الإصلاح القضائي ومبدأ الاستقلال في العربية السعودية
الأحد, 10-مايو-2009
عبدالله فخري الأنصاري - أجرى الملك عبدالله بن عبد العزيز في شهر فبراير الماضي أول تعديل وزاري منذ توليه الحكم في أغسطس 2005، عين بمقتضاه أربعة وزراء جدد لكل من الصحة، والتربية والتعليم، والعدل، والثقافة والإعلام. ويأتي هذا التعديل ضمن سلسلة تغييرات شملت المؤسسات القضائية والتشريعية والدينية والعسكرية والاقتصادية، وشمل التعديل تعيين امرأة بالحكومة كنائب وزير التربية والتعليم للمرة الأولى في تاريخ المملكة. وشملت التعديلات إعادة تشكيل المجلس الأعلى للقضاء وتعيين رئيس جديد له، وتشكيل المحكمة العليا وتعيين تسعة من أعضائها بدرجة رئيس محكمة استئناف. وتأتي هذه التعيينات بمثابة خطوة جوهرية على طريق التسريع في تفعيل وإكمال إحلال نظام القضاء الجديد في المملكة الصادر في أكتوبر من عام 2007 والذي يعد من أهم الخطوات الإصلاحية التي خطاها الملك عبد الله بن عبد العزيز منذ توليه مقاليد الحكم. 

ومما هو متفق عليه، هو أن قيام المحكمة العليا سيؤدي إلى فصل الجانب القضائي لمجلس القضاء الأعلى عن الجانب الإداري، وهو الأمر الذي يجسد عمليا مبدأ استقلال القضاء في المملكة. فلم يكتف النظام الجديد بإثبات مبدأ استقلال القضاء في مواده الأولى الواردة في الباب الأول منه، وإنما أورد العديد من التطبيقات العملية تجسدت من خلالها ضمانات استقلال القضاء التي أقرتها الشريعة الإسلامية. من هذه التطبيقات تحديد العلاقة بين "السلطة القضائية" و"وزير العدل" كأحد أعضاء السلطة التنفيذية، و"وزارة العدل" كجهاز تنفيذي في الدولة. فقد أعطى النظام القضائي السابق وزير العدل مسؤولية الإشراف الإداري على المحاكم والدوائر القضائية وشؤون القضاة الوظيفية مع الأخذ بعين الاعتبار مقترحات مجلس القضاء الأعلى باعتباره أعلى سلطة قضائية آنذاك. أما النظام القضائي الجديد فقد سعى إلى تحقيق طفرة إصلاحية في العلاقة بين السلطتين التنفيذية والقضائية. يظهر ذلك بوضوح من خلال استخدام المشرّع لمصطلح "المجلس الأعلى للقضاء" كبديل لمصطلحي "وزارة العدل" و "وزير العدل" في مواد النظام القضائي الجديد عند الحديث عن مسؤولية الإشراف الإداري على المحاكم والدوائر القضائية وشؤون القضاة الوظيفية. تولى المجلس النظر في شؤون القضاة الوظيفية، من تعيين وتأديب وندب وإعارة وتدريب وإجازة وغير ذلك من المسائل التي كانت خاضعة لإشراف وزارة العدل، حيث كان الندب والترخيص للقضاة بالإجازات وندبهم وإحلالهم بغيرهم (في حالة غياب الأعضاء) في المجالس والهيئات يتم في السابق بقرار من وزير العدل. ومن الملاحظ أيضا غياب مصطلح "وزير العدل" من دائرة صنع القرار في الهيئة العامة للمحكمة العليا. 

فقد اشترط النظام القضائي السابق موافقة وزير العدل قبل اعتبار قرارات الهيئة العامة لمحكمة التمييز قرارات نهائية. فإذا لم يوافق عليها أعادها إلى الهيئة لتتداول فيها مرة أخرى. فإذا لم تسفر مداولات الهيئة عن الوصول إلى قرار يوافق عليه وزير العدل عرض الأمر على مجلس القضاء الأعلى للفصل فيه ويعتبر قراره فيه نهائيا. أما في إطار النظام القضائي الجديد فتصدر قرارات هيئات مشابهة كالهيئة العامة للمحكمة العليا بالأغلبية، وتعد هذه القرارات نهائية دون أدنى مرجعية لأي عضو أو جهاز من أجهزة السلطة التنفيذية للدولة. 

كما تفرد مجلس الأعلى للقضاء بقرار تأليف محاكم الدرجة الأولى وتحديد اختصاصها والتي كانت في السابق تصدر بقرار من وزير العدل بناء على اقتراح المجلس. واختص المجلس بقرار تسمية رؤساء محاكم الاستئناف ومساعديهم من بين قضاة محاكم الاستئناف، ورؤساء محاكم الدرجة الأولى ومساعديهم. وبات قرار انعقاد جلسات المحاكم في غير مقارها وخارج دوائر اختصاصاتها عند الاقتضاء بيد المجلس الأعلى للقضاء وليس بقرار من وزير العدل كما هو المنصوص عليه في النظام السابق. كما أسند النظام الجديد مهمة التحقق من توفر "الأهلية للقضاء" للمجلس الأعلى للقضاء، حيث اشترط النظام الجديد في من يولى القضاء أن يكون حاصلا على شهادة إحدى كليات الشريعة بالمملكة أو شهادة أخرى معادلة لها، بشرط أن ينجح في الحالة الأخيرة في امتحان خاص يعده المجلس الأعلى للقضاء، والذي كان في السابق يعد من قبل وزارة العدل. كما تولى المجلس الأعلى للقضاء مهمة تحديد الأعمال القضائية النظيرة المطلوبة لشغل الدرجات القضائية والتي تولى مجلس الوزراء في السابق مهمة بيان المقصود منها بناء على اقتراح من وزير العدل. 

ويبرز حرص السلطة التنظيمية في المملكة على تحقيق مبدأ استقلال القضاء عن السلطة التنفيذية هو إخراج إدارة التفتيش القضائي على أعمال القضاة بالمحاكم من تبعية وزارة العدل وإسنادها إلى المجلس الأعلى للقضاء. كما انتقلت سلطة إصدار لائحة قواعد وإجراءات التفتيش القضائي، وسلطة إنشاء الدعوة الـتأديبية، وإقرار تنفيذ عقوبة اللوم للقضاة من وزير العدل إلى المجلس الأعلى للقضاء ورئيسه. وقد باشر المجلس الأعلى للقضاء باعتماد تنظيم جديد لحركة تنقل القضاة، وتفريغهم للدراسات العليا، وتشكيل ثلاث دوائر قضائية في المحكمة العليا للنظر في الأحكام القضائية الصادرة من المحاكم الاستئنافية كخطوة فاعلة نحو تطبيق الهيكلة الجديدة للمحاكم في ظل النظام القضائي الجديد. 

هنالك عامل لم يتغير وهو أن تعيين القضاة وعزلهم يتم بمراسيم ملكية وتوصيات من المجلس الأعلى للقضاء وهو عامل لا يعزز استقلال القضاء عن السلطة التنفيذية. لكن أهم واجبات الحاكم المسلم في ظل الشريعة الإسلامية-- وفقا للمادة الخامسة والخمسين من النظام الأساسي للحكم (الدستور) والتي تلزم الملك بسياسة الأمة سياسة شرعية طبقاً لأحكام الإسلام-- تعيين قضاة على درجة عالية من النزاهة والكفاءة وليس من الضرورة أن يؤثر ذلك على استقلال السلطة القضائية.

* عبدالله فخري الأنصاري أستاذ مساعد في مادة القانون والنظم القانونية الإسلامية وكبير مستشاري رئيس لجنة حقوق الإنسان في المملكة العربية السعودية. 

المصدر: نشرة الإصلاع العربي، مايو 2009.