تناقضات السياسة الخارجية الأمريكية.. هل يدخل أوباما التاريخ؟
السبت, 02-مايو-2009
نبيل زكي - تدور التساؤلات حول التوجهات الحقيقية لسياسة الرئيس الأمريكي الجديد باراك أوباما.. وما إذا كان شعار "التغيير" سوف يقتصر على تجديد بعض الآليات، بمعنى أن يتناول هذا التغيير الشكل دون المضمون. والإجابة على هذه التساؤلات تحتاج إلى بعض الوقت، حيث أن هناك إشارات متضاربة "وأحيانا متناقضة" تصدر عن الإدارة الأمريكية الجديدة.

ونظرا لأن العرب لا يشكلون قوة فاعلة ولا يحرصون على التشبث بقضاياهم العادلة، بل يتطوعون– أحيانا– بتقديم خدمات مجانية لأعدائهم.. فإن مسار الأحداث والتطورات في الفترة القادمة يتوقف على ما ستفعله إدارة الرئيس أوباما.

ليس ثمة وضوح إذا كان الأمر يتعلق باستراتيجية متكاملة للإدارة الأمريكية الجديدة، فهناك مؤشرات إيجابية وأخرى سلبية؛ هناك ما يفتح طاقات للأمل، وهناك ما يسبب خيبة الأمل.. وربما الصدمة.

انفتاح على المسلمين:

والمؤشرات الإيجابية كثيرة من جانب باراك أوباما.. فالرجل يمد يده إلى العالم الإسلامي ويدعو إلى فتح صفحة جديدة، كما أنه يتعهد بالتعامل بشكل منفتح مع الحلفاء القدامى والأعداء السابقين؛ وتابعنا لقاءه مع الرئيس الفنزويلي هوجو شافيز في قمة الأمريكتين والاتفاق على إعادة تبادل السفراء، واعتراف أوباما بأن سياسة بلاده تجاه كوبا طوال نصف قرن كانت فاشلة، والتزامه بانتهاج سياسات جديدة تجاه أمريكا اللاتينية.

وربما كانت توجهات أوباما هي السبب في تصريح الزعيم الكوبي فيدل كاسترو بأن السياسة الخارجية التي أعلن عنها أوباما "حققت نتائج سياسية لا غبار عليها". وأضاف أن الرئيس الأمريكي "حصد في أول زيارة له للخارج ثمارا مؤكدة، فهو لا يشبه– بالقطع– سلفه بوش".

نحن بإزاء رئيس يتخلى عن منطق القوة العسكرة والمجابهة والحروب الاستباقية، باعتبارها الوسيلة المثلى والوحيدة لعلاج مشكلات أمريكا مع العالم.. مما يعني أننا كنا سنشهد حروبا بلا نهاية وهيمنة أمريكية مطلقة ومنفردة على الكرة الأرضية.

ولم يكن بوش يختلف في شيء عن أسامة بن لادن الذي قسّم العالم إلى "فسطاط الإيمان" و"فسطاط الكفر".. ودعا إلى حرب مستمرة ضد من يعتبرهم أعداءه. فقد قسّم بوش العالم إلى "معسكر الخير" و"معسكر الشر"، والأخير يشمل الدول المنبوذة والشاردة والكسيحة التي ينبغي القضاء عليها.

أسوأ الرؤساء:

وتحت شعار الحرب العالمية ضد الإرهاب، تعمد بوش الخلط بين الإرهابيين والمناضلين من أجل تحرير بلادهم من الاحتلال الأجنبي؛ ولم يحدث في تاريخ الرؤساء الأمريكيين أن تعهد أي رئيس أمريكي– كما فعل بوش– بدعم التوسع الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة وبحق إسرائيل في الاحتفاظ بالكتل الاستيطانية الكبرى في الضفة الغربية نظرا لوجود حقائق ديموجرافية جديدة، على حد زعمه؛ كما تعهد بوش برفض حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى بلادهم.

وهكذا أثبت بوش أنه مناوئ لقرارات الشرعية الدولية، وقد حرص الرئيس الأمريكي السابق على تضليل العرب وخداعهم وتخديرهم طوال ثماني سنوات عن طريق الترويج لما سمي بـ"رؤية بوش" لقيام دولتين "فلسطينية إلى جانب إسرائيلية". والحقيقة أنه أشرف على تنفيذ سياسة معادية ومدمرة للفلسطينيين تضمن قطع الطريق على إقامة دولة فلسطينية، بل تجعل من قيام هذه الدولة أمرا مستحيلا.

أسلوب جديد:

الآن.. نحن بإزاء رئيس جديد يفضل أسلوب التفاهم والحوار والحلول السياسية والدبلوماسية، وهذا شيء جديد على السياسة الأمريكية لم تعرفه منذ سنوات. ولم تكد تمضي أيام على دخول أوباما إلى البيت الأبيض حتى قام بتعيين السيناتور السابق جورج ميتشل "من أصل لبناني– أيرلندي" مبعوثا للولايات المتحدة في الشرق الأوسط.

وقد اشتهر ميتشل بأنه رجل موضوعي يعارض النشاط الاستيطاني الإسرائيلي في الأراضي العربية المحتلة؛ ويرى المبعوث الأمريكي أن أمن المنطقة يبدأ بحل الصراع العربي– الإسرائيلي بوجه عام والصراع الفلسطيني– الإسرائيلي بوجه خاص، كما يجب إعطاء مفهوم أن "السلام هو مصلحة أمريكية" معنى جديدا وإلا فإن كل الأقوال سوف تتبخر، ولن يكون أمام الشعوب سوى مواصلة الصراع والصدام والحروب.

مصالح مشتركة:

وجاء موقف، أوباما وحكومته، الذي يصر على حل الدولتين ردا على حكومة نتنياهو التي تعارض الدولة الفلسطينية، واضحا كل الوضوح.

إذن.. فإن الإدارة الأمريكية الجديدة تبدي رغبتها في بناء علاقات مع العالم العربي والإسلامي على أساس المصالح المشتركة والاحترام المتبادل. ولوحظ أن وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون انتقدت هدم منازل الفلسطينيين في القدس الشرقية على أيدي الإسرائيليين؛ ثم جاء توجيه الدعوة لكل من الرئيس حسني مبارك والرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو لزيارة واشنطن لعقد اجتماعات منفصلة "مع كل منهم على حدة" حول القضية الفلسطينية.

والواضح أن سياسة أوباما تتجه إلى التعامل مع المعتدلين في الحركات الإسلامية، في محاولة لعزل المتطرفين "سواء في أفغانستان أو باكستان أو العالم العربي".

خطوات مطلوبة:

ورغم ثغرات عديدة في مشروع أوباما للانسحاب من العراق، إلا أن هناك خطة عملية الآن لإتمام هذا الانسحاب على مرحلتين:

الأولى، في أغسطس 2010، مع الإبقاء على حوالي خمسين ألف جندي أمريكي هناك حتى نهاية 2011، وهي المرحلة الثانية؛ وثمة مخاوف من اشتراك الخمسين ألف جندي في مهام قتالية بحجة محاربة الإرهاب، وكذلك من احتمال تأخير انسحاب القوات الأمريكية إلى ما بعد عام 2011 بحجة أن الظروف الأمنية في العراق لا تسمح بذلك.

والمؤكد أن إغلاق معسكر الاعتقال في جوانتانامو ووقف عمليات التعذيب التي سبق أن أقرها بوش من المؤشرات الإيجابية.

كذلك فإن وعد أوباما بوضع برنامج لتحقيق هدف إخلاء العالم من الأسلحة النووية "حوالي 25 ألف رأس حربى نووي" يمثل نقلة نوعية في تاريخ الإنسانية حيث إن جميع الرؤساء الأمريكيين السابقين تجاهلوا السعي إلى تحقيق هذا الهدف، بل كانوا يحرصون على تطوير أسلحتهم النووية لكي تكون أكثر فتكا وتدميرا. وتسربت أنباء من داخل كواليس أجهزة صنع القرارات بأن الولايات المتحدة لا تستبعد استخدام قنابل نووية في حروبها "ضد ايران مثلا".

سلبيات وطعنات:

ولكن المؤشرات السلبية كثيرة، وأخطرها أن أوباما يوافق على أن تكون إسرائيل هي "دولة الشعب اليهودي"، كما أن الموقف الذي سبق أن أعلن عنه خلال حملته الانتخابية "وهو الإبقاء على القدس تحت السيطرة الإسرائيلية" يشكل طعنة للشعب الفلسطيني.

ويبدو أن أوباما يريد أن يتجنب المواجهة مع إسرائيل بأي ثمن، ولذلك قرر أن يقاطع مؤتمر ديربان- 2 في جنيف بحجة أن المؤتمر يريد إعادة التأكيد على البيان الختامي لمؤتمر "ديربان-1" في جنوب إفريقيا.

والعبارة التي أزعجت أوباما في البيان الختامي لمؤتمر ديربان-1 هي أن الشعب الفلسطيني يعاني من محنة الاحتلال الأجنبي! ولم يتضمن البيان الختامي لمؤتمر ديربان-2 سوى عبارة حماية الدول من الاحتلال الأجنبي.

والغريب أن أوباما "ودولا أوروبية عديدة" يرفض أي إشارة إلى عنصرية دولة إسرائيل، بينما يعترف كتاب وصحفيون إسرائيليون بأن هناك تصرفات عنصرية عديدة للدولة الإسرائيلية.

تراجع مؤسف:

من المؤشرات التي تثير القلق، أن أوباما عجز عن الدفاع عن قرار تعيين "تشارلس فريمان" في منصب رئيس المجلس القومي للاستخبارات الذي يشرف على 16 جهاز مخابرات في الولايات المتحدة واضطر إلى التراجع عن قراره تحت ضغط "اللوبي" الصهيوني في أمريكا والضغط الإسرائيلي. وكان فريمان قد انتقد إسرائيل عدة مرات بسبب احتلالها للأراضي العربية وسياستها الاستيطانية.

ويندرج في إطار المؤشرات السلبية أن أوباما ما زال يعمل بمشروع بوش الذي يشعل أوار الحرب الباردة من جديد، وهو مشروع الدرع الصاروخي في بولندا والجمهورية التشيكية مما يفتح الطريق أمام سباق التسلح. كما أن أوباما لا يمانع في تعزيز حلف الأطلنطي ويلح على أن يلعب دورا أكبر في أفغانستان وفي الساحة الدولية.

أخطاء ونكسات:

ورغم أن أوباما كان يبحث عن مخرج للمشكلة الأفغانية، إلا أنه اعتبر أن حربه "الخاصة" هي الحرب في أفغانستان، ولذلك أرسل 21 ألف جندي أمريكي إضافي إلى هناك، ويبحث الآن إرسال عشرة آلاف جندي آخرين. ويتغاضى أوباما عن تحذيرات عديدة له من أن أفغانستان يمكن أن تتحول إلى فيتنام أخرى تستنزف طاقة الولايات المتحدة.

وبينما كان المواطنون الأمريكيون يتطلعون إلى إنهاء حروب بلادهم في الخارج وقرروا إسقاط المرشح الجمهوري في انتخابات الرئاسة واختيار المرشح الديمقراطي المناوئ للحرب في العراق، يجدون الآن أن أفغانستان تحل محل العراق مع استمرار الحرب في العراق حيث زادت في الآونة الأخيرة عمليات العنف هناك.

ويدخل في سياق توسيع وزيادة التزامات أمريكا العسكرية، موافقة طاقمه الحاكم على الالتزام بالاتفاقية المبرمة بين وزيرة الخارجية الإسرائيلية السابقة "تسيبي ليفني" ووزيرة الخارجية الأمريكية السابقة كونداليزا رايس والتي تنص على "منع تهريب الأسلحة إلى قطاع غزة".

برنامج بديل:

هذا هو ما يسميه كاسترو "تناقضات السياسة الخارجية الأمريكية، فالزعيم الكوبي يلاحظ دعم أوباما لقمّة حلف الأطلنطي، ويتساءل: هل يشك أحد في أن هذا الحلف منظمة حربية عدوانية تهدد، ليس روسيا فقط وإنما دول أخرى أيضا، في أي مكان من العالم؟

ولو ركز أوباما جهوده على إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، وعاصمتها القدس الشرقية، وألغى مشروع الدرع الصاروخي الموجه لروسيا ووضع خطة متدرجة لتصفية حلف الأطلنطي "حيث لم يعد هناك مبرر لوجوده" وسحب قواته بالكامل من العراق، وتوصل إلى تسوية إقليمية في أفغانستان؛ ووضع برنامجه لإقامة عالم متحرر من الأسلحة النووية موضع التطبيق لدخل التاريخ من أوسع أبوابه. 


العرب أونلاين