اختراق أمن اليمن القومي في خليج عدن
الثلاثاء, 28-أبريل-2009
أحمد محمد الشرعبي - بات الممر المائي الهام في البحر الأحمر منطقة حساسة تتلاقى عبرها مصالح خطوط التجارة لقارات العالم القديم (آسيا- أفريقيا- أوروبا) و فوق ذلك ساحةً للبارجات والسفن العسكرية للدول النافذة في العالم، ووجود هذا العدد المتزايد من القطع العسكرية الأجنبية له تأثير خطير على الأمن الإستراتيجي للجزيرة العربية والقرن الأفريقي اللتان تتقاطع مصالحهما في هذه المساحة من العالم. وعلى اعتبار أن مضيق باب المندب يربط بين ثلاث قارات، ويزداد الاهتمام العالمي به منذ القديم، وخصوصاً بعد حفر قناة السويس عام 1869 ثم ظهور البترول وتزايد التجارة العالمية، ثم يأتي المستطيل البحري الممتد من خليج عدن والواصل إلى شواطئ جيبوتي في الأهمية التالية، ومع هذا التفاوت في الأهمية إلا أن منطقة البحر الأحمر الجنوبي برمتها تظل محل تطلع عالمي.

وأنتقل تحديداً إلى جنوب البحر الأحمر المتحكمة في مضيقه –باب المندب- اليمن وجيبوتي وإلى حد ما الصومال، والمعروف أن اليمن والصومال هما صاحبتا أكبر إطلالة مباشرة على المياه الإقليمية في خليج عدن، ويمتلكان سواحل بحرية طويلة؛ فلليمن 2800 كلم على البحر الأحمر والعربي والصومال 3500 كلم على البحر الأحمر والمحيط الهندي. وتمضي الأهمية الجيوسياسية لمنطقة جنوب البحر الأحمر إلى تأكيد أهمية كلاً من اليمن والصومال اللتان يرتفع لديهما مؤشر التهديد كلما ازدادت احتمالات العسكرة الأجنبية في البحر الأحمر، وبالتالي فإن اليمن يصبح في صدارة الاستهداف كون الصومال غارق في الفوضى منذ العام 1991، الأمر الذي يضع كثيراً من التكهنات والاستفسارات عن ثمة أحداث دراماتيكية قادمة تضع هذا المستطيل البحري في صدارة الأحداث.

وتصير الجزيرة العربية والقرن الأفريقي هما الشق الآخر المتأثر مما يجري لدى اليمن والصومال، فاليمن يقع في الكفة الجنوبية من الجزيرة العربية وبالتالي فهو الحامي الجنوبي للخليج العربي بعد تدمير العراق الحامي الشمالي وما يجري في الصومال سينتقل بتأثيره إلى البقية في القرن الأفريقي، في حين أن الأحداث المكوكية –عمليات القرصنة- في السواحل اليمنية والصومالية سيتجاوز الجزيرة والقرن الأفريقي إلى التجارة الدولية المستفيدة من سلامة الملاحة الدولية في البحر الأحمر، وسلامة آبار النفط في الجزيرة والقرن الأفريقي، ويأتي تكهن أساسي أن التجاهل الدولي للحرب الأهلية في الصومال ثم عمليات القرصنة الناتجة عن الفوضى الصومالية مفاده إيجاد مبرر لفرض وجود عسكري أجنبي في البحر الأحمر –وهو بحر عربي- يكون له ما بعده، حيث ستكون المنطقة برمتها عرضة مباشرة للإملاءات والسيناريوهات القادمة من الدول النافذة التي يروق لها انتقاص –أو انتفاء- السيادة العربية –خصوصاً اليمنية- على مياه وجزر البحر الأحمر.

واليمن منذ وقت باكر كان يدعو إلى جهود جماعية تقف على ما يجري في جنوب البحر الأحمر، واستدعت دواعي الحرص على الأمن والسلم اللذين يتوجب توفرهما في البحر الأحمر والقرن الأفريقي إلى جهود يمنية حثيثة كانت وراء ميلاد تجمع صنعاء بإيجاب وتعاون سوداني أثيوبي عام 2002 يدعو ميثاقه التأسيسي إلى انضمام دول جنوب البحر الأحمر والقرن الإفريقي، حيث وصل المشاركون خمسة دول (اليمن، السودان، إثيوبيا، الصومال، جيبوتي) في القمة الأخيرة في كانون الأول/ ديسمبر الماضي بالعاصمة السودانية الخرطوم. واليمن عموماً -بغض النظر عن ما يمكن أن يقدمه له تجمع صنعاء أم لا- كانت عرضة لتأثر والتأثير بما جرى من أزمات وتوترات في هذا الجزء من العالم، يمكن وصفها في التالي:
أولاً: الحرب التي دارت بين إثيوبيا وإريتريا من العام 1998 إلى العام 2000 وإثره توصل الطرفان (الاريتري- الأثيوبي) إلى قرار يرسم الحدود بينهما بناءاً على توصيات لجنة مستقلة لترسيم الحدود بينهما في العام 2002..
ثانياًُ: النزاع اليمني الإريتري في العام 1995م بشأن أرخبيل جزر حنيش الإستراتيجي الواقع على البحر الأحمر، وقد حسمت محكمة لاهاي النزاع بين الطرفين بأحقية اليمن لجزرها التاريخية.
ثالثاً: القضية الصومالية التي ابتدأت بحالة انتهاء الدولة منذ العام 1991 ومروراً بحكم الإسلاميين وانتهاء بالغزو الأثيوبي المنسحب مؤخراً.

وجراء تلك الأحداث كانت الأراضي اليمنية تستقبل موجات من النازحين من البلدان الثلاثة –الصومال واثيوبيا واريتريا- وخصوصاً اللاجئين الصوماليين الذين تجاوزت أعدادهم الستمائة لاجئ صومالي.

ناهيك عن أن الفوضى الصومالية قد أسفرت عن ظاهرة القراصنة التي تركت للتداعي، الأمر الذي يفتح المجال للتكهن عن وجود أجندات خارجية تقف وراء التزايد والاتساع الملفت لعمليات القرصنة التي قد تجاوزت البحر الأحمر إلى المحيط الهندي وسواحل كينيا والسواحل اليمنية في البحر العربي. ويحذر معهد "شاتام هاوس" في اكتوبر 2008 بأنه لابد من التعامل مع القراصنة، إذ أن انعكاسات ارتفاع التكلفة ستؤدي بالسفن إلى تجنب الإبحار في خليج عدن لتسلك الطريق الأطول عبر أوروبا وأميركا الشمالية ورأس الرجاء الصالح.

ويفضي القلق والتساؤل المتراكم منذ دخول منطقة القرن الأفريقي وجنوب البحر الأحمر في حلقة أحداث أمنية ومواجهات عسكرية وأخيراً عمليات القرصنة التي أسفرت عن تداعي عشرة دول أوروبية في حلف الأطلسي لإرسال قواتها البحرية لمواجهة القراصنة إلى القول بأن مخاوف اليمن القديمة بخصوص مايجري في المنطقة كانت طبيعية. فقد كرراليمن نداءاته لأميركا والعالم الغربي (وحتى العالم العربي والخليجي تحديداً) بضرورة مكافحة القرصنة ومنذ وقت باكر، ناهيك عن تأكيداتها منذ سنوات الفوضى الصومالية الباكرة أن ذلك سيخلف تداعيات وانعكاسات على المنطقة برمتها. 

مصدر المقال: مشروع "منبر الحرية" www.minbaralhuriyya.org