التيار الجهادي في السعودية وتجارب الحوار والمُصالحة
الثلاثاء, 12-مايو-2009
نواف القديمي - اجتاحت السعودية موجة عنف بداية من عام 2003رغم اختلاف تجارب التيارات الجهادية في العالم العربي من حيث النشأة والتكوّن، وروافد تشكيل الفكر، والظرف السياسي المحلي لكل بلد، ومن حيث مدى اقتراب أو ابتعاد الفكر الجهادي عن الأرضية الفكرية السائدة في ذاك المجتمع.. إلا أن غالب التيارات الجهادية في العالم العربي تتلاقى في مناطق مشتركة، أهمها الاستناد إلى مرجعية سلفيّة في التعاطي مع النص الشرعي، وصرامة المُحدد العقدي، وفي نمط التعامل مع المخالفين.

في مسمى السلفية
تشير مفردة (السلفيّة) في الوسط المعرفي إلى عدة دلالات؛ فهي تُستخدم أحيانا للإشارة إلى منهجية الاتكاء المرجعي على التراث، أي تراث، ويُضادّها وفق هذا التعريف مفردات: (تقدمي)، و(طليعي)، و(تحديثي)، وغيرها، بحيث يُمكن إطلاق صفة (السلفيّة) على من يقف خارج إطار الفِكرة الإسلامية، فيُقال مثلا: (ماركسي سلفي)، أو (قومي سلفي)، أو (إسلامي سلفي)... إلخ، ويُقصد بهذا الوصف الإشارة إلى من يلتزم بالأقوال المؤسِسة في المذهب أو المدرسة أو الحِزب الذي ينتمي إليه، ولا يميل إلى الرؤى الاجتهاديّة التجديديّة.
وفي منحى آخر، يستخدم بعض الباحثين مُفردة (السلفيّة) في إشارة إلى كل التيارات والمدارس والحركات الداخلة في الإطار الإسلامي؛ فهم يعتبرون أن كل (إسلامي) هو (سلفي) بالضرورة، باعتبار ارتباطه بنص مؤسس قديم هو (الكتاب والسنّة)، بحيث يُمثِّل هذا النص نقطة ارتكاز ومحور إجماع لدى كل التيارات الإسلامية، من أقصاها إلى أقصاها.. وبهذا المعنى تكون كل التنوّعات الفكريّة والحركيّة الإسلاميّة، كجماعة الإخوان بمدارسهم، والتيارات السلفية التقليدية والحركيّة، وجماعة التبليغ، وحزب التحرير، والحركات التي تجاوزت الأطر التقليديّة للإخوان، كحزبي (العدالة والتنمية) التركي والمغربي، و(النهضة) التونسي، و(الوسط) المصري، وغيرهم، فكل هذه التيارات والحركات هي سلفيّة صميمة، وإن تبايناتها لا تعدو أن تكون مجرد تنوعات داخل الإطار السلفي.
إلا أن لمفردة (السلفيّة) في الداخل الإسلامي دلالات أكثر تحديدا؛ بحيث تخرج من دائرتها كثير من الحركات والأحزاب والجماعات الإسلامية.. فهي تُشير باختصار إلى المدرسة الفكريّة التي تُمثِّل الامتداد الطبيعي لمدرسة أهل الحديث، من حيث المُحدد العقدي التفصيلي، ومن حيث طبيعة التمحور حول النقاء العقدي في التعامل مع المُختلفين داخل الصف الإسلامي، ثم من حيث الاعتماد على مرجعية السلف في التعاطي مع كل القضايا الفقهيّة، حتى تلك المُستجدّة والحادثة، بشكل لا يتم الخروج عن الآراء التي كانت سائدة عند السلف، وتُقاس المُستحدثات والنوازل على أصول سابقة، فإذا اختلف السلف على قولين فلا يجوز إحداث قول ثالث، وهكذا.. وهذا الاستخدام الأخير لمصطلح السلفيّة بات هو الأكثر شيوعا واستخداما في الأوساط الإسلامية وخارجها.

السلفية الجهادية والتقليدية
وتتنوع السلفيّة وفق التعريف الأخير إلى تيارات تقليدية متعددة ومجموعات حركية مختلفة، وبالطبع ثمة تداخل بين السلفيّتين (التقليدية) و(الحركية) في بعض المسارات، وبشكل يبدو أكثر وضوحا عند التيارات الجهادية، التي هي -في كثير من الأحيان- خليطٌ من حركيين وتقليديين.
وحين أشير إلى اشتراك التيارات الجهادية في المرجعية السلفية، فهذا بالطبع لا يعني أن كل (السلفيات) هي جهادية بالضرورة، بل ثمة تيارات سلفية سلميّة (تقليدية وحركية) ترفض العنف واقعيا -وإن كانت نظريا لا تستطيع تجاوز نزعات التكفير وتجويز الخروج على الحاكم إذا ما ارتكب كفرا بواحا، حتى لو جاء إلى السلطة بطريقة ديمقراطية- وتحافظ على قدر من الاستقلال والرشد في التعامل مع إشكالات الواقع.. إضافة إلى التيارات السلفيّة المُقرّبة من الحكومات والتي تعيش عادة في معطف السلطة، وتدور معها حيث دارت.
أحسب أن هذه الإشارة المقتضبة إلى السلفية ضرورية عندما يكون الحديث عن التيار الجهادي في السعودية، وتجارب الحوار والمصالحة والمناصحة معه؛ لأنها تشير إلى المناطق الواسعة للتلاقي، والأرضية المشتركة بين مجمل التيارات الإسلامية في السعودية -وليس كلها بالطبع- والتيارات الجهادية، من ناحية الاشتراك في طبيعة التراكم الثقافي، والمنطق التشريعي، والرؤية الواقعية للوضع السياسي، وإن كان ثمة اختلاف بينها حول شرعية العمل العنفي داخل البلاد الإسلامية وخارجها.

التيار الجهادي السعودي
ورغم بروز التيارات الجهادية وتناميها الواضح في سبعينيات وثمانينيات القرن العشرين في عدد من الدول العربية، إلا أنه لم يكن ممكنا الحديث عن وجود تيار جهادي في السعودية حتى أواخر الثمانينيات.. ما كان موجودا في السعودية قبل هذا التاريخ -واستمر بعده- هو مجموعات تكفيريّة ذات طابع تقليدي محض، ليس لها أي أفق سياسي، ولم تُمارس أي أعمال عنفيّة، بل كانت امتدادا طبيعيا لأحد اتجاهي المدرسة الوهابية التي شهدت بعد توحيد الدولة السعودية الثالثة تمايزا بين اتجاهين رئيسيين تمثلا في (سلفيّة تقليدية مُقرّبة إلى السلطة)؛ حيث تراعي الظرف السياسي والتزامات السُلطة تجاه المجتمع الدولي، وهو ما أجبرها على التخفف الواقعي من غلواء الإرث السياسي الوهابي.
و(سلفية تقليدية مُعارضة للسُلطة) حيث حافظت على صرامتها العقدية السابقة بشكل أدى إلى توسعها المفرط في تكفير الحكومات والأشخاص، وإن كانت هذه السلفية المعارضة ذات طابع انعزالي جعلها محدودة الحضور في المجتمع.
في بداية تسعينيات القرن العشرين وانتهاء تجربة الجهاد في أفغانستان التي ساهمت في تدريب وعسكرة مجموعات من الشباب السعودي المتدين، والاقتراب من تجارب الجماعات الجهادية في مصر وسوريا وعدد من الدول العربية الأخرى.. يمكن تسجيل أول ظهور لمجموعات إسلامية سعودية تقترب من الخط الجهادي، رغم أنها كانت في ذلك التوقيت لا زالت تتحفظ على ممارسة العنف داخل الدول الإسلامية، ولا تميل إلى تكفير الحكومات.
ولكن شهد منتصف التسعينيات وأواخره بداية التلاقي بين التيار الجهادي المتشكل حديثا، والتيار السلفي التقليدي الغالي في التكفير.. وهنا بدأ يتشكل التيار الجهادي السعودي بكامل تفاصيله؛ حيث أخذ عن التيارات الجهادية العربية تجاربها الحركية، وقدرتها على التنظيم، ووعيها السياسي، وموقفها الصارم من الحكومات، وأخذ عن السلفية التكفيرية المحليّة نزعات التكفير، والحضور الكثيف لتراث أئمة الدعوة النجدية، الذين يمثلون مدرسة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، إضافة لتعاطفها مع المخزون الثوري في كتابات سيد قطب.
ومنذ بداية تشكل السلفيّة الجهادية في السعودية بمنتصف التسعينيات، وحتى مايو 2003 -حيث بدأت أحداث العنف في السعودية- لا يمكن تسجيل أي بادرة حوار حقيقية مع التيار الجهادي في السعودية.. ومن أهم أسباب ذلك أن المخزون النظري للتيار الجهادي كان يتكئ بشكل كبير على الإرث الوهابي المتمثل في فتاوى ورسائل أئمة الدعوة النجدية؛ وهو ما يجعل أي طرف يسعى للحوار مع منظّري التيار الجهادي يقع في مأزق (مرجعية الإرث الوهابي)، فهو إن أقر -في حواره مع شيوخ الجهاديين- بمرجعية الوهابية كان التفوق النظري في صالح الجهاديين دون شك، وإن رفض مرجعية الوهابية ووصفها بالغلو فسيجعله ذلك في مرمى نيران كثير من التيارات الإسلامية المحلية -فضلا عن السُلطة- التي لا زالت تتكئ على مرجعية مدرسة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وترفض أي نقد لها.
وشكلت أحداث 11 سبتمبر 2001م عصرا ذهبيا للجهاديين في السعودية؛ حيث غدا التيار الجهادي بعد هذا (المُنجز الكبير) للقاعدة -والذي ألهب الخيال النضالي للشباب المتدين- في أفضل حالاته من ناحية تجنيد الشباب وحضوره الواضح في المواقع الإلكترونية والمنتديات الحوارية، ورغم هذا الحضور الكبير مهد المجتمع السعودي لأي حوارات جدية مع المنظومة النظرية للتيار الجهادي، باستثناء ما قامت به شخصيات مستقلة من حوارات محدودة وبأسماء مستعارة في منتديات حوارية.

مناصحة وسكينة
بعد موجة العنف والتفجير التي اجتاحت المجتمع السعودي بعد مايو 2003م، وما تلاها من ملاحقات أمنية حثيثة للجهاديين، حيث لم يمض عام إلا وغدا الغالبية الساحقة من أفراد التيار الجهادي إما في السجن أو تحت التراب، شهد المجتمع السعودي تجربتين منظمتين للحوار مع الفكر الجهادي.. أستعرضهما بشكل مقتضب فيما يلي:
لجان المُناصحة: بعد شهور من بدء أعمال العنف، وبعد أن قامت الجهات الأمنية باعتقال المئات من شباب التيار الجهادي -بعضهم مارس العنف بشكل مباشر، والبعض الآخر قدم خدمات لوجستية للمقاتلين- شكلت وزارة الداخلية السعودية لجانا أسمتها (لجان المناصحة)، وتتشكل هذه اللجان من متخصصين شرعيين وبعض الأطباء النفسيين؛ بحيث تم تشكيل (لجان مناصحة) في جميع المناطق السعودية التي تحوي معتقلين من الجماعات الجهادية أو المتعاطفين معهم.
وعمل هذه اللجان يدور وفق إطارين:
- الأول: إجراء حوارات مع المعتقلين بشكل منفرد تدور في الغالب حول مسألتين هما: (التكفير، ومشروعية أعمال العنف والتفجير)، بحيث يتم منحهم الوقت الكافي لسماع كل آرائهم ودوافعهم الشرعية والسياسية التي أدت بهم للانخراط في التيار الجهادي ومن ثم القيام بأعمال عنف أو تأييدها ومساندتها، والحوار معهم حول شرعية هذه الأفعال ومناقشة الاستشهادات الشرعية التي أوردوها.
- الثاني: عقد دورات تأهيلية للمعتقلين، يتم فيها عادة طرح الرؤى الشرعية للتعامل مع الواقع السياسي الحالي، ومحاولة تأهيلهم شرعيا ونفسيا واجتماعيا بهدف دمجهم في المجتمع، وإحداث قطيعة ثقافية مع الفكر المنتج للعنف.
وأعتقد أن هذه اللجان استطاعت إقناع شرائح من الشباب بعدم شرعية ممارسة العنف في المجتمع المسلم، ولكنها في تقديري واجهت عدة معوقات -خارجية وبنيوية- منعتها من إحداث تأثير حقيقي على الفكر العنفي عند معتقلي التيارات الجهادية، من أهمها:
- أنها تتبع وزارة الداخلية، وهي جهة تمثل موقف خصومة حاد مع الجهاديين؛ لذا فهي لا تحظى بقدر من المصداقية عندهم.
- أنها تتم داخل السجون، ولا شك أن جو الاعتقال لا يساعد على أن يبوح المعتقل بكل آرائه، بل ربما يسعى إلى أن ينفي عن نفسه بعض القناعات والمواقف خشية من أن تزيد لائحة اتهامه.
- أن الحوارات التي تمت لم تكن مع منظري التيار الجهادي، بل كانت مع مجموعات من الكوادر والأتباع، أي كانت حوارات مع شباب بسيط ثقافيا من الذين تم تجنيدهم من قبل القاعدة، أو ممن تعاطفوا مع أعمال القاعدة من خلال الإنترنت والمواقع الجهادية.

حملة السكينة
وكما بدأت لجان المناصحة بعد بدء أعمال العنف في السعودية في مايو 2003 بشهور، بادر باتجاه آخر -وفي ذات التوقيت- بعض طلبة العلم والمتخصصين في الشريعة بإنشاء مجموعة حوارية محدودة -سُميت فيما بعد بحملة السكينة- تتخصص في حوار المؤيدين للفكر الجهادي والمتعاطفين مع القاعدة؛ وذلك عبر وسيلة واحدة هي (الإنترنت).
وقامت هذه المجموعة في البداية برصد أكثر من مائتي موقع يساهم في ترويج الأفكار الجهادية بصورة أو بأخرى، بعد ذلك قام هؤلاء الشباب بإجراء حوارات مع بعض الناشطين في ترويج الفكر الجهادي عبر الإنترنت؛ وذلك في المنتديات الحوارية، أو عبر الماسنجر، أو في غُرف المُحادثة، وكانت هذه الحوارات تتم بأسماء مستعارة، بحيث لا يدري الشاب الجهادي المنخرط في الحوار أن محاوره هو أحد أعضاء حملة السكينة.
الحوارات التي دارت كانت في غالبها مع الشباب المجندين لفكر القاعدة والمتحمسين لترويج فتاواها ومواقفها عبر الإنترنت؛ وذلك بهدف تصحيح تصوراتهم وإقناعهم بعدم تأييد العمل العنفي، فضلا عن الانخراط فيه.. إلا أن هذه الحوارات شابهت ما قامت به لجان المناصحة من كونها لم تُحاور أيا من المنظرين الشرعيين للتيارات الجهادية.
وبعد بضعة شهور من بدء هذه الحوارات رأى القائمون على هذه المجموعة الحوارية أهمية إيجاد غِطاء رسمي لعملهم يساهم في توفير وسائل الدعم اللازم، ومنح القائمين على هذه الحملة تفرغا وظيفيا للقيام بمهام الحوار.. وقد تم ذلك بالفعل عبر تبني وزارة الشئون الإسلامية لهذه المجموعة التي صارت تُعرف فيما بعد بـ(حملة السكينة)؛ حيث صارت الحملة تتبع رسميا لوزارة الشئون الإسلامية، وأصبح الناشطون بها متفرغين تماما للعمل في هذه الحملة.
ولأن الحوار كان يتم بشكل كامل عبر أسماء مستعارة، استطاعت حملة السكينة -نسيبا- التحرر أكثر من فكرة الدفاع عن كل أقوال أئمة الدعوة النجدية، بل كان بالإمكان تخطئة بعضها.. وكانوا يلجئون أيضا إلى تجاوز بعض الآراء الحادة لأئمة الدعوة النجدية السابقين بمقارنتها بآراء العلماء المعاصرين الذين يُعتبرون امتدادا لمدرسة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، كالشيخ عبد العزيز بن باز، والشيخ محمد بن عثيمين، والشيخ صالح الفوزان؛ وذلك لأن آراء العلماء المعاصرين كانت تأخذ بالحسبان تغيرات الواقع السياسي وفق إرادة السلطة، لذا كانت لا ترى كفريّة بعض الأفعال التي كانت سابقا تستلزم التكفير عند أئمة الدعوة النجدية، (وبالذات تلك المرتبطة بالعلاقات الدولية والتحالف مع الغرب، أو ما يعده الجهاديون تشريعا للربا عبر شيوع العمل البنكي الربوي، وغير ذلك).
أيضا كان يتم اللجوء أحيانا إلى استخدام نموذج مُلِهم ومثالي عند الجهاديين، وهو نموذج دولة (طالبان).. حين يتم الحديث عن علاقة طالبان في نشأتها بالغرب والاستخبارات الباكستانية، وسعيها إلى الاعتراف الدولي بها.. وأن هذه الأفعال لطالبان لم يعتبرها الجهاديون (أفعالا كفريّة) رغم أنها تطابق ما تفعله بعض الدول العربية كالسعودية على سبيل المثال؛ مما يستلزم إما تكفير الجميع (طالبان والسعودية)، أو رؤية جواز فعل كليهما.

نجاح وإخفاق
أعتقد أن حملة السكينة نجحت بشكل أكبر مقارنة بالدور الذي قامت به لجان المناصحة من ناحية التأثير على الشباب المتعاطف مع فكر القاعدة؛ وذلك لأنها استهدفت ابتداء أشخاصا معنيين بالفكر، ومستعدين للحوار، ويكتبون آراءهم وأفكارهم في الإنترنت.. فيما كانت لجان المناصحة تحاور أحيانا أشخاصا تقنيين في العمل الجهادي؛ حيث لا تتجاوز أدوارهم مهام المساندة والدعم أو التفخيخ والقتال، أي أنها أدوار ميدانية لا فكرية.
كما أن اختفاء شخصية المحاورين عبر الإنترنت منحت محاوري حملة السكينة قدرا من المصداقية؛ لكون الشباب الجهادي الذي يحاورهم لا يعرف أن محاوريه ينتسبون إلى (حملة السكينة) التابعة لوزارة الشئون الإسلامية.. فيما كانت لجان المناصحة تعمل بشكل علني تحت رعاية وزارة الداخلية.
لقد حققت كلا التجربتين (لجان المناصحة وحملة السكينة) بعض النجاح المنشود من أجل تصحيح المفاهيم الشرعية، ونبذ العمل القتالي عند شباب الجماعات الجهادية، واستطاعت إقناع كثير من الشباب المجندين بالعدول عن فكرة العنف في التغيير.
لكن الحقيقة المهمة في هذا الاستعراض أنه لم يتم حتى الآن تفكيك المنظومة الشرعية والسياسية المنتجة للعنف، وأنه رغم النجاح الذي حصل في استعادة مجموعات من الشباب المنخرط في دائرة العنف، إلا أنه من ناحية الفكر لا يمكن الحديث أكثر من أنه تم تحقيق نجاح أمني في إسكات الصوت الشرعي للجهاديين، وليس نجاحا ثقافيا في إثبات عدم شرعية الآراء والشواهد والحجج التي يوردها الجهاديون في تنظيرهم لشرعية أفعالهم.
ربما حتى الآن لم نجد حوارا شرعيا عميقا -وحرا في نفس الوقت- مع منظري التيارات الجهادية من أمثال أبو محمد المقدسي، وأبو قتادة الفلسطيني، وناصر الفهد، وغيرهم.
أعتقد أن الحوار الحر والمفتوح من شخصيات مستقلة هو الطريق الأمثل لوأد ظاهرة العنف في التغيير، والتخفيف من غلو الشباب الجهادي الثائر، وإنهاء هذا الملف الذي أثقل كاهل مجتمعاتنا العربية بكثير من الهموم والتبِعات.