واقع التعليم وتحدياته في اليمن
الأربعاء, 09-يوليو-2008
عائش عواس - التعليم هو المقوم الأساسي في نهضة الشعوب وبناء الدول والوسيلة إلى بلوغ الأهداف الروحية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية وإحراز التقدم العلمي والتكنولوجي، ولما للتعليم من أهمية فإن الدول الحريصة على النهوض والتقدم تجعل قضية التعليم على رأس سلم اهتماماتها، وتعتبره استثماراً طويل الأجل، وتبذل الإمكانيات والأموال الكثيرة من أجل تجديد التعليم وتطويره، بل لا نبالغ إذا ما قلنا أن الدول الحديثة تنظر إلى التعليم على أنه أهم القضايا الوطنية إدراكاً منها بأن التعليم هو المفتاح السحري لنهضتها.
وإذا كان التعليم يحتل هذه المكانة لدى الدول فإنه بالنسبة لنا نحن اليمنيين أكثر أهمية من غيرنا نظراً للتركة الثقيلة من الجهل والتخلف التي خلفتها لنا العهود الماضية، وسنحاول في السطور التالية وبقدر المستطاع أن نستعرض واقع التعليم بعد أكثر من أربعة عقود لقيام الثورة اليمنية وتوضيح أهم المشكلات والإختلالات التي يعاني منها، ومن ثمّ طرح بعض المقترحات التي يمكن أن تساهم في إصلاحه وتطويره.

واقع التعليم ومشكلاته
حققت اليمن قفزات تعليمية كبيرة وخاصة من الناحية الكمية، ويتبين ذلك من التوسع في بناء المدارس والجامعات والمعاهد الفنية والتقنية، وتزايد أعداد المستوعبين من الطلاب والطالبات في مراحل التعليم المختلفة، حيث وصل عدد الملتحقين بمرحلة التعليم الأساسي من الذكور والإناث على مستوى الجمهورية في عام 2005 إلى حوالي 4.000.000 طالب وطالبة بينما وصل عدد طلاب المرحلة الثانوية في نفس العام إلى 2.500.000 طالب وطالبة.
غير أن التوسع الكمي في مجال التعليم رافقه اختلالات عديدة تكاد تفقده فاعليته وتعيقه عن أهدافه ومن هذه الإختلالات:
1- انخفاض معدلات التحاق الأطفال في سن التعليم: حيث لا يزال النظام التعليمي غير قادر على استيعاب جميع الأطفال في سن التعليم، فنسبة الأطفال الذين لا يجدون فرصتهم في التعليم تصل الى 36 في المائة، فيما حوالي 73 في المائة ممن هم في سن التعليم الثانوي لا زالوا خارج النظام التعليمي وتقل نسبة الاستيعاب كلما صعدنا في السلم التعليمي.
2- ارتفاع نسبة الفاقد: إن من مظاهر قوة وجودة النظام التعليمي محافظته على استمرار الطالب في دراسته حتى يكمل المراحل الدراسية التي تؤهله للحياة، ويأتي الفاقد بطبيعة الحال بسبب تسرب الطالب من المدرسة لأسباب تربوية أو اقتصادية أو اجتماعية أو بسبب الرسوب أو سوء المعاملة أو لعدم الاقتناع بجدوى التعليم أو لغير ذلك من الأسباب. وطبقاً للمصادر الرسمية، فإن طلاب الصف التاسع -على سبيل المثال- يمثلون 50 في المائة من طلاب الصف الأول. أما على مستوى الإناث فنسبتهن في الصف التاسع 26.8 في المائة إلى الصف الأول تقريباً، وذلك مؤشر واضح يدل على زيادة نسبة الإهدار والتسرب لكن هذه النسبة تظل أفضل بكثير مقارنةً بما كان عليه الحال في فترات الثمانينيات، حيث كانت نسبة التسرب تصل إلى 80 في المائة، ومن ثمّ فلابد من دراسة هذه المشكلة واتخاذ التدابير للحد منها والتخفيف من آثارها.
3- ارتفاع نسبة الأمية: لا تزال نسبة الأمية في اليمن من أعلى النسب في العالم، إذ تصل نسبة الأمية بين الذكور إلى نحو37 في المائة وبين الإناث إلى نحو 76 في المائة والمتوسط لكلا الجنسين 55 في المائة. وما يزيد من مشكلة الأمية هو عدم قدرة النظام التعليمي على استيعاب جميع الأطفال في سن التعليم وذلك يضيف أعداداً إلى صفوف الأمية كل عام، وبرغم أنه قد تم تبني حملات لمحو الأمية قبل وبعد تحقيق الوحدة، إلا أن الجهود بهذا الخصوص لا زالت متواضعة إذ لا يمكن لوزارة التربية وحدها القضاء على الأمية، وإنما يتطلب الأمر تعاونا وتوجها شاملا من كل الجهات المعنية لأن الأمية مشكلة كبيرة تترك آثاراً سلبية اجتماعية واقتصادية ودينية وثقافية تؤثر على كل مجالات الحياة.
4- المعلم: المعلم الكفؤ يمثل حجر الزاوية في العملية التربوية ولا يتحقق أي نجاح من دونه، ومهما وفرنا للتعليم من إمكانيات أخرى فإن هذه الإمكانيات تذهب سدى دون توفر المعلم الكفؤ. وبهذا الخصوص يمكن القول أن نسبة كبيرة من معلمي الصفوف الأولى يحملون مؤهلات دنيا (إعدادية- ثانوية) وجميع هذه الفئات التي تعمل في هذه المرحلة المهمة وهي مرحلة الأساس لم تأخذ قدراً من التدريب أثناء الخدمة، كما أنه ليس هناك أي برامج تدريب أثناء الخدمة تقدم لهم للارتقاء بمستواهم العلمي والمهني.
5- المناهج: تمثل المناهج الوعاء الذي يشكل فكر الطالب، وإذا كانت الجهود قد تواصلت لتطوير مناهج التربية والتعليم بما يتناسب والمستجدات في ميادين المعرفة المختلفة، إلا أن الملاحظ أن المناهج الحالية لا تتناسب وحقيقة المتغيرات الجديدة التي شهدتها اليمن ولاسيما المتغيرات السياسية المتمثلة بتبني التعددية السياسية والحزبية، حيث يٌفترض في ظل هذه المتغيرات أن ترسخ المناهج قيم الديمقراطية والتسامح وحرية الرأي والتعبير لكن هذه المفردات لا زالت شبه غائبة.
6- الإدارة المدرسية: تلعب الادارة المدرسية دوراً مهماً في العملية التعليمية والتربوية، واستغلالها للإمكانيات وحسن تعاملها مع الطلاب وأولياء الأمور والبيئة المحيطة. ويعتبر مدير المدرسة الموجه المقيّم في مدرسته، والإدارة المدرسية في بلادنا تبدأ وتنتهي بتعيين المدير حيث لا تدريب ولا متابعة وليس هناك برامج تأهيلية ولا تطويرية لرفع كفاءته والعاملين معه. ومع كل جوانب التقصير في الإدارة المدرسية‘ فإن كثيراً من المدارس من دون مدير، فضلاً عن عدم وجود الوكيل والسكرتير، ولنا أن نتخيل أي تعليم وأي نظام وأي منهج يطبق في مدرسة ليس لها من يدريها ويوفر متطلباتها ويشرف على مدرسيها.
7- الوسائل التعليمية: تلعب الوسيلة التعليمية دوراً مهماً في نقل المعارف إلى أذهان الطلاب، وتقريب المجرد، وتبسيط الحقائق المعقدة، وزيادة الاستيعاب، وقد زادت أهمية الوسائل التعليمية بتطور العلم الحديث وابتكار الجديد من الأساليب، ومهما كان المنهج جيداً من حيث المحتوى فإنه قد لا يصل إلى الطالب في أكمل صورة لانعدام الوسيلة التعليمية أو لعدم وجود المدرس الجيد المدرب على استخدام الإمكانيات المتاحة والمتوفرة في البيئة المحيطة لتساعده في نقل المعرفة إلى طلابه، والمشكلة بهذا الشأن أن الوسيلة التعليمية في بلادنا أصبحت أمراً ثانوياً يقتصر الاهتمام به على مجرد الإستيراد السنوي لبعض المعامل والمواد، كما يقتصر استخدام هذه الوسائل على بعض المدارس الكبيرة في المدن وبصورة جزئية، ويهتم الكثير من مديري المدارس بمجرد استلام المعمل أو الوسيلة فقط، وإذا وصل إلى المدرسة تم تخزين تلك المواد كيفما اتفق، والكثير من المواد يتعرض للتلف والهدر والتسرب، وإلى ذلك، فإن المعامل الموجودة ينقصها الكثير من الأجهزة والمعدات، ومن ثمّ يكون اعتماد المعلم على الكتاب والسبورة فقط.
8- التعليم الفني والمهني: يهتم التعليم الفني والتدريب المهني بإعداد الكفاءات الوسطية والعمال المهرة في مختلف المجالات، وقد تنامى الاهتمام بهذا النوع من التعليم في كثير من دول العالم لسد حاجة المصانع والورش المتعددة، وكذا لمساعدة المهندسين أو الأطباء وغيرهم، لكن هذا التعليم ورغم أهمية ما تحقق بشأنه ما زال يعاني من الاضطراب في المنهج والنظام المالي والإداري ولا يواكب حاجات التنمية، فخريجوه لا يجدون أعمالاً وأغلبهم يبحثون عن وظائف حكومية يتحولون فيها إلى كتبة، بينما يحاول البعض الآخر مواصلة الدراسة الأكاديمية النظرية في غير تخصصه كي يحسن من وضعه الوظيفي، كما أن الأعداد المتواضعة من الملتحقين بهذا النوع من التعليم والأعداد القليلة المتخرجة منهم من كل عام يوضح أن التعليم الفني والتقني ما يزال دون المستوى المطلوب مما يتطلب دراسة مشكلاته والعمل على حلها ليكون قادراً على تلبية حاجة البلاد.
9- التعليم العالي: التعليم العالي هو المرحلة التالية لمراحل التعليم العام، ويقصد بالتعليم العالي المرحلة الثالثة الكبرى في نظام التعليم المعروف اليوم في العالم والتي تقع بعد التعليم الابتدائي والثانوي. والتعليم العالي بمختلف أنواعه يحمل أهمية كبيرة، إذ أن به تنهض التنمية وترقى الأمم، لأنه يمثل مرحلة التخصص والبحث والتجريب، وهو بذلك يحتلّ موقعاً فريداً في قمة نظام التعليم، ويشكل حافزاً لتطوير نظام التعليم بأسره ويحمل ضمناً معنى التعمق في الفكر والاستزادة الراقية منه في آلياته النظرية والعلمية.
إن أهم هدف للتعليم العالي هو إيجاد المتخصصين في شتى العلوم، وهذا الهدف يظل يترقي فيه المتعلم إلى أن يصل إلى أدق التخصصات، ويظل البحث العلمي حجر الزاوية في التعليم العالي، ولاسيما في مراحله العليا، وتعتبر اليمن من الدول المتأخرة في إنشاء التعليم العالي بمفهومه الحديث وإن كان التعليم المتخصص قد عرف سابقاً في مجال الدراسات اللغوية والدراسات الإسلامية، أما التعليم العالي بمفهومه المعاصر فهو حديث جداً في اليمن، إذ يرجع تاريخه الى ما بعد ثورة 26 أيلول/ سبتمبر 1962 بقرابة ثماني سنوات، حيث بدأ التفكير عام 1969 بإنشاء كلية للمعلمين تتولى تخريج المعلمين القادرين على التدريس في المرحلتين الإعدادية والثانوية، ثم تطور التعليم العالي فيما بعد عبر افتتاح عدد من الكليات بجامعة صنعاء وإنشاء جامعة عدن، وبعد تحقيق الوحدة المباركة تم افتتاح عدد من الجامعات الحكومية (7 جامعات) ومثل هذا العدد تقريباً جامعات أهلية.
ويمكن القول إجمالاً، أن التعليم العالي شهد تطوراً كمياً كبيراً حيث ازدادت مؤسساته وطلابه وعدد أساتذته وخريجيه، ولكن لم يرافق ذلك التطور الكمي تطوراً نوعياً يوازي ويساير التطور في الكم، فعدد مؤسسات التعليم العالي من ناحية لا يتناسب وقدرات الدولة المادية وأغلب الطلاب يدرسون بالانتساب ولا يحضرون الجامعة إلا للاختبار، والخريجون منهم لا يجدون فرصة عمل، والسبب أن أغلبهم يدرسون في تخصصات غير مطلوبة، ولم يحدث تطور في برامج الجامعات ولم تخضع مناهجها للبحث والدراسة، وكذا لم تتطور الإدارة في تلك المؤسسات بشكل يتناسب ودورها في المجتمع.

الحلول والمعالجات
لاشك أن إصلاح النظام التعليمي عملية معقدة ومتشابكة، ويتطلب خطة متكاملة الأبعاد والجوانب، إذ أن مكونات هذا النظام يؤثر بعضها في بعض، وينعكس الخلل في أحد المكونات على الجوانب الأخرى، والخطوة الأولى بهذا الخصوص تستدعي بدايةً تغيير النظرة إلى التعليم ليس باعتباره خدمةً اجتماعيةً تخضع في تقدير أهميتها وتحديد أولوياتها للظروف السياسية أو العامة، ولكن النظرة ينبغي أن تتحول ليصبح التعليم استثماراً طويل الأجل في أهم عنصر لبناء الحياة وهو الإنسان، كما أن معالجة الإختلالات يتطلب أيضاً رفع معدلات القيد للطلاب في سن التعليم واستيعاب الأطفال (ذكوراً وإناثاً) الذين هم خارج المدرسة وتطبيق مبدأ الالتزام، وخاصةً في المرحلة الأولى من التعليم الأساسي وذلك لسد منابع الأمية وتوفير المباني والمنشآت والوسائل الكافية والتوسع في رياض الأطفال ونشر التعليم الابتدائي على أوسع نطاق بحيث يتم استيعاب الأطفال في سن التعليم (6-15).
إضافةً إلى ذلك، لابد من إعادة النظر في مناهج التعليم وتخصيص اعتمادات مالية كافية لتطويرها، وفي هذا الإطار يجب أن يتم اتخاذ خطوات عملية في تطوير تعليم القراءة والكتابة بالصفوف الثلاثة الأولى الابتدائية باعتبارها الأساس الذي يمكن أن يؤدي إلى تحسين وتجديد مستوى التعليم عامة.
أما تطوير التعليم الفني والمهني فيتطلب بصورة أو بأخرى تحديد الاختصاصات ومنع الازدواجية والتوسع في إنشاء كليات عليا متوسطة لاعداد مستويات متقدمة من الفنيين تكون لديهم الكفاءة والقدرة في المنافسة في سوق العمل، وإعادة تشكيل المجلس الأعلى للتعليم المهني بحيث يضم ممثلين عن القطاع العام والخاص والمختلط وتنشيط التعاون مع الدول الشقيقة والصديقة للحصول على المساعدات المالية والفنية وخاصة مع دول شرق آسيا.
وبالنسبة للتعليم العالي فإن معالجة الإختلالات التي يعاني منها يستدعي العمل على إعادة النظر في خطط الجامعات وتطوير برامج التعليم الجامعي.