علي عبد الله صالح..جامع الدهاء والحكمة
الأحد, 24-مايو-2009
أحمد الشريف - دق تحذير الرئيس اليمني علي عبد الله صالح من تشطير اليمن والعودة به إلى ما قبل الوحدة، أجراس الخطر على مستقبل الاستقرار الاجتماعي لهذا البلد، الذي قرر قبل 19 عاما من الآن تحقيق مصيره وجمع شطريه، ليكون بذلك الانجاز العربي الوحدوي الوحيد الذي عرفه الوطن العربي خلال تاريخه الحديث، وللإنصاف فإن الوحدة التي يحتفل اليمنيون بذكراها 22 مايو- أيار من كل عام، لم تأت ميسرة، بل جاءت نتيجة تضحيات جسام انتصرت على المؤامرات المحلية والإقليمية، واستطاعت أن تصمد كل هذا الوقت، وهي باقية إلى الأبد، لأن البديل مجرب ومعروف، البديل هو التشرذم والانقسام والغرق في بيئات الفقر والموبقات الاجتماعية، وهذا البديل لا يرضاه أحد لليمن إلا إذا كان خدمة لمصلحة خارج الحدود.

هذا المآل حذر منه الرئيس علي عبد الله صالح بعبارات صادقة، وفي أكثر من مناسبة، فالرجل يعتبر الأمين على هذه الوحدة، وهو بانيها ورافع قواعدها، وإذا كان وصف هذا القائد أوذاك بأنه باني بلد ما أو ملهم شعب، ضربا من النفاق والدجل، فإن ذلك يعود في جانب منه إلى اختلاط الحابل بالنابل بين قادة الدول، أما في حال علي عبد الله صالح فقد بنى هذا القائد بلدا ونجح فيما فشل فيه آخرون، وتكشف اطلالة سريعة على سيرته أن علي عبد الله صالح قد كرس كل جهوده من أجل تحقيق نهضةً شاملة في اليمن، كما أنه يعتبر بلا منازع مؤسس الدولة اليمنية الحديثة، وإضافة إلى تحقيقه حلم الوحدة، فقد كان وراء العديد من المنجزات التنموية الاستراتيجية منها، إعادة بناء سد مأرب العظيم، واستخراج النفط والغاز، تحقيق تنمية زراعية كبيرة، إقامة المنطقة الحرة بعدن بعد الوحدة.

ومنذ أن شب عن الطوق أظهر هذا الرجل ميولا وطنية، وتحفل سيرته بالعديد من المواقف سواء منذ كان بعيدا عن السلطة أو هو في طريقه إليها أو هو قائم بها، وأثبتت هذه السيرة أن هذا الرئيس قدم من رحم الشعب، حيث ولد بأسرة فقيرة عانت شظف العيش، يوم 21 مارس/آذار 1942 في قرية بيت الأحمر بمنطقة سنحان بمحافظة صنعاء، عمل راعيا للأغنام، وتلقى تعليمه الأولي في "معلامة" "كتاب" القرية، ثم ترك القرية عام 1958 ليلتحق بالجيش في سن السادسة عشرة.

التحق بمدرسة صف ضباط القوات المسلحة عام 1960 وشارك بأحداث ثورة 26 سبتمبر/أيلول 1963 ورقي إلى رتبة ملازم ثان، وشارك مع الثوار في الدفاع عن الثورة أثناء "حصار السبعين" عندما حاصر الملكيون صنعاء مدة 70 يوما ولكن الجمهوريين انتصروا في آخر الأمر.

بعدها التحق بمدرسة المدرعات عام 1964 ليتخصص في حرب المدرعات، ويتولى بعدها مهمات قيادية في مجال القتال في نفس التخصص.

عرف بأنه كان شجاعا ومناورا وخضع للمجازاة العسكرية عدة مرات دون أن يخاف، وأثارت شجاعته وجرأته إعجاب رؤسائه بالجيش فترقى في الرتب بسرعة.

في عام 1975 أصبح القائد العسكري للواء تعز وقائد معسكر خالد بن الوليد ما أكسبه نفوذا كبيرا ومثل الجمهورية العربية اليمنية "اليمن الشمالي آنذاك" في عدة محافل خارج البلاد.

بعد توليه مسؤولية أمن تعز عاصمة الإمام أحمد بن يحيى حميد الدين، وعاصمة الجمهورية العربية اليمنية الثانية، أصبح علي عبد الله صالح من أكثر الشخصيات نفوذاً في اليمن الشمالي، وارتبط بعلاقة قوية مع شيوخ القبائل أصحاب النفوذ القوي في الدولة كالشيخ عبد الله الأحمر رئيس مجلس النواب اليمني الحالي الذي كان على علاقة قوية ومباشرة بالنظام السعودي.

في 1974 وصل إبراهيم الحمدي إلى السلطة بأجندة ثورية جديدة رافعاً مبادئ مختلفة تنحو منحى قوياً نحو التصالح مع النظام الحاكم في جنوب اليمن، وتبنى رؤى اشتراكية للتنمية في اليمن الشمالي، والدفع في اتجاه الوحدة اليمنية، مما أدى إلى تقارب كبير مع النظام الجنوبي، والمد القومي العربي، كما أدى إلى ارتفاع شعبية الحمدي في الشارع اليمني الذي شعر بأن الحمدي يدفع اليمن نحو تنمية حقيقية تنعكس على المواطن العادي. نظام الحمدي كان ضربة حقيقية لنظام المشائخ القبلي في اليمن هددت باقتلاعه في فترة قياسية، كما أنه تهديد قوي للنظام السعودي الذي اعتاد تبعية نظام الشمال له خصوصاً مع تمرد الحمدي ودعوته لاستعادة الأراضي اليمنية التي استولت عليها السعودية.

في 11 أكتوبر 1977 قُتل إبراهيم الحمدي وشقيقه في ظروف غامضة عشية سفره إلى الجنوب لأجل توقيع اتفاقية بشأن الوحدة اليمنية، وسُجلت القضية ضد مجهول.

خلف أحمد الغشمي الحمدي في رئاسة الجمهورية العربية اليمنية لأقل من سنة واحدة، ومن ثُم قُتل هو بدوره في مؤامراة غير واضحة الأبعاد بتفجير حقيبة مفخخة أوصلها له مبعوث الرئيس الجنوبي سالم ربيع علي، ليعقبه سالم ربيع في القتل بعد أشهر بتهمة اغتياله رغم تعهده بالانتقام من قتلته، وبعد أقل من شهر على مقتل الغشمي، أصبح علي عبد الله صالح عضو مجلس الرئاسة رئيس الجمهورية العربية اليمنية بعد أن انتخبه مجلس الرئاسة بالإجماع ليكون الرئيس والقائد الأعلى للقوات المسلحة اليمنية، وجرى انتخابه لأول مرة يوم الـــ17 من تموز 1978 رئيساً للبلاد من قبل 75% من اعضاء مجلس الشعب التأسيسي الذي كان قائما حينها وذلك بعد أن رأى مجلس الشعب التأسيسي ان اليمن بحاجة الى شخص قوي لديه القدرة والكفاءة على خوض غمار التحدي ومواجهة الاخطار المحدقة بالوطن وابنائه ليستقربهم الرأي على علي عبدالله صالح الذي كان وقتها يشغل منصب قائد لواء محافظة تعز، وكانت اليمن تعيش اوضاعاً خطرة ومعقدة نتيجة حالة الفراغ السياسي التي نتجت عن جملة الاحداث والتطورات التي شهدتها البلاد في تلك المرحلة.

ولا تقام احتفالات رسمية بهذه الذكرى لأن الرئيس علي عبدالله صالح، المعروف بطبيعته المتواضعة، وبساطته، وقربه من الناس العاديين، لم يكن يوماً محباً او ميالا لمثل هذه الاشياء ولم يجعل من ذكرى تسلمه السلطة يوماً وطنياً للاحتفال والتباهي وتمجيد الذات، بل راح على مدى سنوات حكمه، يتعامل مع هذا الموضوع بصورة طبيعية على اساس انه من المسائل الشخصية برغم مايمثله من اهمية كبيرة بالنسبة للوطن اليمني، وما له من مكانة خاصة ورفيعة في نفوس اليمنيين الذين يعتبرون يوم الـــ17 من تموز 1978 يوماً تاريخياً مشهوداً له بالنسبة لهم كنقطة للتحول ومحطة للانطلاق نحو التنمية والبناء والاستقرار والامن والسلام.

ومنذ بداية تسلمه مهامه تعرض للعديد من القلاقل أبرزها في البداية محاولة الانقلاب الفاشلة التي قام بها ضباط ناصريون في الخامس عشر من أكتوبر عام 1978، وقد أظهرت هذه الحادثة من أي معدن هو علي عبد الله صالح، حيث أثبت في ذلك اليوم أنه أهل للمسؤولية فضلا عن تحليه بشجاعة نادرة، ومن ضمن ما يروى عنه أنه هبط أثناء الانقلاب المذكور بمروحيته بالمطار الذي استولى عليه الانقلابيون، مما جعلهم يعتقدون أنه قام بالقضاء على الانقلاب وأن قواته تحاصر المطار فاستسلموا.

ومنذ استقرار الوضع له سن الرئيس صالح سياسة تنموية شاملة تهدف إلى النهوض باليمن الشمالي حتى الوحدة مع الجنوب وإلغاء حال الانفصال، وهو ما تحقق في 22 مايو- أيار عام 1990، وأصبح هذا اليوم يوما وطنيا عظيما يحتفل به اليمنيون والعرب أيضا.

وقد واجهت الوحدة اليمنية في سنواتها الأربع الأولى هزة عنيفة جعلت مصيرها على حافة الانهيار، عندما بدأت المناوشات في ابريل-نيسان 1994 في وادي دوفس بمحافظة أبين الجنوبية، ومن ثم تفجرت حرب دموية شرسة، عُرفت بحرب الإنفصال، أو حرب الألف ساعة والبعض يرفض تسميتها انفصال ويفضل مصطلح انحلال لان الوحدة تمت بين دولتين تتمتعان بالسيادة ومن ثم ليس انفصالا بقدر ما هي عودة للوضع السابق.

لكن ذلك لم ينجح، وتم في السابع من يوليو 1994 إعادة تحقيق الوحدة، وأصبح علي عبد الله صالح الرئيس اليمني -بعد أن كان رئيس مجلس الرئاسة- في أكتوبر 1994، وأصبح عبد ربه منصور هادي الذي ساعد في إخماد حركة الانفصال الجنوبي النائب الجديد للرئيس اليمني، ولا يزال حتى الان.

ويرفض صالح الإقرار بخطر الإنفصال على بلاده، أو بتبعات حرب 1994 المدمرة على بلاده، فبعد حرب الإنفصال، أُعيدت صياغة المشهد السياسي اليمني بكامله.

كما واجه صالح بحنكة سياسية نادرة التمرد الذي قاده في محافظة صعدة حسين بدر الدين الحوثي عام 2004، الذي قتل في إحدى المعارك، وبقيت هذه الحرب مشتعلة إلى حدود 2007، عندما تم التوصل إلى اتفاق أنهى التمرد بوساطة قطرية.

وعلى مدى قرابة ثلاثة عقود أمضاها الرئيس صالح في السلطة يجمع المراقبون والمحللون السياسيون على أن الرجل اثبت مهارته وحنكته السياسية منذ اللحظة الاولى لوصوله الى السلطة وهو لا يزال منذ ذلك الوقت في سدة الرئاسة.

ورغم تعدد إنجازاته الا ان الوحدة اليمنية تبقى هي أهم انجاز حققه حيث أصبح رئيسا لليمن الموحد بعد جهوده السياسية التي بذلها باتجاه دمج الشطرين في العام 1990 وقام الرئيس صالح بترسيخ هذا المنجز الكبير حينما تمكن بعد أربع سنوات من إعلان الوحدة اليمنية من الحفاظ على وحدة اليمن بعد نجاحه في سحق محاولة جنوبية للانفصال وأتاح له هذا الانتصار السعي الى اطلاق مسار ديمقراطي متنام حيث فتح جميع الابواب والنوافذ أمام مبادئ التعددية السياسية ومبادئ الحريات الصحفية كما نظم انتخابات تشريعية العامين 1993 و1997 إضافة الى انتخابات رئاسية في1999 وهو ما جعله يستحق في ديسمبر 1997 قرار البرلمان اليمني بترقيته الى رتبة مشير تقديرا لدوره "التاريخي والوطني في إقامة اليمن الجديد".

وبرزت مهارات صالح على صعيد نجاحه الفائق في انتهاج سياسة خارجية متميزة وتميزه في تعزيز علاقات اليمن بكل الدول العربية والاقليمية وبالنظام العالمي حيث كانت سمعة اليمن السياسية والدبلوماسية في الماضي لا تكاد تذكر لكنه تمكن من خلال سياسة خارجية نشطة ومتفاعلة من الدفع بتواجد اقليمي ودولي اكبر لليمن كما استطاع ان يقود بلاده الى علاقات قوية ومتميزة مع دول الخليج والولايات المتحدة من خلال ترسيم الحدود مع سلطنة عمان والسعودية ودولة اريتريا وبهذا يكون قد اوجد الامن والاستقرار لليمن كما انه تمكن من تجنيب اليمن غزوا امريكيا كان محتملا بعد ضرب المدمرة كول في أكتوبر- تشرين الثاني عام 2000، وليس هذا فحسب بل استطاع ان يبني العلاقات بين بلاده وبين واشنطن الى درجة غير عادية بعد ان اصبح اليمن حليفا للمجتمع الدولي في الحرب على الارهاب.

ومن جهة أخرى جعل الرئيس علي عبد الله صالح اليمن في قلب القضايا العربية، واتبع سياسة منحازة إلى الحقوق العربية في فلسطين والعراق ولبنان، ويذكر إليه في هذا السياق مبادرته لحل الخلاف الفلسطيني بين حركتي "فتح" و"حماس"، وهي المبادرة التي تبنتها الجامعة العربية، وأوصت بالعمل لها، كما عمل علي عبد الله صالح جاهدا من أجل المصالحة بين اللبنانيين بعد تفجر الأزمة السياسية في هذا البلد عقب اغتيال رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري.

هذه المواقف، لا يتفرد بها الرئيس علي عبد الله فقط، بل هي ترجمة فعلية لما يعتمل في صدور اليمنيين من اعتزاز كبير بالانتماء إلى أمتهم، وهذا الشعور الصادق لا يحتاج إلى برهان، فرغم الامكانيات المحدودة لهذا البلد لم يبخل اليمنيون بالمساعدة عن الأشقاء العرب، إذ توجد على أراضيه آلاف اللاجئين العرب خصوصا من العراق وفلسطين، والصومال أيضا، دون أن يشعر هؤلاء بالغربة.

وعلى الصعيد الاقليمي تمكن الرئيس صالح من وضع اليمن على بداية طريقها باتجاه الاندماج ضمن اطار المنظومة الخليجية واسفرت جهوده عن ضم اليمن جزئيا في بعض منظمات مجلس التعاون الخليجي وفي خلق مشروع يمني خليجي مشترك باتجاه تأهيل اليمن للإندماج مع المنظمة الخليجية بعد أن تمكن بحكمة واقتدار من تجاوز أزمة سنوات الأزمة التي سببها الغزو العراقي للكويت في 1990 وتلافي آثار طرد أكثر من مليون عامل يمني واستعادة الدعم الخليجي الذي كان اليمن قد حُرم منه.

سيرة الرئيس اليمني على عبد الله صالح تكشف أن هذا الرجل يمتلك من الدهاء بحجم الواقع المعقد الذي يسود اليمن، فما حققه من نجاحات من الصعب على أكثر مناوئيه جحودها، وحتى إن أخفق في بعض الجوانب، فذلك يعود إلى تقلبات المنطقة والتطورات الراهنة في المنطقة والإقليم، ومن السهل على أنصف المراقبين أن يعترف بأن اليمن يقع في بؤرة توتر متضخمة أمنيا، فمن أوضاعه المضطربة نسبيا في الداخل، إلى محيطه الملغوم بالنزاعات، خصوصا في الصومال والسودان، زادته حدة تنامي نشاط القرصنة التي ضربت ممرا رئيسيا للتجارة العالمية يستفيد منه اليمن الكثير لتنمية اقتصاده النامي. 

المصدر العرب أونلاين