الديمقراطية العصية في الخليج العربي
السبت, 09-مايو-2009
منى عباس فضل - هل يصح القول أن الديمقراطية ما تزال عصية على التحقق في المجتمعات الخليجية؟ ربما تكون الإجابة "بنعم أو لا" هي أسهل السبل للوصول إلى الخلاصة أعلاه، بيد إن الكتاب الذي صدر للباحث وأستاذ علم الاجتماع البحريني "د.باقر النجار"، لا يكتفي بابتسار هذه الحقيقة أو تلك في إجابة مختصرة، لاسيما وهو يقوم بعملية الكشف والتحقق التي نشرها في كتابه الأخير، المعنون ب "الديمقراطية العصية في الخليج العربي". صدرت الطبعة الأولى منه عن "دار الساقي" ببيروت في 2008، وهو يعد استكمالا لما سبقه من كتاب بعنوان "الحركات الدينية في الخليج العربي" نشرته نفس الدار في 2007.

الكتاب في مجمله يتضمن عرضاً مسهباً وتحليلاً دقيقا ومفصلاً للمجتمع الخليجي في عشرة فصول، يبحث فيها طبيعة الدولة ومؤسسات المجتمع المدني الخليجية، كما يستند في البحث والتحليل على دراسة ميدانية اعتمدت على البيانات والجداول الإحصائية التي تتناول الهيئات ومؤسسات المجتمع المدني والأحزاب السياسية والدينية وميادين نشاطها ووسائل تمويلها وأساليب عملها، إضافة إلى رصده لما طرأ عليها بعد أحداث سبتمبر في ضوء مظاهر العولمة، وهو في هذا الإطار يستشرف مستقبل الإصلاح السياسي.

يشير في المقدمة إلى أن المتغيرات الظرفية دفعت البعض إلى الاعتقاد بأن قدرة الأنظمة العربية على التكيف مع الظروف والمتغيرات الدولية والمحلية العاتية تفوق الخيال، إلا إن المسألة المطروحة في الكثير من الكتابات الغربية وبعض الكتابات العربية، هي أن هناك عداءً متأصلاً في المجتمعات العربية نحو الحداثة والديمقراطية. وهناك من يذهب من بعض الكتاب الغربيين إلى أبعد من ذلك في قولهم: "إن التكوينات الاجتماعية والثقافية والروحية للمجتمعات العربية والإسلامية تحمل "مكونات جوهرية"essential elements components لا تعمل مع الوقت لمصلحة نشأة أو تبني مؤسسات وتطبيقات تؤكد مبدأ سيادة القانون، أو الأخذ بقيم حقوق الإنسان والمواطنة والعدالة الاجتماعية واقتصاديات السوق، يضاف إليها ما يعتقدونه أن الدين الإسلامي يتميز عن الأديان الأخرى في مقاومته لمسألة الديمقراطية والمجتمع المدني، وهي نتيجة لذلك –أي المجتمعات العربية- رافضة لأي شكل من أشكال الحياة العالمية أو العصرية غير المرتبطة بالخطاب الديني.

في هذا الشأن يعتقد المؤلف، أن المسألة أكبر وأكثر تعقيداً من التبسيط المخل المطروح أعلاه، والذي يتسم باطنه بالعداء المبطن والازدراء للآخر لأسباب ثقافية أو دينية، فطبيعة الدولة العربية وهيمنتها المطلقة على المجتمع والحكم على السواء، إضافة إلى طبيعة علاقاتها التحالفية مع الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية، لم تعطل إمكانية إحداث تغييرات وإصلاحات سياسية واقتصادية أساسية في المنطقة العربية فحسب، وإنما دفعت الأمور نحو تعميق الفجوة بين الدولة والنخب السياسية من ناحية والمجتمع من ناحية أخرى، إلا في القليل من الحالات العربية النادرة والضئيلة التأثير في محيطها العربي العام. فالدولة العربية، أو جل حالاتها على الأقل، قلما تكون وافية بوعودها، وإن فعلت فإنها إما أن تأتي بأقل القليل مما وعدت به، أو تفرغ فعلها من محتواه وجوهره الحقيقي. مضيفاً، أن البعض يرى بأن التحولات الكونية الهائلة في مجالات الدولة والسوق هي تحولات مفرغة من مضامينها وأهدافها السياسية والثقافية، بيد إن قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان والشفافية والمواطنة والديمقراطية برأي المؤلف، هي من القيم الكونية التي تمثل ركن أساسي في التحولات الكونية، وهي تمثل شرط من شروط قيام المجتمع المدني، وبالتالي فأن سيادة قيمها مع قيم التسامح والقبول بالآخر بكل معانيها وممارساتها تمثل الوعاء الحافظ لأي تجربة ديمقراطية من السقوط والانهيار.

يحدث ذلك إلى جانب الحضور المسبق لثقافة المجتمع المدني، مضاف إليهم قدرة المجتمع على تقويم وليس تقييد ممارستها، وصبر الناس والدولة عليها وحتى إن جلبت إليهم بعض الألم أو الضيق أو تقلص المصالح، فكل ذلك يشكل الضامن الآخر لاستمرار التجربة وتلافي زوالها أو تعرضها لهبات التراجع والتقهقر والانهيار، على اعتبار قناعته بتأكيد حقيقة أن المجتمع المدني ليس بديلاً من الدولة أو مطيحاً بها فالعلاقة بينهما يجب أن تكون علاقة تعاون أكثر منها علاقة صراع، وهي علاقة تبادلية أكثر من كونها هيمنة الأولى "الأقوى" على الآخر "التابع" و"الأضعف". إن المتغيرات المحلية والإقليمية تفرض على أطراف المجتمع والدولة قدراً غير عادي من التكيف، كما أنها تدفع باتجاه إحداث تغيرات بنيوية في هيكل الدولة وآليات عملها، فضلاً عن إحداث إصلاحات نوعية في خطابها السياسي ورموزها البشرية. وعليه ينتهي إلى القول، أن المجتمع بحاجة إلى إحداث تغيرات جوهرية وأساسية في نظامه السياسي من حيث الخطاب وآلياته ورموزه ومسلماته السياسية وكل الأنساق المجتمعية من مناخ سياسي وتعليمي وديني وثقافي.

مفهوم المجتمع المدني
عند مقاربة مفهوم ومصطلح المجتمع المدني، تمحورت خلاصته حول رؤية "أماني قنديل وسعد الدين إبراهيم"، من أن المجتمع المدني هو مجموعة من التنظيمات التطوعية الحرة أو المستقلة نسبياً، والتي تملأ المجال العام بين الأسرة والدولة، لتحقيق مصالح أفرادها، أو تحقيق منفعة جماعية للمجتمع كلل Collective Benefit، وهي في ذلك ملزمة بقيم ومعايير الاحترام والتراضي والإدارة السلمية للتنوع والخلاف. وبالتالي فأن المجتمع المدني عبارة عن تجمعات ذات هياكل تنظيمية Organization وهي تجمعات/منظمات لا تهدف إلى تحقيق الربح المادي المباشر للفرد المنتمي إليها أو الجماعة المشكلة لها. وأعضاءها هم كذلك بفعل إرادتهم الحرة وخيارهم الشخصي لا بفعل انتماءاتهم القبلية أو الاثنية: العرقية والدينية والمذهبية. ومن ناحية متصلة تعمل في الفضاء القائم بين الدولة والعائلة، وهي لهذا لا تمارس العمل السياسي كالأحزاب والمنظمات السياسية، إلا أن السياسة تتقاطع مع بعض أنشطتها، كما لا تأتي على وتيرة أو نسق موحد، إنما تختلف من مجتمع لآخر ومن سياق زمني لآخر، بيد إن جوهر تشكيلها ونشاطها اللاربحي والمجتمعي هو الباعث على تشكلها.

المجتمع والدولة
في الفصل الثاني، جاء بحثه في مسألة المجتمع والدولة، والتحولات غير المكتملة، فخلص إلى القول إن المجتمعات الخليجية برغم حجم التغيرات والتحولات التي حدثت على بناءها الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والثقافي تبقى مجتمعات انتقالية، حملت أنساقها الاجتماعية قدراً من التغير والاستمرار والمقاومة، فأبنيتها السياسية والاجتماعية تبدو في ظاهرها حداثية، إلا أنها تبقى في أدائها لوظائفها محكومة بجذورها التقليدية المقاومة للتغير، رغم ضخامة عوامل التغير والضغوط التي تخضع لها من قوى العولمة وآلياتها. ولأن كانت أبنتها السياسية الرسمية والأهلية تبدو حديثة في ظاهرها، إلا إن القوة السياسية الممارسة من خلالها غير مقيدة بمؤسسات رقابية قادرة على أداء عملها كما هو في المجتمعات الحديثة. والجماعات القبلية والمذهبية تتنافس فيها أو من خلالها إلى حد العراك للحصول على السلطة والنفوذ والمكانة. في مثل هذه الظروف فإن هذه التضامنيات تعمل على نشر الفساد والسعي وراء المصالح الخاصة، مع تسخير واسع لكبار موظفي الدولة وصغارها من العاملين في الجهاز البيروقراطي لخدمة أغراضهم الشخصية وللإثراء السريع.

بدايات العمل الأهلي وتجار الخليج
يستعرض في الفصل الثالث، نشأة المنظمات الأهلية الخليجية منذ عشرينيات وستينيات القرن الماضي، من خلال نشأة الأندية والجمعيات الأدبية والخيرية، وبالرغم من قلة الوثائق التي توفرت له حول العمل الأهلي، إلا إنه وجد أن العمل الأهلي الخليجي هو في غاية الحداثة، حيث بدأت تبرز معالمه التشريعية والإدارية والفنية في بعض الأقطار في أواخر الخمسينات ومطلع الستينيات، وفي بعضها الآخر منذ السبعينات وربما الثمانينيات. كما كان واضحاً تأثرها بقادة النخبة التجارية والأرستقراطية التقليدية التي تأثرت بنشأة المؤسسات الثقافية الأهلية في مصر والشام والهند.

أما في الفصل الرابع، فتطرق إلى تجار الخليج وكونهم جماعة لم تستثمر قوتها، ورأى أن المجتمع التجاري بحكم امتلاكه للأسباب الاقتصادية كان على الدوام مالكاً ولو جزء من القوة السياسية وإن انكمشت أو تناقصت بفعل اندماجه في مؤسسة الدولة، في ظل تدفق ريوع الاقتصاد النفطي. ومؤسسات المجتمع التجاري مثلت المؤسسات الأهلية الوحيدة التي سمح لها بالتشكل والنشاط حيث أنشئت في السعودية عام 1944 وقطر 1963 ودبي في 1965 حيث يبلغ عدد الغرف التجارية الخليجية حوالي 14 غرفة تجارية. كما إنها بصورة عامة لم تتوفر على أي إمكانية لتشكيل القوة الضاغطة ذات الرؤى السياسية، وتتميز الحالة الكويتية عن الحالة الخليجية الأخرى كما يوضح المؤلف، بكون طبقتها التجارية وتحديداً التقليدية منها، قد لعبت أدواراً تنويرية على الصعيد السياسي والثقافي، إلا أن قدرتها الضغطية على مؤسسة الحكم لم تعد بذات القوة والتأثير كما في سابق عهدها قبل النفط. وفي هذا المجال، هناك فئتان يتشكل منهما المجتمع التجاري، تقليدية تشكل الجماعة الأقوى اقتصاديا وسياسيا، أما الفئة الثانية فهي فئة الموسرين الجدد أو الفئة الطارئة nouveaux riches وفئة ثالثة هي جماعات التجار الشيعة العرب، وفئة رابعة من أصول قبلية وذات ارتباط عائلي بمؤسسة الحكم وبعضهم ممن انتقل من تجارة اللؤلؤ إلى التجارة الحديثة وفئة خامسة أطلق عليها العجم وهناك جماعات فرعية أخرى كانت تعمل في تجارة المفرق، وفي مرحلة الطفرة النفطية دخل بعضها في مجالات الاستثمار العقارية والمقاولات والخدمات الأخرى. وتوصل إلى نتيجة مفادها، إن مشاركة القطاع التجاري في الإنماء الاجتماعي هي مشاركة نسبية من بلد خليجي إلى آخر، وهي في البحرين محدودة مقارنة بدول خليجية أخرى مثل الكويت والسعودية والإمارات، إلا في بعض الأعمال الخيرية المحدودة كبناء وترميم بيوت أو تأثيثها أو شراء معدات خاصة بمستشفيات الحكومة أو بناء وحدات صحية.

المنظمات والقوى الثقافية
يفرد مساحة مهمة في الفصل الخامس، لمناقشة واقع المنظمات والقوى الثقافية في المواجهة بين المثقف والسلطة، فيذكر أن بعض المنظمات الثقافية وتحديداً في البحرين والكويت وبعض العناصر الثقافية في عمان والسعودية، قد خضعت للريبة والشك من قبل المؤسسة الدينية، أو للحد من نشاطها الثقافي أو الحل القسري أو تغيير مجالس إداراتها في بعض الأحيان، وذلك أن النشاط الثقافي لهذه المؤسسات بفعل تمثله وتبنيه لقضايا المجتمع وربما قضايا المجتمع العربي، شكل محور الصراع مع مؤسسة الدولة، ومع بعض المؤسسات التقليدية الأخرى، وفي طليعتها المؤسسة الدينية والقبلية، وبذلك كان المثقفون أكثر الفئات الخليجية تمثلاً لإشكالية العلاقة بين المثقف والسلطة، التي تتجاوز حالاتها أحد أمرين أما الاحتواء أو الرفض، علماً بأن التحولات التي تعرضت لها المنطقة العربية قد عظمت من مركزية الدولة، وعلى الرغم من أن عقدي الثمانينيات والتسعينيات قد حملا بعض أشكال الصراع بين المثقف والمؤسسات/المنظمات الأهلية من ناحية، والدولة والسلطة الدينية من ناحية أخرى، فإن التحولات السياسية وربما الاقتصادية والأمنية التي طرأت على المنطقة إضافة إلى ضعف التيارات والمؤسسات الثقافية الأهلية والإصلاح السياسي في بعض دول المنطقة، قد خففت من حدة الصراع التقليدي القائم بين المثقف والدولة، إلا إن ذلك لم ينه.

المنظمات المهنية في الخليج
وتحت عنوان المنظمات المهنية في الخليج في الفصل السادس وضح المؤلف واقع تلك المنظمات وتشكل الطبقة الوسطى وتملكها القوة وعوزها للإدارة والتنظيم. واعترف بأن هذه الفئة/الطبقة/أو الجماعة المهنية كثيرة العدد وفي تزايد مستمر، وهي على غرار الطبقة الوسطى موضع منازعات إثنية وقبلية ومذهبية وعرقية، وقد يثير أفرادها بعضا من مشاكلهم المشتركة المعيشية والمهنية، إلا إنه نوه إلى أن وحدتهم من السهل جداً شقها بمعطيات ذاتية وقبلية ومذهبية ضاربة بجذورها في ذات الفرد وشبكة علاقاته الاجتماعية. وأضاف إلى أن قدرتها على التغيير تبقى مؤثرة وتدريجية ذلك لأنها كمنظمات قد لا تستطيع تحقيق التأثير المطلوب والتغيير السريع دون إحداث تحولات أساسية في الفضاء السياسي والثقافي والاجتماعي القائم، بمعنى أن تكون هناك إصلاحات سياسية وإدارية مهمة ترافقها تغيرات ثقافية واجتماعية مؤسسة لاتجاهات وتجمعات اجتماعية تتجاوز أطروحاتها وممارساتها الدوائر والحلقات الإثنية الضيقة إلى المحيط الوطني أو القطري الواسع. وهو هنا يتفق مع قول أغسطس نورتون Augustsus Norton من أن المجتمع المدني لا يستطيع أو يجب ألا يكون من ضمن برامجه، إسقاط الأنظمة السياسية، إنما يمثل بتأسيسه –أي المجتمع المدني- الخطوة الأولى نحو بناء علاقة على قدر من المساواة Equitableبين الدولة ومواطنيها. 

المنظمات النسوية
في الفصل السابع، يرسم خارطة المنظمات النسوية كما يروق له تسميتها، معتمداً على تحليل واقعها من حيث النشأة والمكون الاجتماعي، حيث رأي أن الدعوة لإنشاء المنظمات النسوية قد خرجت من الكويت، إلا إن بدايتها كانت في البحرين، بتأسيس "نادي السيدات" الذي لم يستمر إلا بضعة شهور، لتتأسس بعدها جمعية نهضة فتاة البحرين، التي وجد أنها مثلت طليعة الجمعيات النسائية المطالبة بالحقوق السياسية للمرأة في مطلع السبعينات، وقاربت في أنشطتها الجانب الرعائي والاستشارات الأسرية وتبنت مشروع الاتحاد النسائي البحريني والدعوة لإصدار قانون للأحوال الشخصية. تطرق أيضا إلى جمعية رعاية الطفولة والأمومة التي أتاحت لها ظروفها التمييز بنشاط رعائي خدم قطاعات اجتماعية وسكانية مختلفة، ثم إلى جمعية أوال النسائية التي مثلت شرائح من الطبقة الوسطى المتأثرة بالاتجاهات الاجتماعية والفكرية والسياسية والليبرالية، وعضواتها يماثلن الجيل الجديد من النسوة الفاعلات في النهضة، حيث مثلت هاتان الجمعيتان حسب تحليله الخط التحرري من حيث الأهداف السياسية والأهداف الخاصة بشؤون المرأة. في السياق تطرق إلى تفاصيل أخرى تتعلق بتشكل الجمعيات النسائية الإسلامية ولجانها ممن تأثرن بالخطاب الديني بشقيه، وعلى نفس القدر من المنهجية تناول واقع المنظمات النسوية في الكويت والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية وقطر وعمان، بيد إنه وجد أن بعض الدول الخليجية مثل سلطنة عمان والإمارات تعد حديثة العهد بالعمل النسائي.

من حيث المرأة الخليجية والمطلب الحقوقي والسياسي، بين أن نساء الخليج أمام مفترق طرق بين مسار قادته رائدات أصبحن متقدمات في العمر، وناضلن من أجل دور ومكانة أفضل لبنات جيلهن متأثرات بقيم الحداثة، وجيل آخر لا يزال في مقتبل العمر، ويبدو إنه بفعل الصخب والضبابية في فضائه الثقافي والاجتماعي رافضاً لقيم الحداثة، رغم تمتعه المسرف باستهلاك منتجاتها، معيداً بذلك إنتاج قيم المرحلة التقليدية ولكن في حالة اجتماعية-ثقافية جديدة تأتي في غير فضائها الزماني. وذكر إنه إذا كانت بعض الدول أعطت حقوق سياسية مساوية للرجل كما تنص الدساتير، فأن ذلك لا يعنى البتة احتلال النساء لمكانة متساوية في مخيال المجتمع وممارساته، فالنصوص تبقى نصوصا دون القدرة على التحقق والترجمة على أرض الواقع. في هذا الإطار شرح التحديات المتمثلة في المجتمع والدولة والمرأة نفسها طالبة الحقوق السياسية، وما تتبناه من فكر مناقض لدعوات إنصافها في الحقوق، حيث إن إشراك النساء برأيه في صناعة القرار السياسي لا يتطلب قرار حكومي فقط، بل تغيراً في ذات المرأة يتجاوز التعليم والعمل إلى الدور المؤثر في الشأن السياسي. المنظمات الخيرية

في الفصل الثامن من الكتاب يتناول المنظمات الخيرية التي يعتقد أن عملها خيري وإنساني محض في الكثير من جوانبه، إلا أن بعضه ينطوي على أهداف ومرام سياسية تتمثل في مظاهر منها بالحضور السياسي المحلي للجماعات الداعمة والقائمة بهذا العمل الخيري، أو على صعيد الحضور الخارجي في دول العوز الاقتصادي العربية منها والإسلامية، أو في دعم التوجه المناهض للوجود الأجنبي، كما يوجد تداخل بين العمل الخيري والممارسات الوعظية وسيطرة جماعات الإسلام السياسي على الأعمال الخيرية.

فاعلية المجتمع المدني وإشكالية علاقته بالدولة
في الفصل التاسع يتناول واقع المنظمات الأهلية وإشكالات علاقتها بالدولة وبالمجتمع من خلال استعراض نتائج استمارة طبقت على (72) منظمة أهلية في أربع دول خليجية وهي الإمارات العربية المتحدة "22 منظمة أهلية"، والبحرين "30 منظمة أهلية"، والكويت "5 منظمات أهلية"، وسلطنة عمان "15 منظمة أهلية"، وتعلق المسح بعلاقة تلك المنظمات بالدولة وطبيعة تلك العلاقة، ووضعها القانوني ونزعة الاستقلال عن الدولة، وعملية التمويل من حيث المصادر وتجفيفها، فضلاً عن الممارسة الديمقراطية في أوساطها "الانتخابات" وآلية نشر قيم الديمقراطية، والعلاقة مع المنظمات الدولية والأجنبية وإشكالية التعاون وطبيعته، ومعوقات الوصول إلى الجماعات المستهدفة وأنشطة الجمعيات وحاجات الفئات المستهدفة، ومدى فاعلية المنظمة وعناصرها وسماتها ومسألة الخروج من التطوع إلى الاحترافية. وتوصل إلى أن منظمات المجتمع المدني قد حققت قدراً من التطور في أداء خدماتها، إلا إنها تعاني من ضعف الإمكانات المادية ومن التفكير التقليدي الذي يديرها والهياكل الإدارية الضعيفة، وعجزها عن تحقيق الأهداف التي تسعى إليها.

خلاصة
خاتمة الكتاب كانت لب ما جاءت به المقدمة، وتركزت حول إشارة المؤلف إلى إن منظمات المجتمع المدني الخليجية ما هي إلا تعبير عن قوى وتجمعات اجتماعية وسياسية ذات تراتب ونصيب في توزيع القوة في المجتمع، وبعضها امتداد لتيارات وقوى قومية ويسارية وإسلامية مختلفة القوة والحضور في المجتمع، وإن حضورها وقوة تأثيرها في المجتمع وفي صنع القرار تتباين من مجتمع خليجي إلى آخر، وهناك تحديات تواجه المجتمعات المحلية يتعلق أبرزها بالقوانين والتشريعات والممارسات الديمقراطية والأنشطة السياسية.

إلى هنا، ليس بالضرورة أن يقف القارئ مبهوراً لما ذهب إليه المؤلف أو توصل إليه من نتائج، بيد إن ثمة ما يعبر عنه الكتاب من كونه دراسة علمية رصينة في مضامينها ومنهجيتها التحليلية ودلالتها وبما استندت عليه من معلومات وبيانات، وهي تشكل للمجتمعات الخليجية عامة تحديا كبيراً يقودنا إلى طرح أسئلة عديدة، وإعادة نظر في البنية الاجتماعية والسياسية. والكتاب بذلك يمثل مرجعاً غنيا للقارئ والباحث في مجال علم الاجتماع السياسي.

عنوان الكتاب: الديمقراطية العصية في الخليج العربي 
المؤلف: د. باقر سلمان النجار
الناشر: دار الساقي/بيروت
الطبعة الأولى 2008