، هل صحيح أن الوحدة، التي عمرها تسعة عشر عاماً، مهددة؟ قبل كل شيء، لا بد من الاعتراف بأن اليمن، مثله مثل أي من البلدان الفقيرة في المنطقة يواجه صعوبات داخلية مردها إلى الهبوط المفاجئ لأسعار النفط. يواجه اليمن وضعاً فريداً من نوعه على الصعيد العالمي بسبب أسعار النفط. يعود ذلك إلى أن اليمن ليس بلداً مهماً على الصعيد النفطي، لكن لديه من الانتاج ما يكفي لسد حاجاته الداخلية، وتصدير كمية صغيرة من الذهب الأسود بما يعوّض جانباً من العجز في الموازنة. جاء الهبوط الكبير المفاجئ لأسعار النفط ليوجه ضربة إلى الاقتصاد اليمني الذي يعاني أصلاً من مشاكل كبيرة عائدة إلى الزيادة الكبيرة في عدد السكان، وقلة الموارد الطبيعية في دولة عريقة ذات حضارة قديمة لم تدخل القرن العشرين إلا في السادس والعشرين من سبتمبر من العام 1962، لدى سقوط النظام الإمامي الذي كان يصرّ على عزل اليمن عن العالم. 

من يعرف اليمن منذ نحو ربع قرن، يدرك أن التحديات التي تواجه البلد كثيرة. يضاف إلى الأزمة الاقتصادية التمرد الحوثي في الشمال، وهو تمرد صار عمره نحو خمسة أعوام، يبدو كل يوم أن إيران ليست بعيدة عنه، وتململ في بعض المناطق الجنوبية. اتخذ التململ في الأشهر القليلة الماضية طابع مواجهات بين مجموعات باتت تدعو علناً إلى الانفصال من جهة والسلطة المركزية من جهة أخرى. ساهمت كل هذه العوامل في عودة اليمن إلى الواجهة. وزاد الوضع تعقيداً النشاط المتزايد لإرهابيي «القاعدة» الذين صاروا يركزون على اليمن أكثر في ضوء اضطرارهم إلى مغادرة العراق. عسى تجدد الاضطرابات في باكستان وأفغانستان يحمل هؤلاء الإرهابيين على الأنصراف، ولو بعض الشيء عن اليمن، وعدم الرهان على الاستفادة من المتاعب التي يخلقها الحوثيون للسلطة في صعدة، والمناطق القريبة منها، وما يسمى «الحراك السلمي الجنوبي» الذي لا يبدو سلمياً إلى حد كبير. 

هل يدرك التحرك الذي تشهده بعض المحافظات اليمنية أن الأزمة الاقتصادية التي تضرب العالم لا يمكن أن تؤسس لسياسة تبني مؤسسات لدولة؟ كل ما يمكن أن يؤدي إليه تحرك من هذا النوع هو الاساءة إلى مؤسسات الدولة لا أكثر، وإلى اليمنيين أنفسهم بشكل عام.
كان الرئيس علي عبدالله صالح واضحاً في التحذير الذي وجهه في الخامس والعشرين من أبريل الماضي والذي تحدث فيه صراحة عما يمكن أن يحل باليمن في حال المساس بالوحدة. قال بالفم الملآن أن اليمن مهدد بـ «الصوملة» و«العرقنة». بكلام واضح، قال أن اليمن لن يكون دولتين مستقلة كل منهما عن الأخرى كما كانت عليه الحال قبل العشرين من مايو 1990، بل هو مرشح لأن يصبح دولاً عدة، بعد سلسلة من الحروب الداخلية ليس معروفاً كيف تبدأ كما ليس معروفاً كيف يمكن أن تنتهي، أو متى يمكن أن تنتهي. 

المثال الصومالي ماثل للعيان. منذ العام 1991 والصومال في حروب داخلية ومن دون حكومة مركزية قادرة حتى على السيطرة على العاصمة مقديشو. جرب الأثيوبيون حظهم أخيراً وأرسلوا قوات للمساعدة في إعادة تكوين السلطة، لكن الفشل كان حليفهم فاضطروا إلى الانكفاء. 

لا يمكن تجاهل المشاكل التي تواجه اليمن. ولكن لا يمكن في الوقت ذاته تجاهل ما حققته الوحدة لليمن رغم حصول أخطاء كثيرة من هنا أو هناك أو هنالك. لا يجوز تحميل طرف واحد المسؤولية. ولا يجوز التصرف بعيداً عن الأسباب التي أملت تحقيق الوحدة. كانت الوحدة نتيجة مباشرة لسقوط النظام الماركسي في الجنوب الذي كان نتاجاً للحرب الباردة. لم يسقط النظام في الجنوب في العام 1990 عندما هرب إلى الوحدة، إنما سقط في العام 1986 حين حصلت حرب داخلية بين القبائل الماركسية. 

وقتذاك، خرج الرئيس السابق علي ناصر محمد من السلطة وأقام في صنعاء. لم يحل خروج علي ناصر أي مشكلة من مشاكل النظام في الجنوب لسبب في غاية البساطة مرده إلى أن الاتحاد السوفياتي، الذي بدأ ينهار في تلك المرحلة، لم يعد قادراً على ضبط اللعبة بين الأطراف المتصارعة في الجنوب، كما لم يعد مستعداً للاستثمار في بلد حوله موطئ قدم له في شبه الجزيرة العربية. كل ما في الأمر أن الوحدة أنهت النظام في الجنوب وأنقذت أهل النظام بدل أن يدخلوا في حروب لا تنتهي في ما بينهم. 

مرة أخرى، هذا لا يعني أنه لم تحصل أخطاء على صعيد كيفية التعاطي مع قضايا معينة تهم المواطنين في الجنوب والشمال والوسط. ولكن يبقى في الذكرى التاسعة عشرة للوحدة اليمنية أن لا بديل عنها في أي شكل. ثمة حاجة إلى مراجعة كل طرف لمواقفه، والعودة إلى لغة المنطق لا أكثر ولا أقل. اليمن ليس في وضع ميؤوس منه، خصوصاً إذا فهم العرب القريبون منه أن مساعدته اقتصادياً هي بمثابة مساعدة لهم أيضاً. 

ليس مسموحاً أن تستمر هذه الهوة بين اليمن ودول مجلس التعاون الخليجي. اليوم قبل الغد، لابد من خطة شاملة تساعد في تهدئة الوضع الداخلي في اليمن، وتوفر مساعدات للمجتمع في الوقت ذاته.
هناك سؤال في غاية البساطة... من يضمن بقاء الجنوب موحداً في حال تعرضت الوحدة لأي هزة؟ الوحدة ضمانة للجميع، لكنّ الكلام عن اللا مركزية لابد أن يتحول إلى أفعال على الأرض. وهذا في حاجة إلى هدوء، وإلى إعادة كل طرف من الأطراف النظر في حساباته بعيداً عن روح المغامرة التي لا تفيد أحداً، بدليل ما حصل في حرب صيف العام 1994 عندما قرر «الحزب الاشتراكي» إعادة النظر في الوحدة! ليس مطلوباً إعادة النظر في الوحدة بمقدار ما أن المطلوب البحث في كيفية اخراج اليمن من سوق المزايدات التي لا تصب سوى في الشرذمة. هل من مصلحة لليمن في الشرذمة، هل من مصلحة خليجية وعربية في ذلك؟