ثلاثية الأزمات.. والعالم يترنح تحت تداعياتها
الاثنين, 04-مايو-2009
زكريا شاهين - يترنح العالم تحت وقع أزمات ثلاث، لا يبدو أن أيا منها ستجد طريقها للحل في المدى المنظور، أزمة الغذاء العالمية والتي هي نتاج لسياسات الدول الناهبة وشركاتها التي تتحكم بالأزمة، والأزمة المالية التي وبرغم كل التصريحات المتفائلة، هي أعمق وأخطر مما هو معلن، والأزمة الجديدة التي تمثلت بتفشي مرض أنفلونزا الخنازير، هذا المرض الذي ينبئ بتحوله إلى وباء بعد أن وصل إلى مرحلة التحذير الخامسة، من أصل ست درجات.

في أزمة الغذاء العالمية ورغم خفوت الحديث عنها، ثمة من يؤكد أن شبح الجوع الذي سيؤدي إلى الموت، سوف ينال من أكثر من 800 مليون نسمة، يتركز معظمها في الدول النامية، وخاصة الدول الإفريقية، وبرغم وعود مؤتمرات الدول الصناعية والأخرى المانحة، إلا أن هذه الوعود، لا تتعدى مسألة الكلام.

الأزمة المالية، أقل ما يقال فيها، "هكذا عميت بصيرة الاقتصاديين عن الواقع العالمي"، إذ أنه برغم كون العالم لم يشهد في تاريخه بحوثا ودراسات اقتصادية مثل ما شهد في ربع القرن الأخير، إلا أن الكارثة ضربت العالم متجاوزة البحوث والدراسات والتنبؤات، إلى درجة أن نفس الباحثين، عادوا اليوم لاعتماد دراسات الاقتصاديين الذين تتردد أسماؤهم أكثر من غيرهم، كهايمان مينسكي وجون ماينار كاينس، والذين ينتسبون إلى أجيال سابقة.

الاقتصاديون والفشل!:

إن السنتين الماضيتين لم تعززا سمعة الاقتصاديين الذين فشلوا- في الغالب- في لفت الأنظار إلى مكامن الضعف الأساسية في الأسواق المالية ولم يتنبؤوا بالأزمة، وهم الآن متشاكسون بشأن أفضل السياسات التي يجب اتباعها للتصدي لها، بل هم مختلفون حتى بشأن توقعات التطور المستقبلي للأحداث بحسب ما جاء في مقال للكاتب جون كي، الذي أشار إلى أن خبراء الاقتصاد، ومنذ سبعينات القرن الماضي، انهمكوا في مشروع ضخم ينبني على تشييد الاقتصاد الكلي على أسس الاقتصاد الجزئي، وهو ما يعني في اللغة اليومية أن تدبير مفردات الاقتصاد الكلي- النمو والتضخم والازدهار والركود- يجب أن ينطلق من دراسة سلوك الأفراد.

في الأزمة الأولى، لا يعني اختفاء مسألة أسعار المواد الغذائية عن الواجهة الإعلامية مؤخرا أنها قد تلاشت، فعلى الرغم من أن هذه الأسعار قد نزلت عن المستويات القياسية غير المسبوقة التي عرفتها في بداية السنة الماضية، لم تنزل إلى المستوى الذي كانت عليه قبل ذلك، كما أن العديد من العوامل التي دفعت بالأسعار إلى الارتفاع آنذاك لا تزال قائمة، ومنها تلك العوامل المنافسة التي بات يمثلها الوقود النباتي والتي تؤثر على المردودية، وارتفاع نسبة سكان المدن، ثم آثار التغيرات المناخية التي تهدد المحاصيل.

منذ اجتماع القمة الذي احتضنته روما في شهر يونيو/ حزيران 2008، أنشأت الأمم المتحدة فريقا لتنسيق العمليات الخاصة بالغذاء، يرأسه الآن الدكتور دفيد نبارو الذي اشتهر بقدرته على حل المعضلات خصوصا عندما ساهم في التصدي لأنفلونزا الطيور. لكن المذكور، وقبل يومين من لقاء مدريد قال: "إن انهيار الاقتصاد العالمي لم ينه أزمة الغذاء بل زادها حدة وتعقيدا"، فبينما تنتشر ذبذبات الهزة التي ضربت القطاع المصرفي في البلدان الغنية لتهز باقي بلدان العالم- تضرب الموجة بعنف أولئك الذين هم أقل قدرة على الصمود في البلدان الأكثر فقرا.

لقد قلت الأموال التي تستثمر في مشاريع تجارية جديدة، خاصة الغذائية منها، كما انخفضت المبالغ المخصصة للاستثمار الخارجي المباشر؛ أضف إلى ذلك أن تباطؤ الحركة الاقتصادية في العالم يعني أن المبالغ التي يرسلها العمال المهاجرون إلى بلدانهم قد تقلصت.

النمو الاقتصادي في الدول النامية:

استنادا إلى البنك الدولي، يتوقع أن ينكمش حجم التجارة العالمية لأول مرة منذ سنة 1982، مما سيعرقل أكثر النمو الاقتصادي في البلدان النامية.

إن انخفاض أسعار بعض المواد الأولية بسبب الأزمة المالية، قد خفف من حدة ارتفاع أسعار المواد الغذائية، لكنه تسبب في المقابل في عدد من المشاكل لبلدان تعتمد اقتصاديا على هذه المواد الأولية، في المؤتمرات التي قيل بأنها ستعالج مشكلة الأزمة الغذائية بالمساعدات، خصص مبلغ 18 مليار دولار لمعالجة الأزمة على الصعيد العالمي، لكن الجمعيات المعنية بمكافحة الفقر تقول إن هذه المبالغ الموعودة لم يوزع أي منها على المحتاجين، إذ يقول رئيس فرع النداء العالمي لمكافحة الفقر موانجي وايتورو، إن أسعار المواد الغذائية لم تتوقف عن الارتفاع ما جعل من الصعب على العديد إطعام عائلاتهم. مضيفا: "إن المجتمع الاستهلاكي الراهن تسبب في تآكل شبكات التضامن الاجتماعي التقليدية، مما يجعل الفقراء في ظرف أكثر حرجا".

كل هذا يعني أن أهداف الألفية المتعلقة بمكافحة الجوع والفقر قد لا تتحقق، خاصة وأن عدد الأشخاص الذين ينامون وهم جوعى يقارب المليار، بينما تؤدي خطط إنقاذ البنوك في الدول الغنية إلى نقص في الاعتمادات التي كانت ستخصص لإطعام الجياع وتمويل مشاريع زراعية.

الدول النامية في إفريقيا هي الأكثر تضررا، فهي لم تسلم تاريخيا من النهب الاستعماري المباشر، والذي تحول إلى نهب برؤية يقال إنها إنسانية! إذ إن الارتفاع المطرد في أسعار المواد الغذائية يهدد بدفع 30 مليونا من سكان القارة الإفريقية إلى تحت خط الفقر.

بحسب أحدث التقارير المتعلقة بهذه المسألة، فإن هناك حوالي 800 مليون إنسان في هذا العالم يعانون اليوم من سوء التغذية، ومع هذا الارتفاع في أسعار المواد الغذائية، سيستمر هذا العدد بالارتفاع.

يروي أحد حضور مؤتمر روما، ما شاهده في هايتي من قيام الجياع بتناول فطائر مصنوعة من الطين يضيفون إليها قليلا من الزيت والملح، فيما يقول أحد أساتذة مادة علم الاجتماع في سويسرا "زيجلر": "إن الجوع ليس تحت السيطرة منذ مدة"، وإنه يميل إلى الاعتقاد أن من يرى غير ذلك مصاب "بالجنون"، متهما العولمة وسياسة "احتكار الثراء في الأرض" بالمسؤولية عما سماه "العنف البنيوي"، مضيفا: "لدينا قطيع من متعاملي البورصات ومن المضاربين ومجرمي المال الذين ازدادوا شراسة وأنشأوا عالما من اللامساواة والفظاعة، علينا أن نضع حدا لهذا".

ثورة الجياع:

يتوقع أكثر المتفائلين بثورات يمكن تسمينها بثورات الجياع، إذ يعرب مبعوث الأمم المتحدة عن اعتقاده في قيام انتفاضة الجياع قائلا: "إن ذلك ممكن مثل الثورة الفرنسية"، لكن ماذا عن تشخيص بعض الدول التي تدعي الديمقراطية والبحث عن سبل تحقيق حرية الإنسان وحقوقه؟.

في المثال، نستشهد بأقوال المستشارة الألمانية ميركل التي تشغل المنصب التنفيذي الأعلى في أكبر منتج للوقود الحيوي في أوروبا- ولو أن الحديث معاد-: تقول: إن ارتفاع أسعار الغذاء لا يرجع أساسا إلى إنتاج الوقود الحيوي وإنما إلى "قصور السياسات الزراعية في البلدان النامية وإلى تغير العادات الغذائية" في الأسواق الناشئة.

تضيف ميركل: "من يسافر إلى الهند هذه الأيام سيلاحظ أن النقاش الرئيسي يدور حول الوجبة الثانية.. الناس يأكلون مرتين في اليوم، وإذا كان ثلث الشعب الهندي البالغ تعداده مليار نسمة يفعل ذلك فهؤلاء عددهم 300 مليون نسمة، ذلك جزء كبير من أوروبا الغربية".

أما حول القيود التي يفرضها الاتحاد الأوروبي على منتجات الألبان فتقول المستشارة الألمانية: "إذا استهلكوا فجأة طعاما يعادل مثليّ ما كانوا يستهلكونه، وإذا بدأ 100 مليون صيني في شرب الحليب أيضا فإن حصص الحليب لدينا ستقل".

تذكّر أقوال ميركل، بأقوال الملكة البريطانية فيكتوريا، التي حينما استفسرت عن سبب ثورة الناس، وعندما قيل لها إنهم لا يجدون الخبز ليأكلوه، قالت: فليأكلوا البسكويت!!.

وفي المحصلة، فإن الاحتجاجات التي أثارها ارتفاع تكاليف الغذاء في مختلف أرجاء العالم ستزداد سوءا وإنه "فيما يتعلق بأعمال الشغب المرتبطة بالغذاء فإن الأسوأ لم يقع بعد.. مئات الألوف سيتضررون".

يذكر أن نقص الغذاء والارتفاع الكبير في الأسعار قد أثارا أعمال شغب في دول مثل هايتي والكاميرون ونيجيريا وأندونيسيا ومصر، وأثارا شكوكا عميقة بشأن الوقود الحيوي المنتج من محاصيل غذائية.

في الأزمة المالية:

الأزمة المالية هي الأخرى، تقترب من الكارثة برغم أحاديث التفاؤل، إذ أعلن صندوق النقد الدولي مؤخرا، أن الركود الاقتصادي أحكم قبضته على أوروبا، وأن آسيا قد تشهد تعافيا بسيطا خلال السنة القادمة!!.

يقول التقرير نصف السنوي للصندوق الذي صدر الأسبوع الماضي، إنه من المحتمل أن ينكمش الاقتصاد العالمي بنسبة 1.3 بالمئة هذا العام مسجلا أعمق كساد حتى الآن بعد الحرب العالمية الثانية، ومتجاوزا تقديرات سابقة له تتراوح بين 0.5 و1 بالمئة، وأن تعود أسواق المال إلى الاستقرار وقتا أطول مما كان يعتقد بادئ الأمر.

يتوقع انكماش الاقتصاد الأمريكي خلال العام الجاري بنسبة 2.8 بالمئة، لكن هذه التقديرات تتناول ما هو رسمي، فيما الواقع يقول: إن واحدا من كل عشرة أمريكيين غير قادر على تأمين ثلاث وجبات طعام يوميا، فآخر الإحصاءات الرسمية لوزارة الزراعة الأمريكية أظهرت أن اثنين وثلاثين مليون أمريكي أجبرتهم الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالولايات المتحدة على اللجوء إلى برامج مكافحة الجوع الخاصة منها والحكومية، أو ما يعرف بالبطاقات التموينية.

تداعيات أنفلونزا الخنازير:

في الأزمة الثالثة، ظهرت موجة الخسائر التي ضربت النتائج المفصليّة لشركات عالميّة مختلفة، ما يعدّ استمرارا للنمط القائم منذ اندلاع أزمة الائتمان، وقد تكون العديد من القطاعات قد وصلت إلى قعر مستنقع الركود مع توالي الأزمات العالميّة مثل فيروس "أنفلونزا الخنازير".

يرى المحللون، أن التداعيات القاسية لأنفلونزا الخنازير على القطاعات الاقتصاديّة في مختلف البلدان حول العالم، قد تمثّل إذا تحوّل المرض إلى وباء خطير جدا، مأساة جديدة تضاف إلى ما أنتجته الأزمة الماليّة العالمية على صعيد الجوانب الحقيقيّة من الاقتصاد العالمي، نظراً لأنّ الطلب لا يزال عند مستويات منخفضة وثقة المستثمرين تبقى هشّة، في ظلّ توقّعات بأنّ الاقتصاد العالمي سيتقلّص بنسبة 1.3 في المئة خلال العام الجاري..

يسود الذعر الأسواق المالية العالمية، وتنخفض المؤشرات على وقع التحذيرات المتكررة، فقد حذّر الخبير العالمي المعروف جوان، وهو خبير صيني في علم الفيروسات من احتمال انتشار الفيروس على نحو وبائي قائلا: إن العالم على شفا وباء، وإنه لا يمكن احتواء تفشي فيروس أنفلونزا الخنازير في غضون فترة قصيرة، مؤكداً وجود إصابات في كل المناطق، وأن الصورة تتغير باستمرار.

ووسط موجة الذعر من وباء قد لا يمكن السيطرة عليه، انخفضت أسعار الأسهم والنفط في آسيا وأوروبا، إذ يخشى المستثمرون مزيدا من الاضطراب في الاقتصاد العالمي الهش بالفعل؛ وتراجع مؤشر "أم.أس.سي.اي" للأسهم العالمية بنسبة 0.7 بالمئة، وانخفضت أسعار النفط هي الأخرى تحت وطأة توقعات بأن الاقتصاد العالمي ربما يعاني في حالة حدوث وباء لأنفلونزا الخنازير فيما كانت تقديرات البنك الدولي تشير إلى أن وباء عالميا للأنفلونزا قد يكلف العالم ثلاثة تريليونات دولار، ويخفض إجمالي الناتج المحلي العالمي بنسبة خمسة بالمئة.

أسئلة كبيرة تحتاج إلى أجوبة، ومنها: إلى أين نحن ذاهبون؟.. وهل ما يحدث نتاج التآمر أم ماذا؟ أهو امتداد لحرب الموارد؟.. 

المصدر: العرب أونلاين