التكتل الاقتصادي الخليجي: رؤى ونظرات عامة
الأحد, 10-مايو-2009
نبيل علي صالح - استقر الغرب الحديث اقتصادياً على أسس أربعة هي:
- ليبرالية اقتصادية وحرية تداول المنتج والسلعة في ظل سوق مفتوحة (مسنودة بنظام سياسي ديمقراطي حر تداولي).
- سيطرة شبه مطلقة على موارد الطاقة الطبيعية. (ظاهرة الاستعمار القديم والحديث).
- هيمنة كاملة على سوق تصريف المنتجات التي يصنِّعها (مستعمرات كبيرة وممتدة جغرافياً وبشرياً تحولت إلى سوق ضخم مستهلك لمنتج المستعمِر).
- التحكم في مواقع الإنتاج ووسائل الاتصال وطرق النقل ومنافذ البيع الدولية.
ضمن هذا السياق، وفي هذه الظروف (البحث عن أسواق لتصريف المنتجات-البحث عن أيدٍ عاملة رخيصة-البحث عن مواد خام) ولدت فكرة الاستعمار، وأدت إلى التحكم بالدول والأوطان، والسيطرة على مواقعها وثرواتها، ونهب خيراتها وطاقاتها المادية والبشرية الهائلة، وعلى خلفية ذلك اشتعلت الحروب وساد الدمار والانقسام والتفكك في كثير من الأمم والحضارات، قديمها وجديدها..
ولم تخلو أوروبا –على عكس صورتها المستقرة الراهنة- من الأزمات والانهيارات.. بل إنها مرت بمراحل صعبة من التفكك والدمار عاشت خلالها حروباً أهلية على مديات زمنية طويلة، ثم عادت وهيمنت هي بدورها على شعوب وحضارات أخرى بأكملها، وانطلقت لتغزو العالم سياسياً واقتصادياً وعلمياً بعد ذلك.
وبعيد انتهاء الحرب العالمية الثانية نشأت في أوروبا فكرة وجود تجمع أو تكتل اقتصادي يجمع بين عدة دول، وكان الهدف منه زيادة المزايا النسبية في الإنتاج المادي للسلع والبضائع ومختلف أنواع المنتوجات، ومحاولة التخفيف من الآثار السلبية المترتبة على حركة المنافسة (بطابعها السلمي الرمزي أحياناً والحربي العنيف أحياناً أخرى) التي كانت تهيمن على العلاقات الدولية، بعد خروج الدول الأوربية من الحرب منقسمة ومتعبة ومحمَّلة بأعباء وتكاليف باهظة الثمن، خصوصاً على المستوى الاقتصادي، وقررت أن تستعيد وضعها ضمن القوى الدولية الكبرى من خلال عملها على ما يلي:
- إنشاء منظمة التعاون الاقتصادي الأوروبي.
- قبول خطة مارشال الأمريكية لإعادة تعمير أوروبا.
- إنشاء المنظمة الأوربية العليا للفحم والصلب.
- وو.. وأخيراً السوق الأوربية المشتركة التي قادت بدورها إلى قيام الاتحاد الأوربي بعملته الاقتصادية وطابعه السياسي المؤثر والفاعل على الساحة الدولية..
وبعد فترة من الزمن قامت الدول الأوروبية بمجموعة فعاليات ونشاطات اقتصادية أفضت إلى توقيع اتفاقية التجارة الدولية (الغات)، وكان من أهدافها:
1. تحرير التجارة الدولية من كل الحواجز والمعيقات على المستوى القطري والعالمي.
2. تسوية المنازعات والخصومات التجارية التي قد تحدث بين الدول الأعضاء.
3. الإشراف على تجارة السلع والخدمات في العالم.
في هذا المناخ "السياسي-الاقتصادي" الضاغط بقوة (عبر قواه الكبرى المالكة لثلاثية القوة: المعرفة والسلطة والثروة) نأتي إلى عالمنا العربي الكبير وبالأخص منه دولنا في مجلس التعاون الخليجي التي كانت تبحث عن تكتل اقتصادي يجمع ويوحد الطاقات والموارد الطبيعية الهائلة التي تمتلكها بلدان الخليج العربي ضمن بوتقة واحدة فاعلة ومؤثرة في عالم مليء بالتحديات والمنافسات والمصالح.. أقول: نأتي، لنتساءل مع كثيرين هنا وهناك عن طبيعة هذا الموقع الذي يشغله الخليج العربي من تلك التحديات الاقتصادية على مستوى الهضم والاستيعاب والتأثير؟! وإلى أين وصلت أفكار القائمين على المجلس لجهة مواجهة النتائج العملية الناجمة عن وجود تلك التكتلات الاقتصادية الدولية الكبرى التي تعتنق مذهباً وحيداً هو مذهب المصالح والتبادلية والتنافسية والجودة؟!..
في الإجابة نشير إلى أن قادة وزعماء دول الخليج العربي وقعوا على قرارهم التاريخي بإنشاء مجلس التعاون الخليجي في العام 1981، بهدف مواجهة أخطار عديدة خارجية محدقة بهم، ربما كان التحدي الاقتصادي أحد أسباب هذه النشأة التكتلية الأولية..
ومنذ ذلك التاريخ لا تزال حزمة غير قليلة من القرارات الاقتصادية -التي وقع عليها القادة- حبراً على ورق، تنتظر اللحظة المناسبة للتحول من حيز الكلام إلى حيز الفعل.. حتى وصل الأمر أن اعتقد كثيرٌ من المراقبين أن ولادة سوق خليجي مشترك أو اتحاد جمركي موحد تحتاج إلى ما يشبه المعجزة لإثبات أن الأمل لا يزال مشروعاً في ظل التلكؤ والتباطؤ الذي ساد طوال فترة زمنية ليست بقليلة أحدثت شكوكاً واسعة تجاه أن يكون لهذا المجلس أصلاً أي طموح تكاملي يذكر في ظل الأسباب السياسية التي دفعت لإنشائه إبان حرب الخليج الأولى بين العراق وإيران.
إن المخاطر والأثمان الكبيرة المطلوب دفعها (بالنظر إلى حجم النتائج السلبية المترتبة على عامل التأخر الزمني في الاستجابة لمقتضيات التحولات الاقتصادية الكبرى) قد ارتفعت أسهمها، وتزايدت بوتائر عالية حيث الهيمنة الكاملة للتكتلات الاقتصادية للدول الكبرى على الساحة الدولية (مجموعة دول الثمانية)، بما لها من قدرات ضخمة وإمكانيات تنافسية هائلة في الإنتاج والتوزيع، مما جعلها تمتلك اليد الطولى التي تتحكم من خلالها في أسواق العالم النامي.
وهذا ما يظهر عملياً عند دخول مؤسسات ومجموعات غير مصرفية في الأسواق المالية وتطور أنظمة المدفوعات الالكترونية، وهذا من شأنه أن يفرض ضغوطاً على الأنظمة الرقابية وأنظمة المدفوعات والتسويات الدولي، وكذلك على مقدرة السلطات النقدية على احتواء الصدمات الاقتصادية والمالية داخل حدودها الجغرافية والحيلولة دون امتدادها عبر الحدود.
كما أن النظام الدولي -بكل ما يحمل من خصائص اقتصادية وسياسية فعالة- سيؤدي على الأرجح إلى زيادة دور آلية السوق، وبالتالي فرض اعتبارات وتأثيرات هذا السوق المفتوح على الأحداث والتطورات الاقتصادية والمالية بصورة أكبر من تأثير الحكومات والنظم السياسية القائمة. وفي هذه الأحوال فمن المتوقع زيادة درجة انتقال التأثيرات المالية عبر الحدود بين البلدان. 


مصدر المقال: مشروع "منبر الحرية".