معايير الحكم الصالح (الرشيد)
الخميس, 10-يوليو-2008
سعود محمد الشاوش - إن تحديد الأنظمة السياسية الصالحة هو أمر في غاية الصعوبة، ولعل أول ذكر للحكم الرشيد هو الذي جاء في الكتب السماوية التي تحدثت عن سيدنا يوسف وكيف جعل فرعون مصر يتحمل مسؤولية حصر وتخزين وتوزيع الثروة بالعدل على الشعب الذي كان يحكمه آنذاك، وقد اختلف المفكرون حول الكيفية التي من خلالها يمكن أن نطلق على نظام صفة الصلاح من عدمه، فعلى سبيل المثال يرى الفيلسوف جان جاك روسو أن تحديد أية حكومة هي خير الحكومات هو سؤال صعب ومعضلة لا تحل لأن كلاً من الناس يريد حلها وفقاً لوجهة نظره، فالرعايا يشيدون بالهدوء والطمأنينة العامة والمواطنون بحرية الأفراد, وهناك من يرى أن أفضل الحكومات أشدها صرامة وآخرون يرونها ألينها عريكة...وهكذا؛ أما الفيلسوف الإغريقي أرسطو فهو يرى أن أفضل الدول (الحكومات) هي التي يصان فيها القانون ولا تتم مخالفته.
وقد اجتهد علماء السياسة والاجتماع في وضع معايير تحدد الأنظمة الصالحة والأنظمة الديمقراطية، منهم العالم أنتوني داونز، الذي وضع عدداً من السمات التي تميز من الناحية العلمية الحكومة الديمقراطية عن غيرها من أشكال الحكومات, وطبقاً لهذه السمات أو المقاييس تصنف حكومة ما بأنها ديمقراطية إن وجدت في مجتمع تسود فيه الشروط الآتية:
1- أن يدير الجهاز الحكومي حزبا واحدا (أو ائتلاف أحزاب) وصل إلى السلطة بانتخابات شعبية.
2- أن تعقد هذه الانتخابات في فترات زمنية محددة ولا يستطيع الحزب الحاكم منفرداً تغيير المدة الواقعة بين انتخابين.
3- كل المواطنين البالغين الراشدين المقيمين بصفة دائمة في المجتمع ذكوراً وإناثاً مؤهلين للتصويت في هذه الانتخابات.
4- لكل مواطن صوت واحد في كل انتخاب.
5- ليس من حق الأحزاب التي لم تفز في الانتخابات أن تحاول مستخدمة القوة المادية أو وسيلة غير قانونية الحيلولة بين الحزب الفائز وتولي السلطة.
6- لا يحق للحزب الحاكم أن يحاول الحد من النشاطات السياسية لأي مواطن أو الأحزاب الأخرى طالما أنها لا تسعى إلى الإطاحة بالحكومة بالقوة.
7- أن يوجد حزبان أو أكثر تتنافس على تولي السلطة الحكومية في كل انتخاب.
أما عالم السياسة الأميركي صامويل هانتنجتون فقد أجمل المتغيرات التي توصل إليها الكثير من المفكرين الغربيين واللازمة لإقامة الديمقراطية أو التحول الديمقراطي بالآتي:
مستوى عال من الثراء الاقتصادي –التوزيع المتساوي نسبياً للدخل والثروات- وجود اقتصاد السوق –النمو الاقتصادي والتحديث الاجتماعي- وجود أرستقراطية إقطاعية في مرحلة من تاريخ المجتمع- غياب الإقطاع- وجود برجوازية قوية- وجود طبقة متوسطة قوية- ارتفاع نسبة التعليم وانخفاض الأمية- البروتستانتية- انخفاض مستوى العنف المدني- وجود زعماء سياسيين ملتزمين ومؤمنين بالديمقراطية.
وفي الحقيقة أن هذه المعايير لا يمكن أن تطبق على كافة المجتمعات، فالبروتستانتية على سبيل المثال وهي إحدى الطوائف المسيحية ليست شرطاً معقولاً لقيام نظام ديمقراطي، وإلا كيف نفسر قيام الديمقراطية في بلد كاليابان.
أما الأمم المتحدة فتستخدم مفهوم الحاكم الصالح good governance لإعطاء حكم قيمي على ممارسة السلطة السياسية لإدارة شؤون المجتمع باتجاه تطويري تنموي تقدمي، أي أن الحكم الصالح هو الحكم الذي تقوم به قيادات سياسية منتخبة وكوادر إدارية ملتزمة بتطوير موارد المجتمع وتقدم المواطنين, وبتحسين نوعية حياتهم ورفاهيتهم وذلك برضاهم وعبر مشاركتهم ودعمهم، وتعتبر الأسس التالية أساساً للحكم الغير صالح (أو السيء) poor governance:
1- الحكم الذي يفشل في الفصل الواضح والصريح بين المصالح الخاصة والمصلحة العامة وبين المال العام والخاص, وينحو بشكل دائم إلى استخدام الموارد العامة أو استغلالها لصالح مصلحة خاصة.
2- الحكم الذي ينقصه الإطار القانوني ولا يطبق مفهوم حكم القانون بحيث تطبق القوانين استنسابياً وتعسفياً ويعفي المسئولون أنفسهم من تطبيق القوانين.
3- الحكم الذي لديه عدد كبير من المعوقات القانونية والإجرائية أمام الاستثمار الإنتاجي بما يدفع نحو أنشطة الربح الريعي والمضاربات.
4- الحكم الذي يتميز بوجود أولويات تتعارض مع التنمية وتدفع نحو الهدر في الموارد وسوء استخدامها.
5- الحكم الذي يتميز بوجود قاعدة ضيقة أو مغلقة وغير شفافة للمعلومات ولعمليات صنع القرار بشكل عام وعمليات صنع القرار السياسي بشكل خاص.
6- الحكم الذي يتميز بوجود الفساد وانتشار آلياته وثقافته بما في ذلك القيم التي تتسامح مع الفساد.
7- الحكم الذي يتميز باهتزاز شرعية الحكم وضعف ثقة المواطنين مما قد يدفع إلى انتشار القمع ومصادرة الحريات وانتهاك حقوق الإنسان وسيادة التسلط.
أما البنك الدولي فقد رأى أن من الصعب حصر مفهوم الحكم المتسم بطبيعته بالتعقيد والتشابك ضمن بضعة مقاييس تجريبية يمكن مقارنتها عبر البلدان المختلفة، فقد بذلت جهود كثيرة لتعريف الأبعاد الأساسية لماهية الحكم الجيد بحيث تراوحت هذه الماهية بين حكم القانون ومحاربة الفساد وفعالية القطاع العام وصولاً إلى قدرة المواطنين على التعبير والديمقراطية، إلا أن الكثير من هذه المقاييس يعتمد على رؤية المقيمين أنفسهم ورأيهم، مما يجعلها غير موضوعية, كما أن ندرة المعلومات حول نوعية إدارة الحكم في بعض الدول تصعب مهمة قياس الحكم بشكل تدريجي.
وقد أورد البنك ركيزتين أساسيتين للحكم الصالح هما: التضمينية والمسائلة. فالتضمينية تعني أن كل الأطراف المعنية بعملية إدارة الحكم وتبرير المشاركة فيها سواء كانوا رجالاً أم نساء فقراء أم أغنياء تستطيع تحقيق ذلك على قدم المساواة، وتعني أيضاً أن الحكومات تعامل الجميع بالتساوي وأنها تحمي حقوق الجميع بالزخم نفسه وأن الاستبعاد والتميز غائبان عن تقديم الخدمات العامة من قبل الحكومات.
وتركز المساءلة على فكرة امتلاك الشعب الحق في مساءلة حكومته حول كيفية استعمالها لسلطة الدولة وموارد شعبها وتحتاج المساءلة إلى الشفافية أو التوصل الكامل إلى المعلومات, والشعب بدوره يحتاج إلى معرفة آليات عمل الحكومة وعلى الحكومة تمكينه من الوصول إلى تلك المعلومات؛ وتحتاج المساءلة أيضاً إلى التنافسية أي التمكن من الاختيار بين أكثر من هيئة اقتصادية وسياسية على أساس حسن أدائها, وتعني كذلك المراجعة والمعالجة حين تخرق أفعال الحكومة الحقوق الأساسية أو تخرق حكم القانون.
وفي الحقيقة أن هذه المعايير وتلك المؤشرات التي تبين مدى فساد أو صلاح أنظمة الحكم من الصعوبة بمكان تطبيقها نظراً للتعقيد الشديد لأنظمة الحكم، فهذه المعايير لا تتناسب مع كافة أنظمة الحكم المختلفة, فما قد يتناسب مع نظام سياسي ما ليس بالضرورة أن يتناسب مع نظام آخر، ومن المعلوم أنه لا توجد معايير معينة أو ما يمكن أن يطلق عليه "وصفة إصلاحية" جاهزة من الممكن أن يتم تعميمها على كل الحالات.


المصادر:
• بيير كلام، أندرو تالمان، الدولة في القلب: مبادئ جديدة لتسيير آليات الحكم، سلسة العلوم الاجتماعية، ترجمة د. سمير إبراهيم غبور، (القاهرة: مكتبة الأسرة، 2006).
• جان جاك روسو، العقد الاجتماعي أو مبادئ القانون السياسية، ترجمة يونس غانم، مجموعة الروائع الإنسانية، (بيروت: اللجنة اللبنانية لترجمة الروائع, 1972).
• أرسطو طاليس، السياسة، ترجمه من الإغريقية وعلق عليه بارتملي سانتهيلير، نقله إلى العربية أحمد لطفي السيد، (القاهرة: مطبعة دار الكتب المصرية، 1947).
• د. حسن الظاهر، "الديمقراطية، دراسة المفهوم والمبادئ والأصول الفكرية والخصائص المعاصرة"، مجلة كلية التجارة، (صنعاء: كلية التجارة والاقتصاد، العدد السادس، 1986).
• صاموئيل هانتنجتون، الموجة الثالثة: التحول الديمقراطي في أواخر القرن العشرين، ترجمة د. عبدالوهاب علوب مع مقدمة تحليلية بقلم سعد الدين إبراهيم، (القاهرة: مركز ابن خلدون للدراسات الإنمائية، الكويت دار سعاد الصباح، ط1، 1993) .
• حسن كريم، "مفهوم الحكم الصالح" في: إسماعيل الشطي [وآخرين]، الفساد والحكم في البلاد العربية: بحوث ومناقشات الندوة الفكرية التي نظمها مركز دراسات الوحدة العربية بالتعاون مع المعهد السويدي بالإسكندرية، (بيروت: المركز، ط1، ديسمبر 2004).
• تقرير عن التنمية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا: إدارة حكم أفضل لأجل التنمية في الشرق الأوسط وأفريقيا: تقرير التضمينية والمسائلة، البنك الدولي، (بيروت: دار الساقي, 2004).
B.gvy peters: "policy reform: Is Uniformity the Answer?", The Political Quarterly, (Oxford(U.K) Malden (USA): Blackwell publishing), vol.74, No. 4, October- December 2003.